أفلام الحافظة الزرقاء

by nemo_ebeid | created - 24 Nov 2015 | updated - 12 Sep 2019 | Public

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب د. أحمد خالد توفيق

 Refine See titles to watch instantly, titles you haven't rated, etc
  • Instant Watch Options
  • Genres
  • Movies or TV
  • IMDb Rating
  • In Theaters
  • Release Year
  • Keywords





IMDb user rating (average) to
Number of votes to »




Reset
Release year or range to »




































































































1. Jaws (1975)

PG | 124 min | Adventure, Mystery, Thriller

87 Metascore

When a killer shark unleashes chaos on a beach community off Cape Cod, it's up to a local sheriff, a marine biologist, and an old seafarer to hunt the beast down.

Director: Steven Spielberg | Stars: Roy Scheider, Robert Shaw, Richard Dreyfuss, Lorraine Gary

Votes: 659,712 | Gross: $260.00M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

أعترف بأنني لم أضع خطة عامة أتحرك على أساسها في تقديم أفلام الحافظة الزرقاء، وإنما هي العشوائية. لهذا أعترف كذلك بأنه كان لابد أن أقدم فيلم "الطيور" لهيتشكوك قبل أن أقدم فيلم اليوم، لأن فيلم "الطيور" هو المرجع الأهم لكل أفلام المُسوخ التي قُدمت بعده، ووضع القواعد الخالدة لأفلام المسوخ التالية. ولا شك أن ستيفن سبيلبرج كان يضع الطيور في ذهنه وهو يخرج "الفك المفترس" الذي عرض عام 1975.

وبما أننا لا نعمل وفق خطة معينة؛ فلنتحدث اليوم عن الفيلم الذي صار ظاهرة حقيقية في السبعينيات. يؤرخون دومًا لهذا الفيلم بأنه أول فيلم يبدأ موضة أفلام الصيف حاصدة الإيرادات (Summer Blockbuster).

كنت قد أنهيت امتحان نهاية العام لتوي، وذهبت مع صديق عزيز إلى السينما في يوم صيف حارّ، حيث كانت حشود من الناس تقف خارج دار السينما بانتظار رؤية فيلم العَقد هذا. وبالطبع أعرف لحظات الألم تلك؛ حيث أشعر أنني إن لم أرَ الفيلم الآن سيَتلفُ أو سيبهت ويفقد جزءًا من سحره!

كل إنسان قد رأى هذا الفيلم الآن.. وقد تأكدتْ لنا من جديد حقيقة أن الشاشات الصغيرة تقتل الفيلم قتلاً، ومن رأى الفيلم على الفيديو أو الكمبيوتر عرف قصته، لكنه لم يرَه! فالصورة الكبيرة، وظلام السينما، والجلوس مرغمًا لمدة ساعات، وسماعات الستريو.. هي الطقوس المقدسة للاستمتاع بفن السينما، ومن دونها يتحول أي فيلم إلى حلقة أجنبية مثيرة ليس أكثر. كان الفيلم في قاعة السينما تجربة لا يمكن وصفها، خاصة وأن الناس في ذلك الوقت لم تكن قد رأت شيئًا كهذا من قبل.

لا شك أن ستيفن سبيلبرج كان يضع الطيور في ذهنه وهو يخرج "الفك المفترس" لا شك أن ستيفن سبيلبرج كان يضع الطيور في ذهنه وهو يخرج "الفك المفترس"

قصة الفيلم هي للكاتب الأمريكي بيتر بنشلي، الذي اشتهر برواياته التي تدور في عالم البحر، وعندما اختار سبيلبرج هذه الرواية الغريبة موضوعًا لفيلمه كان هذا غريبًا؛ لأن الرعب عامة ليس من اهتماماته على الإطلاق.

ويرى عدد من النقاد أن الفيلم -مهما بلغ من ضخامة- لا تتجاوز قصته أن يكون فيلمًا تسجيليًا عن صيد القرش الأبيض العظيم. ربما كان الأمر كذلك، لكن هناك فلسفة قوية في كل قصص المسوخ، وقصص الكوارث الطبيعية التي تحل بقرية آمنة على كل حال، ولهذا ربما تجد في القصة ظلالاً من طاعون ألبير كامي أو ذباب سارتر. السمكة هي عقاب السماء الذي ينزل بالقرية ليعري النفوس ويكشف المنافقين، ثم تهلك في النهاية على يد أكثرهم طهرًا.

هناك خيوط كثيرة جدًا تذكرنا بقصة موبي ديك، ولا شك أن روبرت شو كان يمثل والقبطان "أهاب" في ذهنه. هناك كذلك خيوط كثيرة من "عدو الشعب"؛ مسرحية إبسن الشهيرة.

هناك في القصة الأصلية علاقة بين زوجة المأمور وعالم البحار.. طبعًا لم يكن لها أيّ داعٍ، كما أنها تُضعف تعاطفك مع هذا الأخير، وقد أحسن كاتب السيناريو عندما حذفها بذكاء.

من ضمن عوامل قوة الفيلم كذلك ذلك اللحن القوي جدًّا، الذي وضعه جون ويليامز؛ لحن اقتراب السمكة والذي يشعرك بالخطر الداهم قادمًا. وتقول مجلة إمباير أن نغمة دا - دم - دا - دم هذه صارت أشهر من ضربات بيتهوفن الثلاث في سمفونيته. إن سبيلبرج يستعين دومًا بجون ويليامز ليضع موسيقى أفلامه، ويقول النقاد إن هذه الموسيقى العبقرية تخبر الناس بما يجب أن يشعروا به، أي أنها تسد ثغرات الإخراج..

أضف إلى هذا التصوير الممتاز لباتلر، ثم القرش الميكانيكي "بروس" الذي صنعه خبير المؤثرات بوب ماتي، وهو الذي صنع الأخطبوط العملاق في فيلم "20000 فرسخ تحت الماء"، وقد تكلف القرش ربع مليون دولار وقتها. في الحقيقة كان على الخبير أن يجري دراسات مطولة في معهد سكريبس للأحياء المائية، واستعان بخبير الأحياء المائية بيونارد كامباجو، لأن العالم لا يعرف إلا أقل القليل عن القرش الأبيض العظيم.

كانت هناك ثلاثة قروش من المطاط لتناسب تعدد وجهات نظر الكاميرا. الأسنان لينة لتسمح للقرش بالإطباق على صدر الممثل، وكان الجلد يُغيَّر كل أسبوع لتآكله بالماء المالح والشمس، وكان هناك أربعون فنيًا لتحريك النماذج. لكن التصوير -الذي تم في كرمة مارثا بولاية ماساتشوستس- كان متعسرًا، وكانت النماذج لا تكف عن الغرق.

كان هناك قاربان كذلك، أحدهما صُمم بحيث يتحطم بسهولة لدى هجوم القرش. لكن التصوير كان نوعًا من الفوضى العارمة وكانت المشاكل كثيرة.. ويقال إنه كان سلسلة من المشاجرات لا تنتهي.. والتصوير الذي تقرر له 55 يومًا طال ليستغرق 160 يومًا.

بالطبع مع ظهور الفيديو والـDVD، استطاع صيادو العيوب أن يجدوا مشاكل كثيرة في الصورة وفي نموذج سمكة القرش. برغم هذا ما زلت أجد القرش أكثر إتقانًا وإرعابًا من القروش المرسومة بالكمبيوتر بالكامل في البحر الأزرق العميق..

بالطبع لن أعيد سرد القصة التي يعرفها القارئ جيدًا، لكن هناك مشاهد موجسة لا يمكن نسيانها.. الحفل الساهر الذي يقيمه الشباب على الشاطئ في ضوء القمر، والفتاة التي تهرع إلى الماء لتظفر بسباحة في المياه المظلمة.. ثم تشعر باهتزازات تحت الماء وينقلب شهيقها صراخًا وهي تدرك أنها بين فكّيْ شيء مريع.



هذه اللقطة صارت كلاسكية جدًا وقد تم تقليدها مرارًا

الترافلنج السريع للكاميرا وهي تتقدم ونحن معها مرغمين، بلا روية ولا كياسة وسط قاع البحر..

منظر الأقدام السابحة من تحت الماء، ونحن فقط ندرك أن وحشًا تحت الماء ينتظر فرصته.. إن الموسيقى المتوجسة تعطينا إنذارًا مسبقًا بأن شيئًا سيحدث، بينما أبطال الفيلم لا يعرفون..

كوننا لا نرى السمكة إلا بعد ثلثيْ الفيلم كان استثمارًا ناجحًا، وهذا جعل خيالنا يعابثنا بقسوة.. لقد تخيلنا كل شيء ممكن.. في الحقيقة كان سبيلبرج مرغمًا على هذا الغموض أغلب الوقت؛ لأن نماذج سمكة القرش كانت تتْلَفُ أو تغرق طيلة الوقت، لذا قرر أن يوحي بوجود السمكة أكثر من إظهارها.. ومن الغريب أن هذا خدم الفيلم جدًا. ثم عندما ظهرت السمكة للمرة الأولى والمأمور يلقي بالسمك المتعفن في الماء، فإن ظهورها يعطينا صدمة حقيقية كالتي شعر بها المأمور.. يتراجع بظهره مذهولاً ليقول للصياد العبارة الشهيرة: ـ"نحتاج إلى قارب أكبر!".



لو رأيت اللقطة لرأيت تأثيرًا سينمائيًا شهيرًا يوحي بالدوار اسمه Dolly Zoom Effect، حيث يبدو كأن حجم الخلفية يكبر بينما المقدمة ثابتة في حجمها.

هذه ورطة شبيهة بورطتنا التي حدثت منذ أشهر في شرم الشيخ: سمكة القرش تهاجم البلدة الهادئة (أميتي) في بداية موسم الصيف، وبرغم محاولات مأمور القرية أن يوقف موسم الاصطياف ويغلق الشاطئ؛ فإنه يصطدم برجل السياسة الأناني الذي يكره أن تخسر البلدة اقتصاديًا. هناك صياد خشن (يؤدي دوره بعبقرية روبرت شو) يعرض خدماته باهظة الثمن لصيد السمكة، وبالطبع ترفض البلدة هذا العرض..



في النهاية تضطر إلى أن تلجأ لخدماته، وتنطلق السفينة في عرض البحر.. الفيلم يدور حول ثلاثة رجال شديدي التباين وسمكة.. الصياد روبرت شو شديد الثقة في نفسه والملئ بالجبروت.. عالم الأحياء المائية ريتشارد درايفوس الذي يحاول أن يثبت أنه خشن.. المأمور الرقيق روي شيدر الذي يكره البحر ويشعر بأنه ضائع بين خبيريْ البحر هذيْن..



وفي النهاية تحاصر السمكة العالم تحت الماء وتحطم القارب وتلتهم الصياد في مشهد شنيع حقًا

ويجد المأمور الجاهل بالبحر نفسه وحيدًا في وسط المحيط مع السمكة التي يبدو أن لها قدرات غير أرضية.. لكنه يجد الحل وينجح في إلقاء أسطوانة أكسجين بين شدقيها، ثم يحكم تصويب البندقية ليفجر الأسطوانة والسمكة..



بعد هذا عاد "الفك المفترس" في أجزاء تزداد ضعفًا وسخفًا، وكان السؤال في كل فيلم هو: كيف تموت السمكة هذه المرة؟

حقق الفيلم -كما قلنا- نجاحًا مذهلاً ساحقًا، وكان أعلى الأفلام إيرادًا في تاريخ السينما، إلى أن جاء "حرب الكواكب" بعد ذلك بسنتين.

نال الفيلم أوسكار أفضل مونتاج، وأفضل موسيقى، وأفضل صوت. كانت المهمة صعبة أمامه؛ لأنه كان أمام فيلم عظيم فعلاً هو "أحدهم طار فوق عش الوقواق".

2. Rosemary's Baby (1968)

Approved | 137 min | Drama, Horror

96 Metascore

A young couple trying for a baby moves into an aging, ornate apartment building on Central Park West, where they find themselves surrounded by peculiar neighbors.

Director: Roman Polanski | Stars: Mia Farrow, John Cassavetes, Ruth Gordon, Sidney Blackmer

Votes: 235,292

سيطرت بريطانيا لفترة لا بأس بها على سينما الرعب، وخصوصا مع إنتاج شركتيها "هامر" و"أميكوس" لقد عرف العالم كله مذاق الرعب البريطاني.. الألوان الزاهية.. الدماء.. الجو الفكتوري.. مصاصي الدماء الذين يخرجون من التوابيت قبل أن تنغرس الأوتاد في صدورهم، كرستوفر لي وبيتر كوشنج.. لقد فقدت هوليوود عرشها ولم تعد السينما التعبيرية الألمانية موجودة، لم يبق سوى صوت خافت هو روجر كورمان الأمريكي الذي تخصص في قصص إدجار آلان بو.. بدأت الثورة على الرعب البريطاني في السبعينيات عندما جاء من أمريكا فيلمان يحملان أصالة في الإخراج وأصالة في القصة وأصالة في الرؤى، واهتز العالم لرؤية الرعب الأمريكي الذي يحمل مذاقا خاصا، والذي لا يتوقف عند شيء، لقد جاء الرعب الأمريكي ليطرد اللوردات الوقورين المهتمين بآداب السلوك حتى وهم يمزقون جثث الموتى أو يشربون الدم، الفيلم الأول في هذه الثورة كان "طارد الأرواح الشريرة Exorcist" الذي قدّمناه هنا، والذي يعرفه الجميع، اعترف كرستوفر لي بطل أفلام دراكيولا البريطاني أنه لا يجرؤ ولا يتحمل مشاهدة هذا الفيلم.. الفيلم الثاني هو "طفل روزماري" وهو فيلم كئيب مصنوع بإتقان، ويعتبر الأب الشرعي لكل أفلام ابن الشيطان أو مجيء الشيطان للأرض.

المخرج رومان بولانسكي لا يحب النهايات السعيدة المخرج رومان بولانسكي لا يحب النهايات السعيدة

رومان بولانسكي مخرج بولندي عبقري يعيش في الولايات المتحدة، وهو بالمناسبة يهودي لا يكف اليهود عن تذكيرنا بيهوديته، قدّم لنا أفلاما مهمة مثل "تيس" و"قتلة مصاصي الدماء البواسل" و"عازف البيانو" و"الحي الصيني" و"البوابة التاسعة".. لا شك أن بولانسكي عبقري، لكنه كذلك يحمل ندبة نفسية قوية لأن زوجته هي بطلة أشهر مذبحة في القرن العشرين، الممثلة شارون تيت التي هاجم الهيبز بقيادة مانسون بيتها وقتلوها مع ضيوفها وبقروا بطنها ليخرجوا جنينها، كان مقدرا لبولانسكي أن يعيش المذبحة لكنه لم يكن موجودا ليلتها، وبالطبع لا بد أنه تأثر نفسيا بشدة بكل هذا العنف الذي لا داعي له، يمكن القول إنه أدرك أن الشيطان قادم للأرض ليعيد للملاعين مجدهم ويقضي على الحب والرحمة، وهذا ما أراد قوله في أفلامه التالية.

في العام 1968 يقدم لنا رومان بولانسكي هذا الفيلم المخيف عن قصة شهيرة للكاتب إيرا ليفين، بطلة الفيلم "روزماري" هي الممثلة الرقيقة ميا فارو التي تكون مهمتها هنا أن تفسد سعادة كل أم شابة بمولودها القادم.. أنت تعرف أن الرعب يستكشف الجوانب المألوفة أو السارّة في حياتنا ويحيلها جحيما، وهكذا تكتشف أن الأطفال أشرار وشيطانيون، والحيوانات ممسوسة، والأماكن مخيفة.. هنا يصير الحمل مغامرة حقيقية، عندما تسكن العروس الشابة المفعمة بالأحلام في بناية تعج بالقصص المخيفة.. أختان ساحرتان تأكلان الأطفال.. طفل ميت في بدروم البناية.. هنا نتوقع أن حملها لن يكون صحيا جدا.

بالطبع لا يصدق الزوجان الشابان السعيدان هذا الهراء، وهو خطأ قاتل في أفلام الرعب كما تعرف؛ لا بد أن تصدق كل شيء لتظل حيا.



الزوج الشاب ممثل متعثر في مهنته، وسرعان ما تنعقد صداقة بين الزوجين الشابين وزوجين مسنّين يقيمان في الشقة المجاورة، إنهما زوجان مخيفان لأنهما ألطف من اللازم.

يعرف الزوجان المسنان أن الزوجة ترغب في الإنجاب، وهي تعتمد على طريقة حساب تواريخ معينة لتتأكد من أن معاشرة زوجها سوف تأتي بطفل، هكذا في الليلة الموعودة تأتي الجارة العجوز حاملة كوبين من الشيكولاته المثلجة، تأكل الزوجة الرقيقة فتشعر بالدوار.

تبدأ هلوسة جهنمية غريبة، ترى فيها نفسها على باخرة ورواد الباخرة هم معارفها والزوجان المسنان، الكل يراقبها، ثم يأتي شخص غريب ويخطط جسدها باللون الأحمر.. هناك من يغتصبها بينما الكل يباركون هذا الاغتصاب..

في الصباح تأكد أن الزوجة حامل..

تعني بها العجوز كأنها تعني بطفلتها أو ابنتها الحامل، تحضر لها أدوية من الأعشاب وتغذيها جيدا.

هنا تعرف خبرا غريبا.. الممثل الذي كان يقوم بدور مهم قد أصابه العمى، وهكذا آل الدور إلى زوجها، لماذا؟ هل هناك صفقة مع الشيطان كي تحمل منه ليتحسن مسار زوجها المهني؟

مع الوقت تحاصرها الشكوك وتشعر أن كل من في البناية سحرة، وهذا صحيح مع الأسف لكن إثباته مستحيل.. يمكن تصوّر ميا فارو الشبيهة بعصفور مهيض وهي مذعورة، وزوجها لا يعينها على الإطلاق.. يعتقد أنها هستيرية.. تطلب رأي الطب النفسي لكن أحدا لا يصدق.



لا يمكن الفرار من البناية أبدا..

عندما تلد لا ترى ابنها أبدا.. يأخذونه من جوارها إلى مهد أسود ويقدمون له الهدايا الثمينة في محاكاة شيطانية مقلوبة لمشهد المجوس لدى ميلاد المسيح.. هكذا تندفع في فضول لترى ثمرة بطنها.. يصيبها الهلع عندما ترى هذا المسخ وتصرخ "ماذا فعلتم بعينيه؟!".

شاهد هذا المشهد هنا

يقول لها جارها الساحر إن المجد للشيطان.. الرضيع الذي أنجبته هو ابن الشيطان، ولم يكن زوجها هو الذي نام معها في تلك الليلة، إن الشيطان ابنها اسمه "أدريان"، سيرد للملاعين اعتبارهم!

يقول لها زوجها إنه اضطر إلى هذا لضمان مستقبله.. يمكننا أن ننجب طفلا غيره؛ اعتبريه ولد ميتا.

لكنها تبصق في وجهه ثم تتقدم لتحمل الرضيع ابن الشيطان بين ذراعيها وتهدهده، فالأمومة أقوى من كل شيء.. وينتهي الفيلم نهاية مفتوحة متروكة لخيالنا.



أدت ميا فارو أداءً فائق الروعة.. خصوصا مع تدهور حالتها ونحولها كلما تقدم الحمل، كان هذا الفيلم سببا في طلاقها من فرانك سيناترا زوجها الذي اشترط ألا تمثل أبدا، لكن الفيلم كان أقوى منها، الفيلم درس في خلق التشويق وعوالم الظلال والموسيقى التصويرية المتوجسة، وبالتأكيد احتل مكانة متقدمة في سينما الرعب، من بين 100 فيلم رعب نال المرتبة التاسعة.

فاز الفيلم بجائزة أوسكار عن أفضل دور مساعد الجار المسن روث جوردون، وتم ترشيحه لأفضل سيناريو عن رواية، نفس الممثل نال جائزة الكرة الذهبية.. رشح الفيلم كذلك لجائزة الكرة الذهبية عن أفضل ممثلة وأفضل سيناريو وأفضل موسيقى.

فيما بعد قدم بولانسكي فيلما اسمه "المستأجر" وهو قريب جدا من هذا الفيلم.. يؤدي هو نفسه الدور الرئيسي في القصة، وفي النهاية ينتحر بالوثب من النافذة، يقول بولانسكي إنه لا يحب النهايات السعيدة التي تنتهي بهزيمة الشر أو عقابه.. هناك نوع من التلفيق في هذا يضطر إليه صانعو الأفلام لإرضاء المشاهد، بينما انتصار الشر في نهاية الفيلم قد يدفع المشاهد إلى المقاومة والإيجابية.

3. Fahrenheit 451 (1966)

Not Rated | 112 min | Drama, Sci-Fi

In an oppressive future, a fireman whose duty is to destroy all books begins to question his task.

Director: François Truffaut | Stars: Oskar Werner, Julie Christie, Cyril Cusack, Anton Diffring

Votes: 45,434

4. The Stranger (1991)

Not Rated | 97 min | Drama

A well-off family is paid an unexpected, and rather unwanted, visit by a man claiming to be the woman's long-lost uncle. The initial suspicion with which they greet the man slowly dissolves as he regales them with stories of his travels.

Director: Satyajit Ray | Stars: Utpal Dutt, Dipankar Dey, Mamata Shankar, Bikram Bhattacharya

Votes: 4,387

5. The Fearless Vampire Killers (1967)

Not Rated | 91 min | Comedy, Horror

56 Metascore

A noted professor and his dim-witted apprentice fall prey to their inquiring vampires, while on the trail of the ominous damsel in distress.

Director: Roman Polanski | Stars: Jack MacGowran, Roman Polanski, Alfie Bass, Jessie Robins

Votes: 33,875

6. Missing (1982)

PG | 122 min | Biography, Drama, History

78 Metascore

When an idealistic American writer disappears during the Chilean coup d'état in September 1973, his wife and father try to find him.

Director: Costa-Gavras | Stars: Jack Lemmon, Sissy Spacek, Melanie Mayron, John Shea

Votes: 23,379 | Gross: $14.00M

7. Dreams (1990)

PG | 119 min | Drama, Fantasy

A collection of tales based upon eight of director Akira Kurosawa's recurring dreams.

Directors: Akira Kurosawa, Ishirô Honda | Stars: Akira Terao, Mitsuko Baishô, Toshie Negishi, Mieko Harada

Votes: 29,196 | Gross: $1.96M

8. Get Carter (1971)

R | 112 min | Action, Crime, Thriller

80 Metascore

When his brother dies under mysterious circumstances in a car accident, London gangster Jack Carter travels to Newcastle to investigate.

Director: Mike Hodges | Stars: Michael Caine, Ian Hendry, Britt Ekland, John Osborne

Votes: 36,793 | Gross: $0.39M

9. The Bridge on the River Kwai (1957)

PG | 161 min | Adventure, Drama, War

88 Metascore

British POWs are forced to build a railway bridge across the river Kwai for their Japanese captors in occupied Burma, not knowing that the allied forces are planning a daring commando raid through the jungle to destroy it.

Director: David Lean | Stars: William Holden, Alec Guinness, Jack Hawkins, Sessue Hayakawa

Votes: 233,372 | Gross: $44.91M

الآن نعود إلى الأستاذ العظيم السير ديفيد لين الذي لم يقدّم سوى عدد محدود من الأفلام، لكن كل فيلم منها خالد في تاريخ السينما ويصلح للتدريس في معاهدها في العالم، كما أن لين نفسه واحد من أعمدة هوليوود السبعة الذين تسقط من دونهم، ويكفي أن نذكر بين أفلامه “أوقات عصيبة” و”ابنة رايان” و”ممر إلى الهند” و”لورانس العرب” و”د. زيفاجو”… يؤكد لين القاعدة القديمة التي لا تخيب: أفضل المخرجين على الإطلاق هم من بدأوا حياتهم بالمونتاج؛ المونتاج يتيح لك فهم الإيقاع، ويتيح لك رؤية أخطاء الآخرين في أفلامهم.

في العام 1957 قدم ديفيد لين قطعة من السينما الخالصة، مما يمكن بدقة تسميته “من كلاسيكيات السينما”، ولسوف يرتبط اسم ديفيد لين باسم الفيلم للأبد، يعرف من شاهدوا الفيلم معنى كلامي، على كل حال هو يعرض في التلفزيون كثيرًا، ويمكنك مشاهدته كاملاً على يوتيوب هنا مثلاً:





من الغريب أن لين كان في حالة إفلاس تامة، لدرجة أنه بمجرد توقيع العقد وأخذ الدفعة الأولى، ذهب لطبيب الأسنان وكان بحاجة ماسّة لزيارته!

كان تقدير الجميع هو أن الفيلم سيروق للنقاد جدا، لكنه سوف يفشل جماهيريا مع جوّه المتجهم الحار، وطاقم التمثيل المكون من رجال فقط، وهو ما تبيّن خطؤه. لنفس السبب تم حشر دور أنثوي لا لزوم له وقصة حب مع ممرضة يمر بها أحد الأسرى الفارين..

سيناريو الفيلم الذي كتبه مايكل ويلسون عن كتاب للكاتب الفرنسي بيير بوليه، يحكي عن قصة حقيقية وقعت أيام حرب الملايو.. هذا فيلم ملوّث بالملاريا والدوسنتاريا والبعوض، فيلم عن أسرى الحرب البريطانيين الذين لاقوا الأمرّين في جزر الملايو، عندما وقعوا في أيدي اليابانيين.. لاحظ أن اليابانيين لم يكونوا يؤمنون باتفاقية جنيف، ويعتبرون أسرى الحرب أقلّ شأنًا من الرجال، لو كانوا رجالاً حقًا لفضّلوا الموت على المهانة.

استمع إلى المارش المميز للفيلم الذي بدأ كتابته مؤلف بريطاني، واسم المارش “مارش كولونيل بوجي”، ثم استكمله مالكولم أرنولد، والذي يصوّر مسيرة الأسرى وسط الحر والمستنقعات والعرق، هذا لحن شهير جدًا وصار يستعمل في أي مارش في العالم، ينافسه في ذلك مارش عايدة الشهير:





يعرف المشاهد البريطاني أن الصفارة في بداية اللحن كانوا يغنون عليها: “هتلر له خصية واحدة”، لكن المنتج بالطبع لم يرد أن يضع كلمات كهذه..

ليس كل من تراهم في اللقطات كومبارس بريطانيين.. من أجل خفض النفقات استعان المنتج بمواطنين عاديين من سيلان وعمل لهم ماكياج يجعلهم مثل البريطانيين.

في معسكر الأسرى الموجود في تايلاند، يكلف القائد الياباني كولونيل سايتو أسراه ببناء جسر يصل بين بورما وتايلاند بغرض وصول اليابانيين إلى بورما، وبالطبع يستغل الجنود كل فرصة ممكنة لتخريب ما يعملون، باعتبار هذه فرصة ممتازة للتهريج والوطنية معا.. يوشك القائد الياباني على الجنون.. إن فشله في بناء الجسر معناه -حسب العسكرية اليابانية- أن عليه الانتحار..

هنا يأتي الكولونيل البريطاني نيكولسون.. يقوم بالدور أليك جنيس.. الممثل البريطاني العظيم الذي يذكره الناس دومًا في هذا الدور.. الكولونيل يتحدى القائد الياباني ويصر على أن قوانين جنيف تعفي الضباط من العمل..

شاهد حرب الإرادة بين القائدين الكبيرين:





يهدده القائد بالموت ويمزّق اتفاقية جنيف في وجهه، يصل صراع الإرادتين للذروة عندما يسجنه القائد الياباني في قفص طيلة النهار القائظ والليل البارد كأنه دجاجة، مشهد مغادرة القائد البريطاني للقفص “المدعو بالفرن” مشهد رائع، ويقول أليك جنيس إنه أفضل أداء له في حياته المهنية.



عندما يغادر القائد البريطاني السجن الانفرادي يدرك أن الوضع في منتهى السوء، وأن المهندسين اليابانيين أساءوا اختيار كل شيء.





ينظر للأمر نظرة مختلفة؛ هي أن الجسر يمثل كرامة العسكرية البريطانية، يجب أن يتم إنجازه بدقة وإتقان وبلا مزاح..

تتبدل نظرة الأسرى للكولونيل مع الوقت.. كانوا يعتبرونه بطلا لهم، ثم أدركوا أنه يحمل وسواسا قهريا.. فكرة الجسر مسيطرة عليه إلى درجة الجنون.. الآن يدرك الرجال أن قائدهم متعاون مع العدو إلى أقصى حد.. وكلامه عن العسكرية البريطانية التي يريد تخليدها ليس سوى كلام عن تخليد نفسه.. هذا نموذج للسيناريوهات التي تقلب الموقف وتطور الشخصيات بقوة.. ليس هناك أبطال للأبد.. ليس هناك أبيض ولا أسود، وإنما هناك لون رمادي كما في عالم الواقع.





وفي الوقت ذاته يرسل الحلفاء قوة كوماندوز لتدمير الجسر، معتمدين على معلومات أحد الأسرى الفارين “يلعب دوره ويليام هولدن”. مشهد الذروة هو اقتراب قطار ياباني محمل بالعتاد والرجال كأول تجربة حقيقية للجسر، وهو نفس الوقت الذي يكتشف فيه نيكولسون معدات التفجير ويبلغ بها القائد الياباني.. لقد صار البريطاني والياباني في ذات الخندق..





وبالفعل يموت عدد كبير من الكوماندوز منفذي الهجوم؛ يموت نيكولسون نفسه وهو يردد: ما هذا الذي فعلته؟ ثم يسقط فوق المفجر فينفجر الجسر بالقطار الذي كان فوقه.. لقد تذكر واجبه العسكري في اللحظة الأخيرة..

تم تصوير الفيلم في سيلان لأن الموقع الأصلي للقصة كان فقيرا لا يناسب السينما. ويمكن تخيل حجم الإنفاق على إنتاج كهذا مع بناء قرية أكواخ كاملة للعاملين في الفيلم. أضف لهذا ولع ديفيد لين باللقطات الطويلة جدًا وتصوير اللقطة عشرات المرات.. مع الحر والعرق والثعابين والملاريا. دعك من أزمة السويس التي جعلت نقل أي شيء عبر قناة السويس مستحيلاً.

من النقاط الطريفة أن الجسر الذي أقيم في الفيلم كلف أضعاف الجسر الذي أقيم في الحقيقة “ربع مليون دولار وقتها”. لقطات تدمير الجسر كلفت مبلغًا هائلاً من المال، ثم ضاعت اللقطات في ظروف غامضة.. لاحظ أننا كنا في وقت أزمة السويس وكانت الملاحة الجوية مضطربة.. بمعجزة وجدوا هذه اللقطات في علبة تحت الشمس الحارقة لمطار القاهرة، هكذا تعلم المنتج درسا قاسيا وحرص على أن ينقل الفيلم على خمس طائرات منفصلة.

بجدارة حصد الفيلم حشدا من الجوائز نذكر أهمها: أوسكار أفضل فيلم.. أوسكار أفضل مخرج ديفيد لين.. أوسكار أفضل ممثل أليك جنيس.. أوسكار أفضل سيناريو مايكل ويلسون.. أفضل موسيقى تصويرية مالكولم أرنولد.. أوسكار أفضل سيناريو بيتر تايلور.. أوسكار أفضل تصوير جاك هلديارد. طبعا لن نذكر جوائز الكرة الذهبية وبافتا والمهرجانات.

10. The Graduate (1967)

PG | 106 min | Comedy, Drama, Romance

83 Metascore

A disillusioned college graduate finds himself torn between his older lover and her daughter.

Director: Mike Nichols | Stars: Dustin Hoffman, Anne Bancroft, Katharine Ross, William Daniels

Votes: 288,499 | Gross: $104.95M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

من الأفلام المعدودة التي لا يمكن تذكر أحداثها إلا وشريط الصوت الثري يتردد في ذهنك، هو هذا الفيلم، إن أغاني الثنائي سيمون وجارفنكل تتردد طيلة الفيلم تقريبا وتذكرك بكل مشهد فيه، ولعل في هذا عيبا غير متوقع، هو أن الأغاني رائعة إلى درجة أنها تخرجك من حيادية المشاهدة، دعك من أنها تخبرك بالطريقة التي يجب أن تحس بها! نفس العيب يقال عن مؤلف موسيقي ممتاز هو جون ويليامز.. لو أن موسيقى حرب الكواكب أو الفك المفترس أو هاري بوتر كانت أسوأ قليلا، فلربما تلافت هذا العيب الشهير.

ارتبط فيلم "الخريج" كذلك بممثل عصبي قصير القامة عظيم الموهبة، هو داستين هوفمان، فهو ينتمي إلى المنجم الذي جاء منه آل باتشينو ودادلي مور.. هذا الفيلم علامة مهمة لدى جيل بأكمله.

ظهر الفيلم عام 1967 وأخرجه مايك نيكولز ظهر الفيلم عام 1967 وأخرجه مايك نيكولز

ظهر الفيلم عام 1967 وأخرجه مايك نيكولز، الذي قدّم لنا من قبل أفلاما شهيرة مثل "من يخاف فرجينيا وولف" و"المطب – 22" و"ذئب" و"حرب تشارلي ويلسون"، و"ذئب" هو فيلم الرعب الشهير الذي يتحول فيه جاك نيكلسون إلى مذءوب.

كتب القصة تشارلز ويب عام 1963.

تدور القصة حول خريج –بطبيعة الحال– يمر بفترة انعدام الوزن الشهيرة لدى إنهاء الحياة الجامعية. قبل هذا كان هناك قضيب قطار تتحرك عليه.. وكنت تعرف من أين جئت وإلى أين تذهب، اليوم لا يوجد طريق وأنت مسئول عن نفسك بالكامل، حرية مخيفة، حرية تذهب بصوابك.

الفيلم يناقش سقوط شاب بريء في يد ليست بريئة جدا لامرأة تكبره سنا.. هذه تيمة رأيناها كثيرا، وعالجها صلاح أبو سيف ببراعة في فيلم رائع هو "شباب امرأة" عندنا، مع العلم أن "شباب امرأة" يسبق هذا الفيلم بأعوام عديدة.

داستين هوفمان هو هذا الخرّيج، وهو يؤدي أداء لا ينسى في دور بنيامين برادوك الذي تخرج ويعود إلى بيت أسرته، ليس لديه أي مشاريع للغد ولا يشعر بالراحة عندما يسأله أهله عن خططه.. من الطريف أن هوفمان كان مصرّا على أنه لا يصلح للدور، وأن فتاة مثل كاترين روس لا يمكن أن تحب من يبدو مثله ولو بعد مليون سنة.. المنتج نفسه قال إن هوفمان يبدو كصبي بقال، لكن المخرج تمسك به، سوف تلاحظ في الفيلم أن هوفمان يتحرك دوما من اليمين إلى اليسار، بينما كل الآخرين يتحركون من اليسار إلى اليمين، هذا يعني أنه يمشي في اتجاه مخالف للجميع، تذكر اتجاه القراءة لدى الغربيين.

شاهد تترات البداية مع أغنية جارفنكل الرائعة "أصوات الصمت"، سوف تتذكر على الفور أنك سمعت هذه الأغنية في فيلم Watchmen وكانت تعبر عن حقبة زمنية كاملة:



هنا نرى عادة التوحد التي يمارسها بنيامين، العالم الكامل الذي يفر إليه تحت مياه حمام السباحة، حيث لا يرى أحدا ولا يراه أحد، إنه رمز للرحم، للسائل الأمنيوسي الدافئ الذي كان يعزلنا عن صخب العالم.

شاهد الحفل، وعمه يقترح عليه أن المستقبل هو العمل في مجال البلاستيك:



هنا تظهر مسز روبنسون، الممثلة الكبيرة آن بانكروفت في أشهر أدوارها على الإطلاق، حفرت مسز روبنسون نفسها في ذاكرة جيل كامل كان في سن المراهقة وقتها، إنها زوجة محامٍ صديق للأب ولها ابنة ناضجة، تدعو بنيامين إلى بيتها وتحاول أن تلف حبائلها حوله، هنا العبارة الشهيرة: "مسز روبنسون.. أنتِ تحاولين إغرائي.. أليس كذلك؟"، بالمناسبة لم تكن ضِعف عُمر بنيامين كما نعرف في الفيلم، في الحقيقة كانت تكبره بستة أعوام فقط؛ كان في الثلاثين وهي في السادسة والثلاثين، كما أنها كانت تكبر ابنتها في الفيلم بعشرة أعوام فقط.

بعد أيام يلتقي بنيامين مع هذه المرأة الناضجة اللعوب، يحددان موعدا في بار فندق، ثم في غرفة بعد ذلك.



هكذا تنمو العلاقة بينهما، لا شيء يربطهما على المستوى الروحي أو العقلي، لكن الفتى الذي لا يجد طريقا يمضي فيه يمشي مغمض العينين خلف السيدة الخبيرة التي تكبره بعشرين عاما.

استمع إلى أغنية مسز روبنسون الجميلة هنا:

الطريف أن الأغنية كانت أصلا تحكي عن مسز روزفلت زوجة الرئيس، لكن المنتج أصر على شرائها لضيق الوقت، وغيّر الكلمات إلى مسز روبنسون.

الفتى يتعرف على ابنة مسز روبنسون.. الفتاة الجميلة إلين (كاترين روس) التي تقاربه في السن والاهتمامات، هنا تنشأ المشكلة المعتادة: لا يقدر على أن يخبر إلين بعلاقته بأمها؛ الأم شرسة ويمكن أن تفتك به لو ظل مع ابنتها.

في النهاية يعترف للفتاة بما كان منه مع أمها، لكن الأم تشرح لابنتها قصة أخرى ملفّقة حول أن بنيامين اعتدى عليها وهي ثملة، بالطبع لا يستطيع الدفاع عن نفسه بتاتا أمام هذه الكذبة.

الأب يعرف بالأمر ويتم إبعاد إلين، مع الإعداد لزواجها قسرا من فتى يدعى كارل يروق للأب كعريس، لقد انتهى أي اتصال لها مع بنيامين.

في ساعة الزواج يبدأ سباق بنيامين المجنون بحثا عن إلين، يفتش في الكنائس ويعرف أنها ستتزوج في سانتا باربرا، هذه اللقطات شهيرة جدا ويذكرها كل من رأى الفيلم، وفي الكنيسة يقتحم حفل الزفاف، وينادي إلين فتهرب لترتمي في أحضانه.



"لقد فات الأوان" هكذا تخبرها الأم، لكن إلين تقول: "لم يفت بالنسبة إليّ".

ويبدأ مشهد الفرار بثوب الزفاف، وملاحقة جمهور الزفاف لهما.. نحن نراهما من نافذة الحافلة الخلفية، يتبادلان النظرات، لقد تسرعا وتماديا، لا يعرفان أبدا ما سيكون ولا ما سيفعلان في الخطوة التالية، المهم أنهما معا، يكفينا أن الشباب للشباب.



هكذا ينتهي الفيلم الذي يحوي لمسة من التراجيديا والكوميديا معا؛ يمكنك أن تجد فيه لمسة رومانسية هائلة، إن فيه شيئا يروق لكل واحد.

رُشح الفيلم لجوائز لا حصر لها، ونال فعلا أوسكار أفضل مخرج لمايك نيكولز، كما أن مكتبة الكونجرس اعتبرته ذا قيمة عالية للتراث الثقافي البشري، لكني أكرر أن أهم شيء يقدمه هو شريط الصوت الرائع الذي أعطاه طابعا فريدا.

11. Fantastic Voyage (1966)

PG | 100 min | Adventure, Sci-Fi

72 Metascore

When a blood clot renders a scientist comatose, a submarine and its crew are shrunk and injected into his bloodstream in order to save him.

Director: Richard Fleischer | Stars: Stephen Boyd, Raquel Welch, Edmond O'Brien, Donald Pleasence

Votes: 20,839

ان هذا من أفلام الخيال العلمي الناجحة جدا في تلك الفترة، وكان بعض المدارس تُرغم الطلاب على مشاهدته في السينما.. لا ننكر أنه فيلم مسلٍّ جدا، وهو أوّل فيلم يطرح فكرة الفضاء الداخلي، وهي فكرة رأيناها بعد ذلك كثيرا في أفلام الخيال العلمي التالية، لكن أعتقد بأنه أول مَن طرحها..

هناك فيلم شهير في الثمانينيات اسمه "الفضاء الداخلي" (Inner space) من إنتاج 1987 يُناقش ذات الحبكة بشكل كوميدي نوعا ما.. ألهم هذا الفيلم العديد من مدن الملاهي في العالم، لوضع لعبة كهذه تقوم على رحلة في الجسد البشري.



المخرج كان طالب طب ودَرَس التشريح وعلم وظائف الأعضاء قبل أن يصير مخرجا المخرج كان طالب طب ودَرَس التشريح وعلم وظائف الأعضاء قبل أن يصير مخرجا أخرج الفيلم المخرج الشهير ريتشارد فليشر.. لو كنت تملك موهبة تذكّر الأسماء؛ فأنت تعرف أنه مخرج فيلم "تورا تورا تورا" الذي قابلناه منذ أسابيع معدودة، وعرفنا أنه مخرج بارع متمكّن من أدواته الفنية، وأنه قدّم كذلك أفلاما شهيرة؛ مثل: "20 ألف فرسخ تحت البحر" (20000 Leagues Under the Sea) و"كونان المدمر" (Conan the Destroyer) و"سويلنت جرين" (Soylent Green) و"لأشانتي" (Ashanti).

عام 1966 قدّم لنا فيلم "الرحلة العجيبة" عن رواية لأوتو كليمن وجيروم بكسبي.. الحقيقة أن المخرج كان طالب طب ودَرَس التشريح وعلم وظائف الأعضاء قبل أن يصير مخرجا.

صدر كتاب يحكي قصة الفيلم على طريقة Spin off؛ أي أن الأديب يحكي بالضبط ما حدث في الفيلم، وهي تجربة تكرّرت مع "2001 أوديسة فضائية" و"لقاءات حميمة من النوع الثالث" وأفلام أخرى كثيرة.

مَن كَتَب الكتاب هو إيزاك أسيموف كاتب الخيال العلمي العظيم، لذا ساد اعتقاد خاطئ بأن الرواية روايته..



الحقيقة أنه لم يقتنع قط بانكماش المادة الحيوية، ورأى أن هذا مستحيل، لكنه وجد أن القصة مسلّية برغم كل شيء ووافق على العمل بعد تردّد طويل، وإن رأى أن القصة مليئة بالثغرات لذا حاول تصحيحها.

هنا تصوير ممتاز لإرنست لازلو، وتصميم مناظر ممتاز من فريد زندار هو سبب نجاح الفيلم الأهم.

عقدة الفيلم تدور حول الحرب الباردة كعادة أفلام تلك الفترة.. هناك عالم تشيكي يريد أن يهرب بسر علمي إلى الولايات المتحدة، وهي حبكة أفلام كثيرة نذكر منها "خلف الستار الحديدي" لهتشكوك مثلا.

يتعرّض العالم لمحاولة اغتيال، ويصاب بجلطة في المخ تدخله في غيبوبة.هنا بداية الفيلم مع تعليق ساخر وضعه أحدهم، (مع الأسف لم أجد مقاطع كافية من الفيلم على يوتيوب):



نكتشف أن الولايات المتحدة لديها قدرة على تصغير حجم البشر إلى حجم الخلايا، وهذا لفترة محدودة من الوقت.. لا توجد طريقة للوصول إلى الجلطة إلا عن طريق فريق من الأطباء؛ منهم ستيفن بويد ودونالد بليزنس وراكيل ويلش.

هذا الفريق سيركب غواصة خاصة يتمّ تصغيرها وتحقن في جسد العالم.. خلال ساعة يجب أن تصل الغواصة لمخ العالم لتذيب الجلطة.. مصمّم الغواصة للفيلم هو هاربر جوف الذي صمّم الغواصة "نوتيليوس" في فيلم "20 ألف فرسخ تحت البحر" لنفس المخرج.

شاهد المشهد مع تعليق ساخر ليس في الفيلم أصلا

See video هناك مشكلة مهمة هي أن الغواصة ستكبر في الحجم بعد ساعة، وسوف تتعرّض لهجوم الجهاز المناعي في جسم العالم.

هكذا نتابع الرحلة الممتعة داخل جسد العالم وسط بحر تسبح فيه الكريات البيضاء والحمراء.. نسبح في بحيرات اللمف.. نعبر القلب الذي يدقّ ليهز كل شيء في الغواصة.. نعبر الأذن الوسطى وسائل القوقعة.

الطاقم يسبح في اللمف والبلازما.. تمّ تصويرهم وهم معلّقون من كابلات معدنية في الهواء، ثمّ تمّ التصوير بسرعة عالية والعرض بسرعة عادية ليبدو الأمر كأن السائل يقاومهم.. المشكلة أن الكابلات بللت بالحمض لمنع انعكاس النور عليها، والنتيجة أنها كانت معرّضة للانقطاع في أي لحظة.

مجرّد أن يسقط مِبْضَع من ممرضة يؤدّي لأن يحدث صوت مدوٍّ في الأذن، وتتقاذف الغواصة أمواج دوامية.. يذهبون للرئة للتزوّد بالأكسجين من الحويصلات.

إثارة بالغة وسباق مع الزمن، مع هجوم شرس من خلايا الجسد المناعية؛ لأنه اعتبرهم فيروسات أو بكتيريا.. ينجحون في إذابة الجلطة بالليزر،

ويتضح أن بينهم عميلا مزدوجا يحاول الفرار بالغواصة.. ينتهي الأمر بتحطّم الغواصة وتبتلعها الكرات البيضاء.

هكذا يضطرّ طاقم الغواصة للسباحة حتى العين، وهناك يصيرون سابحين في قطرة دمع ينجح الأطباء الواقفون في الخارج في استرجاعها، ويعود الأطباء لحجمهم.. من الطريف أن الوقت الذي يمرّ منذ يتمّ تصغير الأطباء حتى يكبروا هو ساعة بالفعل.. نفس الزمن في الفيلم هو نفس زمن الأحداث!

لاحظ أسيموف بدقته المعهودة أن بقايا الغواصة يجب أن تتضخّم بدورها وتقتل العالم. هكذا -في الكتاب- جعل الأطباء يأخذون معهم الكرات البيضاء التي تحمل بقايا الغواصة إلى خارج جسد العالم.. كذلك لاحظ أسيموف أن الأطباء لن يقدروا على تنفس أكسجين من رئة العالم لأن حجمهم صغير. يجب أن تنكمش جزيئات الأكسجين بدورها، لذا زوّد الغواصة بجهاز يكمش جزيئات الأكسجين.

هذه هي القصة فائقة الإمتاع، وقد نال الفيلم إعجابا لا شك فيه، وما زالت مؤثّراته الخاصة جيّدة ومقنعة بعد نحو خمسين عاما، وأعتقد كذلك بأنه يصلح كوسيلة تعليمية لطلاب الأحياء.. نال أوسكار أحسن مؤثرات خاصة وأحسن إخراج فني، ورشّح لأوسكار أفضل تصوير وأفضل مونتاج، وهناك حشد من الأفلام التي تقلّده.

12. Hair (1979)

PG | 121 min | Comedy, Drama, Musical

68 Metascore

Claude Bukowski leaves the family ranch in Oklahoma for New York where he is rapidly embraced into the hippie group of youngsters led by Berger, yet he's already been drafted. He soon falls in love with Sheila Franklin, a rich girl but still a rebel inside.

Director: Milos Forman | Stars: John Savage, Treat Williams, Beverly D'Angelo, Annie Golden

Votes: 40,891 | Gross: $15.28M

13. The Maltese Falcon (1941)

Passed | 100 min | Crime, Film-Noir, Mystery

97 Metascore

San Francisco private detective Sam Spade takes on a case that involves him with three eccentric criminals, a gorgeous liar and their quest for a priceless statuette, with the stakes rising after his partner is murdered.

Director: John Huston | Stars: Humphrey Bogart, Mary Astor, Gladys George, Peter Lorre

Votes: 166,618 | Gross: $2.11M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.



موسيقى ساكس حزينة كأنها نياط قلب يتمزّق.. شوارع مبلّلة بالمطر وبالوعات يتصاعد منها دخان.. قبعات ومعاطف مطر جلدية.. مخبر غامض صارم الوجه على شيء من القسوة لا يكفّ عن التدخين ويلفّ سجائره بنفسه، ويضع زجاجة ويسكي في خزانة النقود الفارغة.. حسناوات غامضات مميتات (Femme fatale) يُدخنن السيجار بمبسم طويل، ويجلسن إلى البار ليشربن الشمبانيا، وهن ناعمات خطرات كالأفاعي.. عصابات وصفقات سرية.. أزقة خلفية لنيويورك أو سان فرانسيسكو.

مرحبا بك في عالم "الفيلم نوار" (Film noir) أو "الفيلم الأسود".

نعود هنا للكتاب المهم "أنواع الفيلم الأمريكي" الذي كتبه ستانلي جي سولومون وترجمه عاشق السينما الناقد مدحت محفوظ.. يتكلّم الكتاب عن أفلام المخبرين الخاصين؛ فيقول إن المجرم والمحقّق كليهما متورّطان في عالم الجريمة، ولكن الواحد عكس الآخر، ولا يُمكن أن يصير الاثنان بطلَي فيلم واحد؛ لأن كلا منهما محور الأحداث في فيلمه الخاص بحيث يصير الآخر هامشيا.

إن المحقق في "الفيلم نوار" يعمل وحده وبلا سند من الشرطة.. الشرطة تملك الكثير من الصبر والعلم والجلد، لكنها تفشل في لحظة بعينها؛ فتسند المهمة إلى المخبر الخاص.. المخبر الخاص يكره الجريمة والمجرمين بدوافع شبه شخصية، وليس لأنها تمثّل خطرا على النظام العام، وعالمه الخاص هو أمريكا الحضرية التي يختفي الصراع والشهوات فيها تحت قشرة الرقي.. هو رجل بلا ثروة، لكنه يعمل في عالم يعتمد على المال، وغالبا ما تُعرض عليه رشوة مادية أو جنسية يرفضها بلا مبالاة.. إنه خشن يعيش في بيئة فاسدة، لكنه قادر على عزل نفسه عنها.. فيما بعد وإرضاء لمشاهد السينما صار المخبر الخاص يقبل الرشاوى الجنسية.

الشخصية النموذجية في هذا النوع هي شخصية المحقّق سام سبيد في فيلم "الصقر المالطي" الذي يتكلّم بالضبط كرجال العصابات، وهو يقول للمرأة التي يُحبّها:

ـ "لا تكوني واثقة جدا أني منحرف كما ينبغي أن أكون".

أوّل مثال يُقدّمه الكتاب لأفلام النوع هو "الصقر المالطي".. الفيلم الذي أخرجه جون هيوستون عام 1941، عن رواية شهيرة جدا للأديب داشييل هاميت.. كل روايات هاميت تنتمي لهذا العالم، والسبب أنه كان مخبرا خاصا هو نفسه.. لا يوجد فيلم في التاريخ كان أمينا للنوع الذي ينتمي له مثل هذا الفيلم.

هناك اثنان آخران قدّما عام 1931 وعام 1936.. لسبب ما هذه رواية محظوظة جدا، لكن فيلم 1941 هو الأكثر شهرة ونجاحا.

جون هيوستون مخرج أمريكي اشْتُهر بعلامات في تاريخ السينما جون هيوستون مخرج أمريكي اشْتُهر بعلامات في تاريخ السينما

جون هيوستون مخرج أمريكي كبير، اشْتُهر بعلامات في تاريخ السينما؛ مثل: "الملكة اللإفريقية" (The African Queen) فيلم كاترين هيبورن الشهير، و"كنز سييرا مادري" (The Treasure of the Sierra Madre) و"الرجل الذي سيكون ملكا" (The Man Who Would Be King)، لكن فيلم اليوم هو أوّل فيلم يُقدّمه.

هنا يرسم همفري بوجارت بعبقرية صورة المحقّق سام سبيد الكلاسيكية.. حتى إن هناك ما يطلقون عليه "النمط البوجارتي" الذي يرمز للمحقق الخشن الغامض الذي يتكلّم مثل المجرمين.. راجع فيلم (هاري القذر)



أمّا الأنثى الغامضة المميتة فهي ماري أستور.

يُخبرنا الفيلم في بدايته أن فُرسان المعبد في مالطة أرسلوا لشارل -ملك إسبانيا- تمثالا من ذهب لصقر، يزدان بجواهر ثمينة جدا، لكن القراصنة استولوا على الهدية، ومنذ ذلك الحين ظلّ مصير الصقر غامضا.

في عالمنا هذا يُقابل المحقق سام سبيد الزبونة الحسناء ماري أستور.. تبحث عن أختها الضائعة.. في كل هذه الأفلام تقابل العميلة التي تبحث عن أختها الضائعة وغالبا هي تكذب.. لماذا تكذب؟ هذا ما نعرفه فيما بعد.



عندما يذهب أرشر شريك سبيد في المكتب لمساعدة الفتاة يُقتل، ويجد رجال الشركة جثته. يشك رجال الشرطة في أن سبيد هو الذي قتل أرشر.. نفس الشيء تعتقده أرملة أرشر؛ لأنها كانت على علاقة بسبيد.. ربما قتل زوجها كي يفوز بها.

يقابل سبيد من يُدعَى "كايرو" (القاهرة) يطلب منه -مقابل مبلغ مجز- أن يجد تمثالا أسود لطائر.. الرجل يريد التمثال لدرجة تهديد سبيد بالسلاح وتفتيش مكتبه، وفي النهاية بعد معركة قصيرة، يقبل سبيد القيام بالمهمة.. كايرو متأنق يستعمل بطاقات معطّرة كعلامة مميزة لشخصيته، وهو بالمناسبة من أوائل الشخصيات الشاذة جنسيا التي ظهرت في تاريخ السينما وفي زمن محافظ جدا.



هناك أخرى تُدعَى "بريجيد أوشوجنسي" تطلب مساعدته، ويكتشف سبيد أن كايرو والفتاة يعرفان بعضهما.. إن البطلة محاطة برجال خطرين فعلا.



هناك كذلك مَن يُدعى "كاسبر جوتمان".. الشرير البدين الذي قام ببطولته الممثل جرينستريت، وكان أداؤه مذهلا، حتى إن القنبلة الذرية التي ألقيت على ناجازاكي كان اسمها "الرجل البدين" على سبيل التحية له.



في هذا الفيلم ندرك أن كايرو وبريجيد يخشيانه جدا.. جوتمان هو الآخر مستعدّ للدفع بسخاء كي يحصل على الطائر الأسود.. إنه يبحث عن التمثال منذ 17 عاما.. يعده سبيد بأن يجلبه له بالرغم من أنه لا يملك أي فكرة عن الموضوع.. يخبره جوتمان أنه كلّف ثلاثة لصوص بالعثور على التمثال؛ هم: بريجيد أوشوجنسي وكايرو وشخص ثالث، لكنهم أرادوا الاحتفاظ بالتمثال لأنفسهم. يدسّ لسبيد المخدّر في الشراب، ونرى لقطة شهيرة جدا وصعبة جدا تتابع فيها الكاميرا الممثّلين وكأس الشراب وبطن جوتمان المنتفخ والحوار.. إنها لقطة مدرسية لا تُنسَى.



هناك رجل جريح يأتي لمكتب سبيد ويلقي لفافة.. اللفافة تحوي تمثالا أسود لصقر، ثم يسقط ميتا. يخفي سبيد اللفافة في طرد ويضعها في أمانات المحطة.

إن القصة معقّدة ومليئة بالمغامرات والأحداث، فلا داعي لأن أحكيها لك؛ لأنها ستكون أطول من اللازم، وأعقد من اللازم.. فقط ينتصر سبيد في النهاية ويتخلّى عن حبّه من أجل العدالة.



يمكنك مشاهدة ملخص سريع للفيلم

إن أداء بوجارت شديد الأصالة وقد رسم نمط المخبر الخاص في الـ"فيلم نوار" للأبد.. عندما اختيرت أنجريد برجمان لتمثّل فيلم "الدار البيضاء" مع بوجارت جلست تشاهد "الصقر المالطي" لتفهم مفاتيح أداء الرجل.. أمّا عن إخراج هيوستون باعتبار هذا فيلمه الأوّل، فقد كان منظّما جدا ورسم كل لقطة ودرسها جيّدا قبل البدء.

ومِن الطريف أنه صور لفيلم بنفس ترتيب اللقطات على الشاشة، وهذا سلوك غير معتاد في السينما، لكنه يساعد الممثلين على تطوير الشخصيات.

بالطبع لا يمكن أن يوجد فيلم نوار ناجح من دون تصوير مفعم بالظلال، وقد تميّز تصوير أرثر أديسن بالإضاءة الغامضة وزوايا الكاميرا الغريبة.

نال الفيلم إعجاب الجماهير والنقاد، وضمّته مكتبة الكونجرس باعتباره تراثا ثقافيا بالغ الأهمية.. "الصقر المالطي" مِن كلاسيات السينما التي لا بد أن تراها لو لم تكن قد فعلت حتى هذه اللحظة، على الأقل كنموذج صارخ للفيلم نوار.. وإنني لأضمن لك متعة خالصة.

14. The Conversation (1974)

PG | 113 min | Drama, Mystery, Thriller

87 Metascore

A paranoid, secretive surveillance expert has a crisis of conscience when he suspects that the couple he is spying on will be murdered.

Director: Francis Ford Coppola | Stars: Gene Hackman, John Cazale, Allen Garfield, Frederic Forrest

Votes: 121,918 | Gross: $4.42M

عندما قدّم فرانسيس فورد كوبولا -المخرج الأمريكي الكبير ذو الأصل الإيطالي- فيلم "المحادثة"، لم تكن هذه فرصة منحتها شركات الإنتاج في لحظة كرم حاتمي لشاب جاء من فراغ. الحقيقة أن كوبولا كان قد قد قدّم فيلمًا أسطوريًا اسمه "الأب الروحي"، وقد شجّع هذا الشركات على أن تسمح له بأي ميزانية يطلبها، خاصة أنها كانت قبل "الأب الروحي" متشككة وقلقة، والأدهى عندما منح دورًا كبيرًا في الفيلم لشاب لم يسمع عنه أحد، اسمه آل باتشينو. لكن هذا ليس موضوعنا على كل حال.

"المحادثة" (1974) فيلم جميل.. يمكنك أن تشاهده كقصة بوليسية ممتعة، أو تشاهده كفتح سياسي خطير، أو تشاهده كدراسة نفسية معقدة عن الشكّ في الآخرين.. هو إذن من تلك الأفلام التي تحوي شيئًا يروق لكل واحد.

كَتَب السيناريو كوبولا بنفسه عام 1966، وإن لم يستطِع الحصول على مَن ينتجه إلا بعد 8 أعوام، وبعد نجاح "الأب الروحي" كما قلنا. وقام ببطولة الفيلم جين هاكمان؛ وجين هاكمان "ممثل شخصية" خطير يمكنه أن يقنعك بأي دور يقوم به، ويقول دومًا إنه سعيد أنه ليس وسيمًا وإلا لاضطرّ لتمثيل أدوار النجوم فقط.. بملامحه هذه يمكنه أن يكون أي واحد.

الفيلم يرينا كيف أن وسائل التكنولوجيا الحديثة قد جعلت التلصص على الآخرين أسهل.. وفي الوقت ذاته يمكن لهذه التكنولوجيا أن تعطينا صورة خادعة تمامًا!. طبعًا يتكلّم الفيلم عن وسائل الاتصال عام 1974.. يمكن أن نتخيّل كم ازدادت المشكلة تعقيدًا مع تكنولوجيا اليوم.

إن الفيلم يبدأ بداية شهيرة جدًا؛ حيث نتابع المتنزّهِين في متنزه عام في سان فرانسسكو في لقطة واحدة طويلة جدًا.. تركّز الكاميرا بالذات على رجل وامرأة يتبادلان حديثًا عابرًا.. لا نسمعه بوضوح في البداية.. لكن هذه المحادثة ستكون محور الفيلم بعد ذلك، ولسوف نسمعها عشرات المرات بشكل أوضح.. هذا هو المشهد الوحيد الباقي من عمل المصور هاسكل وكسلر قبل أن يختلف مع المخرج فنيًا ويترك الفيلم، وبعده جاء باتلر الذي عمل مع كوبولا في معظم أفلامه بعد ذلك.

هكذا نتعرّف على جين هاكمان -خبير التنصت الذي يعرف الجميع براعته، ويستأجره الكثيرون لتسجيل محادثات معينة- وبما أنه يعرف قدرات أجهزته فإنه يعيش في حالة بارانويا دائمة.. شقته خالية من الأثاث تمامًا ليسهل عليه اكتشاف أي جهاز مدسوس، ولا يستعمل إلا أجهزة الهاتف العمومي فقط؛ فلا يحتفظ بهاتف في شقته. وهو مولع بالعزف على الساكس في شقته على أسطوانات الجاز التي يملكها.

إنه متجرد تمامًا، أو هكذا يحاول أن يكون.. يتصرّف كعاملة الآلة الكاتبة التي تنسخ دون أن تستوعب حرفًا مما تنسخه؛ لهذا لا يهتم أبدًا بمحتوى ما يقوم بتسجيله.. فلا تشغله إلا دقة الصوت وأن يكون "نقيًا كالكريستال".

كلّفه أحد العملاء بتسجيل محادثة الرجل والمرأة في المُتَنَزَّه، وهي مهمة يقوم بها بنجاح تام، وبطريقة معقدة فعلاً.. ألم يعلّمونا أن خير طريقة لتجنّب تسجيل المحادثة هي أن تدور وتدور ولا تقف في مكان واحد؟ نكتشف أن هذه خرافة.. لقد سجّل المحادثة بدقة مذهلة، لكنه لا يفهم شيئًا مما يتكلّمان عنه.. فقط يقوم بتنقية الحوار أفضل فيلتقط عبارات مريبة:

"سوف يقتلنا لو نال الفرصة لذلك". من هو؟ ولماذا يقتلهما؟

يُحاول أن يتجنّب تسليم الشريط للزبون.. من الواضح أن هناك مذبحة ستتم لو تم تسليم الشريط له، فكل شيء يوحي بأن الزبون زوج يريد التجسس على زوجته. يشعر هاكمان أن حياته تتحوّل إلى جحيم؛ بسبب الملاحقة والتنصت عليه.. هناك مَن يتابعه باهتمام، وفي النهاية يسرق أحدهم الشريط منه.

إن هذا البحث المضطرب وحالة عدم الفهم هذه، يُذكراننا بفيلم آخر هو "تكبير" لمايكل أنجلو أنطونيوني.. ولا ينكر كوبولا أنه تأثّر بالفيلم الأخير، الذي كان يتعلّق بمصوّر محترف يلتقط صورة مريبة.

ينتظر حدوث مأساة.. في الحقيقة تحدث مأساة فعلاً، لكن المعطيات كانت خاطئة تمامًا، وما توقّعه هو العكس..

يجن جنون هاكمان، ويبحث في شقته عن جهاز تنصت في أي ركن.. يمزق كل شيء ويُدمّر كل شيء، وينزع لوحات الأرضية في هذا البحث المجنون، ويأتي مشهد النهاية لنجده جالسًا منهكًا على الأرض، يستعمل الأداة الوحيدة السليمة الباقية في شقته.. الساكس.. الجهاز الوحيد الذي يثق به..

عندما عرف العالم تفاصيل فضيحة ووترجيت التي كان الرئيس الأمريكي نيكسون يستعمل فيها أجهزة التنصت على خصومه السياسيين؛ فوجئ مخرج الفيلم كوبولا عندما عرف أن نيكسون استعمل أساليب التنصت نفسها المستعملة في الفيلم. وبرغم هذا فإن الفيلم تمّ الانتهاء منه قبل أن تنشر الصحف الفضيحة، لكن الفيلم عُرض بعد استقالة نيكسون فعلاً، وهو ما دعا الجمهور لأن يعتقد أن الفيلم يعبّر عن فضيحة ووترجيت.

نال الفيلم استحسان النقاد، وضمّته مكتبة الكونجرس إليها لأهميته، فلم يستطِع فيلم سابق الدخول إلى عالم التنصت المرعب بهذه الدقة.. وقد فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان لعام 1974. ورُشّح لثلاث جوائز أوسكار وإن لم ينل أيًّا منها.. الفارق بين الترشيح والفوز طفيف جدًا على كل حال.

بعد أعوام طويلة (22 عامًا) قدّم جين هاكمان ما يُعتبر الجزء الثاني من هذا الفيلم، واسمه "عدُوّ الولاية". يمارس عمله في المختبر الصوتي نفسه ويلبس الثياب نفسها تقريبًا.. وفيه مشهد افتتاحي ضخم يُذكّرنا بالمشهد الافتتاحي في "المحادثة".

كان هذا فيلمًا رائعًا آخر من أفلام الحافظة الزرقاء.

15. Duel (1971 TV Movie)

PG | 90 min | Action, Thriller

81 Metascore

A business commuter is pursued and terrorized by the malevolent driver of a massive tractor-trailer.

Director: Steven Spielberg | Stars: Dennis Weaver, Jacqueline Scott, Eddie Firestone, Lou Frizzell

Votes: 78,428

بالطبع ليس هناك مُشاهد سينما لا يعرف ستيفن سبيلبرج الذي قدّم علامات مهمة في تاريخ السينما؛ منها: "فكان" و"إي تي" و"إنديانا جونز"، و"لقاءات من النوع الثالث"، و"قائمة شندلر" و"المجند رايان"، و"إمبراطورية الشمس". لكن من الصعب أن يذكر الفيلم التليفزيوني (المبارزة - 1971) ضمن القائمة، برغم أنه من درر سبيلبرج الغالية. هذا الفيلم قدّمه سبيلبرج في سن الخامسة والعشرين، وجعل هوليوود تُدرك أن هذا المخرج الشاب يملك شيئًا مختلفًا.. وهذا الفيلم هو الذي بدأ مصطلح "شلة عيال السينما" الذي ساد السبعينيات.

قبل "المبارزة" كان سبيلبرج مخرجًا شابًا يُجيد عمل المطلوب منه في الفترة المطلوبة وبالميزانية المقررة، وقد قدّم عددًا من الحلقات التليفزيونية الناجحة، لكن بعد هذا الفيلم تجرّأت الشركات على منحه فرصة تقديم "احتجاج في شوجارلاند" قبل أن يتهيّأ للوثبة العظمى مع "الفك المفترس". رأيت هذا الفيلم في حلقة من حلقات البرنامج الأسبوعي الجميل "اخترنا لك"، ولم أستطِع نسيانه قط.





هذا الفيلم جعل هوليوود تُدرك أن هذا المخرج الشاب يملك شيئًا مختلفًا هذا الفيلم جعل هوليوود تُدرك أن هذا المخرج الشاب يملك شيئًا مختلفًا قصة الفيلم -وقد نُشرت كقصة قصيرة في مجلة "بلاي بوي"- بسيطة جدًّا: رجل وحيد يركب سيارة صغيرة، يُفاجَأ بشاحنة عملاقة تريد الفتك به.. الفيلم كله هو محاولته للفرار، والأجمل أننا لا نعرف التفسير أبدًا!

إن بطل الفيلم دنيس ويفر تاجر جوّال يقود سيارة صغيرة الحجم في طريق معزول من تلك الطرق الأمريكية الخالدة في أفلام الرعب.

يُقابل الشاحنة وهو يشقّ طريقه في صحراء كاليفورنيا.. إنها بطيئة جدًّا تسدّ الطريق تقريبًا وتلوّث الجو. عندما يتجاوزها تجد السير لتسبقه ثانية، ثم تسدّ الطريق من جديد.



شاهد هذا المشهد هنا



See video سمات الشاحنة غير مريحة؛ فنحن لا نرى سائقها أبدًا.. إنها قبيحة، أما صوت أداة التنبيه فيها فيُذكّرك بزئير ديناصور مما قبل التاريخ.

يتوقّف السائق الصغير في محطة بنزين ليُجري مكالمة مع زوجته.. كأي زوج أمريكي يبدو أن العلاقات مع امرأته ليست على ما يرام.

عودة للطريق من جديد.. الآن بدأ دنيس يُدرك أن هدف الشاحنة هو قتله غالبًا.. يُسرع في طريقه ويتجاوزها.. هنا يُفاجأ بأنها تلاحقه من الخلف بسرعة جهنمية، وهو ما يضطره إلى أن يسرع حتى لا تصدمه. إن الطريق جبلي وعر، وفرصة السقوط في الهاوية عالية جدًّا.. بصعوبة ينجو من الشاحنة عند مطعم صحراوي.. يلوذ به بينما تواصل هي طريقها..

حتى هذه اللحظة ما زلنا نفترض أنها دعابة قاسية من سائق شاحنة دخن بعض الحشيش، لكنها انتهت على كل حال. يدخل دنيس الحمام ليفرغ مثانته وهو يرتجف.. يعود لقاعة الطعام.. هنا يزول أي شك لديه في كون هذا سائقًا عاديًا، عندما يجد أن الشاحنة واقفة خارج المطعم تنتظره!

مَن هو؟ لا بد أن السائق هنا.. يُراقب الموجودين ومعظمهم سائقو شاحنات.. تلعب لعبة الشك بقواعدها، فكل واحد من هؤلاء يبدو مريبًا.. طبعًا لا بد من اللعب على الأعصاب.. هناك سائق شاحنة فظ يغادر المطعم، ويتجه نحو الشاحنة، ثم يتجاوزها ويركب سيارة صغيرة.. من جديد يشك في واحد آخر، ويصل الأمر إلى مشاجرة باللكمات.. لكن عندما تنتهي المشاجرة يغادر الرجل المطعم ليركب سيارة أخرى. فجأة لم تعد الشاحنة واقفة، وهو ما يعني أن سائقها لم يدخل الحانة أصلاً..

يُواصل الرحلة.. الآن صارت الأمور واضحة.. الشاحنة التي تطارده لا تمتّ لعالمنا بصلة.. إنها مسخ من مسوخ أفلام الرعب.. يقف عند قضيب قطار بانتظار مروره، هنا تظهر الشاحنة من لا مكان وتدفعه دفعًا نحو القضيب!

ينجو بمعجزة وبالضبط في اللحظة الأخيرة..

حان وقت طلب الشرطة من محطة وقود. هنا تقتحم الشاحنة المجنونة المحطة، وتهشّم كابينة الهاتف.. وينجو بمعجزة..



شاهد هذا المشهد في الوصلة التالية، وهي لقطة شهيرة؛ لأن سبيلبرج يظهر بطريق الخطأ على زجاج كابينة الهاتف (1:16)



يجرّب عدة مرات أن ينتظر حتى تمرّ ثم يغيّر طريقه، لكنه في كل مرة يُفاجَأ بها بانتظاره.. المشكلة الأخرى هي أن رادياتور سيارته لا يعمل بكفاءة لذا تسخن السيارة بلا توقّف. مطاردة مثيرة جدًا وتحبس الأنفاس.. وفي النهاية يُدرك أنه لا سبيل للفرار إلا المواجهة..



شاهد هذه اللقطة



يقف بالسيارة وظهرها لجرف عالٍ، ثم يضع حقيبته على دواسة البنزين، ويثب من السيارة التي تندفع نحو الشاحنة وتصطدم بها.. مِن ثمّ تسقط السيارتان في الهاوية شعلة من النيران..

وفي لحظة السقوط نسمع صوتًا من الشاحنة.. صوتًا لا يمت للآلات بل هو أقرب لوحش يعوي.. تمّ استعمال نفس الصوت لحظة موت سمكة القرش في فيلم "الفك المفترس"..



شاهد هذا الجزء هنا



لقد انتصر الرجل الضعيف المتوسّط في كل شيء.. والأهم أننا لم نفهم لماذا بدأت تلك المطاردة.. ما نعرفه هو أننا لم نستطِع التنفّس معظم مدة الفيلم.. يرى سبيلبرج أن أفظع ما في الفيلم هو أننا لا نرى سائق الشاحنة أبدًا!

برهن سبيلبرج على براعة إخراجية لا شكّ فيها، واستطاع أن يتعامل مع المسخ الغريب "الشاحنة" بنفس البراعة التي تعامل بها فيما بعد مع مسخ آخر هو الفك المفترس. لا شك أن هناك دروسًا عدة تلقّاها من سيد الإثارة هتشكوك، خاصة مع فيلم المسوخ الأستاذي "الطيور".

اختار سبيلبرج نوعًا معينًا من الشاحنات، يبدو كأن لها وجهًا. وقد وضع لها ماكياجًا خاصًا لتكون قبيحة جدًا. كان طول الفيلم 74 دقيقة، لكن بعد نجاحه الساحق تمّت إطالته إلى 90 دقيقة ليمكن عرضه في دور السينما، وكان هذا عن طريق تصوير لقطات إضافية (مكالمته مع زوجته مثلاً). استغرق التصوير 12 يومًا وهو نموذج لقدرة سبيلبرج المذهلة على إنهاء عمل جيّد في وقت قصير.

كان هذا الفيلم الجميل من أفلام الحافظة الزرقاء..

16. Convoy (1978)

PG | 110 min | Action, Drama

47 Metascore

Truckers form a mile-long "convoy" in support of a trucker's vendetta with an abusive sheriff - Based on the country song of the same title by C.W. McCall.

Director: Sam Peckinpah | Stars: Kris Kristofferson, Ali MacGraw, Ernest Borgnine, Burt Young

Votes: 18,614 | Gross: $45.00M

17. Sleuth (1972)

PG | 138 min | Mystery, Thriller

A man who loves games and theater invites his wife's lover to meet him, setting up a battle of wits with potentially deadly results.

Director: Joseph L. Mankiewicz | Stars: Laurence Olivier, Michael Caine, Alec Cawthorne, John Matthews

Votes: 50,178 | Gross: $4.08M

لا توجد في هذه الحياة الدنيا حقائق مطلقة، ولا يوجد عباقرة.. كلنا مخدوعون واهمون، وكلما توهمنا أننا أذكى من الآخرين وأننا نمشي على جادة الصواب، اكتشفنا أن هذا جزء من لعبة يمارسها شخص آخر أذكى منا. هذا هو تقريبًا ما يريد فيلم "المخبر" أن يقوله لنا، لكنه يخبرنا به عن طريقة قصة (تبدو) بوليسية.. وعن طريق مباراة أداء مذهلة بين ممثلين عظيمين هما لورانس أوليفييه ومايكل كين.. ممثلان بريطانيان استحق كل منهما لقب "سير".

عرفتُ الفيلم من مقال للراحل سامي السلاموني، ومعلوماتي أنه عُرض فقط في نادي سينما القاهرة عرضًا خاصًا، لكن صديقًا لي أكد أنه شاهده في السينما في طفولته. على كل حال رأيته فيما بعد في برنامج نادي السينما بالتلفزيون مع الرائعة درية شرف الدين، وانبهرت به.



مخرج الفيلم هو جوزيف مانكوفتش الذي قدم قبل ذلك أفلامًا مثل "كليوباترا" مخرج الفيلم هو جوزيف مانكوفتش الذي قدم قبل ذلك أفلامًا مثل "كليوباترا" الفيلم من إنتاج عام 1972؛ فلا تخلط بينه من فضلك وبين النسخة الحديثة التي عُرضت عام 2007، والتي قدمها كنيث براناه. لم أر الفيلم الجديد فلا يمكن أن أزعم أن القديم أفضل، وإن كنت أميل إلى هذا الرأي على كل حال.. الفيلم الجديد كتب السيناريو له هارولد بنتر -الكاتب الحاصل على جائزة نوبل- مما يجعله جديرًا بالمشاهدة..

أخرج الفيلم مخرج مهم جدًا هو جوزيف مانكوفتش الذي قدم قبل ذلك أفلامًا مثل "الكونتيسة الحافية" و"كليوباترا". أما السيناريو فهو للكاتب المسرحي الكبير أنطوني شيفر الذي كتب سيناريو أفلام مثل "الجنون" - "رجل الخيرزان" - "قتل في قطار الشرق السريع" - "الموت على النيل".. والفيلم عن مسرحية له.



هنا يتكلم شيفر عن تجربته مع الفيلم



See video يخبرنا الفيلم في التترات أنه من بطولة ثلاثة ممثلين؛ هم لورانس أوليفييه ومايكل كين وأليك كوثورن. الحقيقة أنه من بطولة رجلين فقط، لأننا نكتشف في السياق أن أليك كوثورن هو مايكل كين نفسه.. وينزع قطع الماكياج المذهل أمامنا قطعة قطعة!

القصة تدور في مكان واحد تقريبًا.. هناك كاتب قصص بوليسية ثريّ اسمه وايك -يلعب دوره لورانس أوليفييه- يعيش وحده في قصر جدير بالقصص.. الحديقة على شكل متاهات معقدة، والبيت نفسه مليء باللعب الميكانيكية التي تبعث الرعب في القلوب.. معظم هذه الألعاب بحجم الإنسان. صمم ديكورات القصر كين آدام -مصمم المناظر الأسطوري- الذي عرفناه من أفلام جيمس بوند.

المؤلف واقع في حب فتاة فنلندية، وهو متزوج لكنها زيجة تعسة فعلاً، وهو يعرف جيدًا أن زوجته واقعة في قصة حب مع الكوافير الخاص بها.. وهو فاتن نساء من أصل إيطالي يلعب دوره (مايكل كين).. غريب أن يلعب مايكل كين البريطاني جدًا جدًا دور رجل إيطالي، لكن هذه الأمور لا تضايقنا طبعًا بينما هي تغيظ الغربيين.



شاهد هذا الجزء هنا



إن المؤلف يدعو الكوافير الإيطالي الوسيم إلى داره.. والهدف هو الانتقام منه ووضعه في لعبة عقلية قاسية. يقترح على الكوافير الإيطالي أن تكون المنفعة مشتركة بينهما، باعتبارهما رجلين ناضجين ويفهم كل منهما الآخر.. الكوافير سيسرق بعض المجوهرات الثمينة من القصر لينفق منها على الزوجة.. وفي الوقت نفسه سوف يستفيد المؤلف بمبلغ التأمين على المجوهرات. بعد لأْيٍ يقتنع الكوافير بهذه الحيلة المزدوجة ويتنكر ويتسلل إلى البيت من الخارج ليجعل السرقة مسبوكة أمام الشرطة، فتكون النتيجة هي أنه وضع نفسه بالضبط في موضع اللص.. ويصير من حق المؤلف أن يطلق عليه الرصاص لأنه لص تسلل إلى داره!



شاهد هذا الجزء هنا



بعد يومين من هذا يتلقى المؤلف زيارة من مفتش في سكوتلانديارد اسمه دوبلر.. يبدو لنا أنه الممثل المجهول المذكور في تترات الفيلم باسم أليك كوثورن. المفتش يحقق في اختفاء الكوافير الإيطالي.. يخبره المؤلف ضاحكًا أنه لعب لعبة قاسية مع الكوافير، وفي النهاية أطلق عليه الرصاص فعلاً لكنه رصاص فشنك.. أي أنه جعله يعيش كل أهوال الموت دون أن يموت، ثم أطلق سراحه! لكن الأمور لا تبدو بهذه البساطة للمفتش.. هناك آثار طلقات.. هناك دم على السلم.. هناك اختفاء غير مبرر للكوافير.. هناك دافع الغيرة.. أنت مقبوض عليك يا سيدي بتهمة قتل الكوافير. لقد وجد المؤلف نفسه في مصيدة محكمة.. وسرعان ما يقيده المفتش بالأصفاد..

في اللحظة التي يوقن فيها المؤلف أنه ضاع، يبدأ المفتش في نزع الماكياج ببطء.. وهنا نكتشف أنه الكوافير مايكل كين ذاته!..



شاهد هذه اللقطة الرائعة هنا



الآن تتضح جوانب الصراع بين الشخصيتين. المؤلف الثري يحتقر الكوافير ذا الأصل الإيطالي بشدة، لكنه كذلك منبهر بكونه استطاع أن يخلب لب زوجته. الكوافير يحتقر المؤلف الثري المترف الذي لا يصنع شيئًا حقيقيًا في الواقع. هكذا سيكون على الرجلين خوض صراع عقلي لا ينتهي.. عشرات الألعاب والدعابات العملية المتقنة فعلاً.. وفي كل مرة تبدو اللعبة متقنة بطريقة (يبدو أن الأمر حقيقي هذه المرة) مما يثير الرعب في نفس اللاعب.

مثلاً يقنع الكوافير المؤلف بأنه عرف عشيقته الفنلندية وأقام علاقة معها، ثم قتلها ودفن جثتها.. لكنه ترك في القصر علامة سوف يجدها رجال الشرطة بسهولة ويتهمون المؤلف بقتل عشيقته. هكذا يبحث المؤلف عن الدليل في جنون وبسرعة قبل وصول رجال سكوتلانديارد.. وما إن يتخلص المؤلف من الدليل حتى يدرك أنها لعبة أخرى قاسية.. إن الفتاة الفنلندية حية ترزق..

تتصاعد اللعبة وتحيرنا معها، وإن كان هناك كثير من الافتعال في الواقع؛ فليس الفيلم بلا ثغرات وأحيانًا يكون مملاً..

وفي النهاية يفقد المؤلف أعصابه ويقتل الكوافير، بينما يصل رجال الشرطة، وترقص كل الدمى العملاقة في القصر رقصتها العبثية المجنونة..

يقول الكوافير وهو يحتضر:

  • "فقط تذكر أن هذه مجرد لعبة دموية مسلية"!


وينتهي الفيلم وقد خسر الجميع.. الليلة لا يوجد فائزون..

كان استقبال الفيلم إيجابيًا جدًا لدى النقاد، ورُشح لجوائز أوسكار عديدة لكنه لم ينلها، وإن نال أوليفييه جائزة نقاد نيويورك.

في الفيلم الجديد الذي عرض عام 2007 يلعب مايكل كين دور المؤلف، بينما يلعب جود لو دور الكوافير.. طبعًا اسم (هارولد بنتر) يجعله جديرًا بالمشاهدة..

إن الفيلم درس ممتاز في كتابة السيناريو، وفي اللعب بالمُشاهد، وفي استغلال المكان الواحد خير استغلال.. كما أنه يخبرنا بشيء كنا نعرفه جيدًا: نحن لسنا بالبراعة التي نحسبها!

18. Battleship Potemkin (1925)

Not Rated | 66 min | Drama, History, Thriller

97 Metascore

In the midst of the Russian Revolution of 1905, the crew of the battleship Potemkin mutiny against the brutal, tyrannical regime of the vessel's officers. The resulting street demonstration in Odessa brings on a police massacre.

Director: Sergei Eisenstein | Stars: Aleksandr Antonov, Vladimir Barskiy, Grigoriy Aleksandrov, Ivan Bobrov

Votes: 61,460 | Gross: $0.05M

19. The Italian Job (1969)

G | 99 min | Action, Comedy, Crime

70 Metascore

A comic caper movie about a plan to steal a gold shipment from the streets of Turin by creating a traffic jam.

Director: Peter Collinson | Stars: Michael Caine, Noël Coward, Benny Hill, Raf Vallone

Votes: 50,360

20. The French Connection (1971)

R | 104 min | Action, Crime, Drama

94 Metascore

A pair of NYPD detectives in the Narcotics Bureau stumble onto a heroin smuggling ring based in Marseilles, but stopping them and capturing their leaders proves an elusive goal.

Director: William Friedkin | Stars: Gene Hackman, Roy Scheider, Fernando Rey, Tony Lo Bianco

Votes: 135,749 | Gross: $15.63M

هذا الفيلم من أهم كلاسيكيات أفلام الأكشن، ومن المعتاد أن يقال إن من لم يرَ "الوصلة الفرنسية" والنسخة الأصلية من فيلم "الاستيلاء على بلهام 3-2-1" لم يرَ أفلام أكشن بعدُ.

من ناحية المونتاج الذي قام به جيري جرينبرج وفاز عنه بجائزة أوسكار، نجد أن الفيلم مدرسي كذلك.. هناك عدة لقطات وجدتها مشروحة في أي كتاب عن فن المونتاج ابتعته في حياتي.. نفس ما يُقال عن مشهد التعميد في فيلم "الأب الروحي"، ومشهد المطاردة في فيلم جودار "اللاهث"، ومشهد سلالم أوديسا في فيلم "المدرعة بوتمكين"؛ أي إن المخرج أو المونتير صنع الأسلوب الذي سيُقلّده الجميع فيما بعدُ، كما أن في الفيلم سباق سيارات سوف تحاول أفلام عديدة تقليده بلا جدوى، ولا شك أن الفيلم أثّر في مخرجين مصريين كثيرين؛ منهم سمير سيف.

يعود الفيلم إلى عام 1971 وقد أخرجه ويليام فردكين.. هل اسم المخرج مألوف؟ سوف يعرف كل مهتمّ بالسينما على وجه الأرض اسم هذا المخرج بعد عامين عندما يُقدّم "طارد الأرواح الشريرة" -الذي قابلناه في هذا الباب بالذات- لكن العالم كله رأى "الوصلة الفرنسية"، وعرف أن هذا مخرج ذو مذاق مختلف فعلا.



قدم ويليام فردكين بعد ذلك الفيلم الشهير "طارد الأرواح الشريرة" قدم ويليام فردكين بعد ذلك الفيلم الشهير "طارد الأرواح الشريرة" من الغريب أن تقرأ أسماء الأفلام التي قدّمت في هذين العامين: "المستشفى"، "نيكولا وألكساندرا"، "برتقالة ميكانيكية"، "شافت"، "هاري القذر"، وبرغم هذا ظلّ "الوصلة الفرنسية" مختلفا.

إن الفيلم قد بُني على كتاب لـ"روبين مور" عن مخبرين حقيقيين من مخبري نيويورك اللذين يعملان في مكافحة المخدرات، وقد قرأت عددا من مجلة "إمباير" يقابل فيه المحرر المخبرين، ويسألهما عن رأيهما في الفيلم ومدى التشابه مع عالم الواقع.

أما عن مصطلح "الوصلة الفرنسية" فيعرفه من عاش في الستينيات والسبعينيات جيّدا، وهي شبكة لتهريب الهيروين من تركيا إلى فرنسا فأمريكا، وكانت تسيطر عليها عصابة من كورسيكا كونت رأس مالها من التعاون مع النازيين أيام الحرب العالمية الثانية.

أن تكون مخبرا في عالم المخدرات في نيويورك؛ فهذا معناه حياة خطرة جدا وحافلة جدا، بالمناسبة كان هذا أوّل فيلم يظهر فيه مركز التجارة العالمي في نيويورك بعد اكتماله.

أولا تبدأ جولة المخدرات من فرنسا لترى تهريب الهيروين إلى الولايات المتحدة.. ننتقل إلى نيويورك حيث نقابل المخبرين؛ المخبر الأول "بوب آي" قام جين هاكمان بتقديمه في دور لا يُنسى؛ بالقبعة المميّزة التي صارت جزءا من شخصيته "قبعة فطيرة الخنزير"، أما الآخر فهو روي شيدر ممثّل مرعب بدوره، وهو الذي لعب دور الصياد في فيلم "الفك المفترس".

هنا نرى نموذج البطل الأمريكي.. إنه فظ مخمور لكنه مخلص يُؤدّي عمله جيّدا، بينما الشرير في الفيلم هو آلان شارنييه المهذب الراقي.. هذه رسالة يُرسلها الأمريكان للعالم في كل الأفلام.

يتمكّن المخبران من القبض على تاجر مخدرات يقاومهما بقوة، لكنه يقع في الشرك ويخبرهما بالوصلة التي يحصل منها على المخدرات.

الآن يقتفي المخبران هذه الوصلة فتقودهما إلى ملهى ليلي يملكه رجل عصابات اسمه بوكا وزوجته.. من الواضح أن للزوجين صلات قوية برجال المخدرات، ومن الجلي كذلك أن هناك صفقة مخدرات قادمة من المكسيك لا يقل ثمنها عن 32 مليونا.. هذه الصفقة سوف يتمّ تهريبها في سيارة.

كعادة هذه الأفلام يخوض المخبران معركة لإقناع رئيسهما بمراقبة هاتف الزوجين، وإبعاد مخبر اسمه "مولديريج" يريد الرئيس أن يعهد له بالمهمة.



يُحاول رجال المخابرات اغتيال المخبر جين هاكمان، لكن المحاولة تفشل وتُؤدّي لمطاردة بالسيارات هي من أقوى المطاردات في تاريخ السينما.. مطاردة بين سيارة عادية يقودها جين هاكمان واللص الذي يستقلّ المترو.. هنا نرى هاكمان يفلت من حوادث لا يُصدّقها عقل.. يفلت من الاصطدام بشاحنة ويحتكّ بسيارة في تقاطع ويوشك على دهم أم وطفلها، ثم يقود السيارة عكس اتجاه المرور..

الحقيقة أن جين هاكمان قام بنصف هذه اللقطات فعلا، بينما كان رجل الحركات الخطرة هو نفس الرجل الذي أدّى دور مولديريج.

شاهد المخرج فردكين يشرح تصميم المطاردة هنا



إن اللص يقوم بتهديد سائق مترو، ويرغمه على الانطلاق حتى نهاية الخط في لقطات بالغة الإثارة، ويحاول الفرار لكن جين هاكمان يُطلق عليه الرصاص فيقتله، تمّ تصوير معظم هذه اللقطات دون تصريح من السلطات، لكن وجود المخبرين الأصليين مع فريق الفيلم، جعل رجال الشرطة يتغاضون عن الكثير.

يجد رجال الشرطة المخدرات في السيارة عندما يلاحظون أن وزنها أثقل من اللازم، لكن العملية مستمرّة للإيقاع بالوصلة الفرنسية.. تدور مطاردات ممتعة جدا عند كمين على الطريق وفي ورشة، لكن هاكمان يتورّط في تبادل لإطلاق النار، ويُوشك بالفعل على قتل الفرنسي، لكنه يسمع ضوضاء خلفه فيستدير ويطلق الرصاص.. يكتشف أنه أطلق الرصاص على مولديريج منافسه فقتله بطريق الخطأ.. هكذا ينطلق وقد عزم على أن يتجاوز دور الشرطي ويقتل الفرنسي الذي جعله يفعل هذا.. ينتهي الفيلم على صوت طلقة نستنتج على مَن أطلقت.. على أننا في ختام الفيلم نقرأ أن الفرنسي تمكّن من الفرار.

الفيديو التالي يستعرض أهم لقطات الفيلم



موسيقى الفيلم "دون إليس" مهمة كذلك ولو أنني لا أحبّها على الإطلاق



فاز الفيلم بأوسكار أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل تمثيل وأفضل سيناريو وأفضل مونتاج، وبالنسبة للغربيين يمثّل الفيلم رؤية عزيزة لا تُنسى لمدينة نيويورك في السبعينيات، في جو الخريف الرطب النادي.. إن كل نيويوركي وقع في غرام هذا الفيلم.

21. They Shoot Horses, Don't They? (1969)

M | 129 min | Drama

72 Metascore

The lives of a disparate group of contestants intertwine in an inhumanely grueling dance marathon.

Director: Sydney Pollack | Stars: Jane Fonda, Michael Sarrazin, Susannah York, Gig Young

Votes: 20,860 | Gross: $12.60M

22. Grease (1978)

PG | 110 min | Comedy, Musical, Romance

70 Metascore

Good girl Sandy Olsson and greaser Danny Zuko fell in love over the summer. When they unexpectedly discover they're now in the same high school, will they be able to rekindle their romance?

Director: Randal Kleiser | Stars: John Travolta, Olivia Newton-John, Stockard Channing, Jeff Conaway

Votes: 300,690 | Gross: $188.76M

23. Birdy (1984)

R | 120 min | Drama, War

71 Metascore

After two friends return home from the Vietnam War one becomes mentally unstable and obsesses with becoming a bird.

Director: Alan Parker | Stars: Matthew Modine, Nicolas Cage, John Harkins, Sandy Baron

Votes: 24,943 | Gross: $1.46M

24. Midnight Cowboy (1969)

R | 113 min | Drama

79 Metascore

A naive hustler travels from Texas to New York City to seek personal fortune, finding a new friend in the process.

Director: John Schlesinger | Stars: Dustin Hoffman, Jon Voight, Sylvia Miles, John McGiver

Votes: 120,876 | Gross: $44.79M

25. Blow-Up (1966)

Not Rated | 111 min | Drama, Mystery, Thriller

82 Metascore

A fashion photographer unknowingly captures a death on film after following two lovers in a park.

Director: Michelangelo Antonioni | Stars: David Hemmings, Vanessa Redgrave, Sarah Miles, John Castle

Votes: 67,670

26. The Wicker Man (1973)

R | 88 min | Horror, Mystery, Thriller

87 Metascore

A puritan police sergeant arrives in a Scottish island village in search of a missing girl, who the pagan locals claim never existed.

Director: Robin Hardy | Stars: Edward Woodward, Christopher Lee, Diane Cilento, Britt Ekland

Votes: 92,348 | Gross: $0.06M

كلما قرأت عن أفلام الرعب الناجحة ذات المذاق الفريد قرأت ضمن الأسماء اسم "رجل الخيزران"، وبالطبع ما كنت لأرى هذا الفيلم لولا الصديق ميشيل حنا الذي حصل عليه عن طريق الإنترنت.

يجب أن تلاحظ أننا نتكلّم عن فيلم 1973 الذي لم يره أحد في مصر تقريبًا، ولا نتكلّم عن فيلم نيكولاس كيدج 2006 السخيف الذي عُرض مؤخرًا، ويعكس غريزة إفساد الأعمال الناجحة. لسبب ما يقرر أحدهم ألا يترك عملاً كلاسيًا جميلاً مثل: "صدام العمالقة"، أو "المهمة الإيطالية"، أو "بين الأطلال"، وشأنه، ويصمم على أن لديه رؤيا جديدة. النتيجة كارثية دائمًا.

بالفعل "رجل الخيزران" فيلم بريطاني جدًا، له مذاق خاص في كل شيء. السيناريو للأديب الكبير أنطوني شيفر الذي قدّم لنا قصتَي: Sleuth (المخبر)، و Frenzy (الجنون).. الأخيرة صارت فيلمًا شهيرًا لهتشكوك. كتب شيفر هذا السيناريو متأثرًا بشدّة بقراءة كتاب "الغصن الذهبي" لفريزر، كما قرأ كثيرًا عن الجماعات الوثنية في أوروبا، وقد استغرق الفيلم بحثًا علميًا مضنيًا كما أن دقته شديدة، وأخرج الفيلم المخرج روبين هاردي.

استغرق الفيلم الذي أخرجه الفيلم المخرج روبين هاردي بحثًا علميًا مضنيًا استغرق الفيلم الذي أخرجه الفيلم المخرج روبين هاردي بحثًا علميًا مضنيًا للفيلم جو بهيج ساحر مع عالم الكرنفالات، والصيف على الأبواب لدرجة أنك توشك على شمّ الحقول المحروثة وبراعم الزهر، دعك من الطبيعة السكوتلندية الساحرة التي لم تقترب منها الكاميرا بهذه الحساسية من قبل، ودعك من الخلفية العتيقة المليئة بالستون هنج وباقي معالم شمال بريطانيا. يصعب عليك أن تصدّق أن هذا فيلم رعب إلا متأخرًا جدًا. تفوّق الفيلم في التصوير وفي الموسيقى.. إن فيه شريط صوت جميلاً، ومجموعة ممتازة من الأغاني نذكر منها: برقة يا جوني، عمود مايو، أغنية الصفصاف..

من ناحية الأداء تفوّق وودوارد وكرستوفر لي طبعًا، لكن ظلّ أهالي القرية مجرد وجوه جميلة في الخلفيات.

المفتش الكاثوليكي شديد التديّن "هويي" -الذي قام ببطولته روبرت وودوارد- مكلّف بالتحقيق في قضية اختفاء فتاة في جزيرة اسمها "سامرإيل" قرب الساحل الأسكتلندي.

يذهب المفتش للجزيرة بالقارب، ويبدأ السؤال عن الفتاة المختفية التي ينكر الجميع أنهم عرفوها أصلاً، ولكنه لا يبتلع هذا الكلام .. يشبه الأمر مؤامرة الصمت "أومرتا" التي تمارسها عائلات المافيا.

شاهد وصوله للجزيرة ومقابلته للأهالي في الحانة

See video يتاح له أن يرى طريقة حياة أهل القرية الذين لا يثقون به أصلاً، وينتابه الرعب عندما يُدرك أنهم جميعًا وثنيون يعبدون إله الشمس والبحر ويُقدِّمون القرابين.. إنه المسيحي الوحيد على ظهر هذه الجزيرة اللعينة. الأسوأ أنه يتعرّض لإغراء متواصل من ابنة صاحب الحانة، لكنه يتمسّك بتدينه بإصرار.

حاكم الجزيرة الفعلي والعقائدي هو لورد "سومرايل" -كرستوفر لي بطل أفلام دراكيولا الشهير، والذي يعتبر هذا الدور أفضل دور له- وهو ينظم كل شيء في هذا المجتمع المغلق. هنا يربط القوم بين ممارستهم للجنس بحرية صادمة وبين خصوبة الأرض.. إنها فكرة جماعات الخصوبة الدائمة في أوروبا كلها. هنا يتم تدريس كل شيء وبوضوح للأطفال في المدارس، ومهما كان الرجل وقورًا مسنًا فأغانيه فاحشة جدًا.. بالطبع لا يروق أي شيء من هذا للمفتش المتدين. إن القرية تعيش حياة بدائية غريبة، فمثلاً يتم علاج السعال الديكي عن طريق ابتلاع الطفل لضفدع حي.

شاهد احتفال الأطفال بأعياد مايو هنا

إن عمود مايو الذي يرقص حوله الأطفال عادة تمارس في بقاع عدة من أوروبا، وله جذور وثنية قوية.

هكذا يُكوّن المفتش نظريته الخاصة: أهل القرية يحتجزون الفتاة المختفية وسوف يقدّمونها قربانًا لآلهتهم طلبًا لخصوبة الأرض. يُقرّر أن يتنكر في ثياب أبله، ويتسلّل للحفل كي ينقذها..

شاهد تسلله للمهرجان هنا

هنا تأتي مفاجأة الفيلم.. لقد اكتشف أنه هو القربان الحقيقي منذ البداية، وما كانت قصة الاختطاف هذه إلا طعمًا لاجتذابه للجزيرة. إنه غير متزوّج وقد جاء الجزيرة بكامل إرادته، ولديه نفوذ ملك إنجلترا. هذا يجعله القربان الأمثل الذي تطلبه الأرض. سوف يحرقونه مع حيوانات أخرى في هيكل عملاق من الخيزران يشبه الإنسان، وسوف يمزجون رماده بالتربة لتزداد خصوبة!

شاهد مشهد النهاية الرهيب هنا

ينشد سكان الجزيرة أغنيات وثنية حقيقية تعود للقرن الرابع عشر، بينما يُردّد هو مقاطع من الإنجيل، ويدعو الله أن يتقبله شهيدًا، ويصله صوت الخنازير والبط تصرخ وهي تحترق.. لقد ارتفعت النار وهي توشك على أن تبلغه.. وهو ما يحدث فعلاً في النهاية.. إن الفيلم ببساطة يعرض الصراع بين المسيحية والوثنية، ورأيه الخاص هو أن الوثنية تنتصر في أوروبا دائمًا!

كان استقبال النقاد للفيلم جيدًا جدًا، وأطلق عليه أحدهم "فيلم المواطن كين الخاص بأفلام الرعب"، واعتبرته مجلة "توتال فيلم" سادس أعظم فيلم بريطاني في تاريخ السينما.

لكن الفيلم عانى سلسلة من سوء الحظ؛ حيث بيعت الشركة التي أنتجته إلى شركة أخرى قبل عرضه، وقامت هذه الأخيرة بتقصير طوله من ساعتين إلى 90 دقيقة.. وفقدت كثير من نسخ الفيلم، ولولا أن مخرج الفيلم كان قد أرسل نسخة شبه كاملة للمخرج الأمريكي روجر كورمان، لاستحال أن يستعيدوه. وبالاتصال بكورمان تبيّن أنه لم يضيع نسخته.. هناك لقطات كاملة من الفيلم تم العثور عليها في مرآب مهجور، ومن حين لآخر تظهر نسخ أطول منه.

الفيلم الجديد الذي قام نيكولاس كيدج ببطولته رديء جدًا بشهادة الجميع، وعجز تمامًا عن اقتناص كل ما جعل الفيلم الأصلي رائعًا، وقد اقترح أحد رواد النت أن يتم حرق كل العاملين فيه داخل رجل خيزران آخر.

يمكنك في هذا الكليب أن ترى ملخصًا سريعًا للفيلم في نحو ثلاث دقائق

27. A Man and a Woman (1966)

Approved | 102 min | Drama, Romance

A widow and a widower find their relationship developing into love, but their past tragedies prove hard to overcome, causing them to proceed with utmost delicacy.

Director: Claude Lelouch | Stars: Anouk Aimée, Jean-Louis Trintignant, Pierre Barouh, Valérie Lagrange

Votes: 11,811

28. The Taking of Pelham One Two Three (1974)

R | 104 min | Action, Crime, Thriller

68 Metascore

Four armed men hijack a New York City subway car and demand a ransom for the passengers. The city's police are faced with a conundrum: Even if it's paid, how could they get away?

Director: Joseph Sargent | Stars: Walter Matthau, Robert Shaw, Martin Balsam, Hector Elizondo

Votes: 35,836 | Gross: $2.49M

29. Butch Cassidy and the Sundance Kid (1969)

PG | 110 min | Biography, Crime, Drama

66 Metascore

In 1890s Wyoming, Butch Cassidy and The Sundance Kid lead a band of outlaws. When a train robbery goes wrong, they find themselves on the run with a posse hard on their heels. After considering their options, they escape to South America.

Director: George Roy Hill | Stars: Paul Newman, Robert Redford, Katharine Ross, Strother Martin

Votes: 226,775 | Gross: $102.31M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

من أفلام الغرب الجميلة جدا، والتي صارت ضمن كلاسيات النوع، تجد فيلم "بوتش كاسيدي وفتى صن دانس" أو "فتى رقصة الشمس" كما يترجمها البعض، هذا الفيلم قدمه عام 1969 المخرج جورج روي هيل الذي اشتهر بهذا الفيلم، وأفلام لا بد أنك تعرفها؛ منها "اللدغة The Sting" و"العالم طبقا لجارب The World According to Garp" و"الضربة الساحقة Slap Shot".



كتب قصة الفيلم ويليام جولدمان، وقام ببطولته نجمان شديدا الجاذبية؛ هما روبرت ردفورد، وبول نيومان. جاذبية جزء كبير من الفيلم تعود لشريط الصوت الرائع، وفيه أغنية شهيرة جدا هي "قطرات المطر ما انفكت تنهمر على رأسي" التي غناها بيلي توماس وحصلت على جائزة الأوسكار.



هذه قصة مما يدعونه "قصص الشُطّار" أو "البيكاريسك"؛ حيث نعايش حياة مجرمين جذابين ظريفين يمارسان حياة مثيرة.. ولعل أقوى نموذج لهذا النوع هو فيلم "بوني وكلايد" الكلاسي الشهير .. لاحظ أن بطولة الفيلم الحالي عرضت على وارين بيتي بطل "بوني وكلايد" لكنه رفضها؛ لتشابه الدورين الشديد.

هناك كذلك نغمة شجن لابد منها في هذه الأفلام، باعتبار هؤلاء الشطار البارعين يحاربون مجتمعا غبيا منافقا فاسدا.. وهكذا فلا فرصة لهم للنجاة.. وغالبا ينتهي الفيلم بمجزرة تمزق هؤلاء، ويضعك الفيلم في مأزق أخلاقي عويص لأن الخارجين عن القانون يبدون أظرف وأكثر حيوية وبراءة وإنسانية من المواطنين الشرفاء المملين أمثالنا!.

فيلم "بوتش كاسيدي وفتى صن دانس" يلتزم حرفيا بهذه القواعد إن لم يكن هو من وضعها أصلا!، لاحظ أن الخارجين على القانون حقيقيان، ومعظم أحداث الفيلم واقعية مع اختلافات طفيفة.

"بوتش كاسيدي" كان جزارا في طفولته butcher وهكذا حصل على اسمه، أما "فتى صن دانس" فقد تربى في مدينة "صن دانس" الأمريكية.

نقابل بول نيومان "بوتش كاسيدي" الخارج عن القانون ومعه مساعده الرامي البارع "صن دانس".. النجمان جذابان وسيمان، وإن كان روبرت رد فورد ما زال وجها جديدا نسبيا؛ لذا يتصدر المشهد بول نيومان.

المشاهد الأولى تتم في نيويورك القديمة، وقد استخدم المخرج بذكاء بعض ديكورات فيلم "هالو دولي" الذي كان يصور في هذا الوقت لخفض نفقات فيلمه.

يحاول رجال العصابة أن يتخذوا زعيما جديدا غير "كاسيدي" فيتحداه الأخير لقتال بالسكين ليروا من يكون القائد.. هذا مشهد شهير جدا يعرفه المشاهد الغربي بعنوان "لا يوجد غش في القتال لأنه لا توجد قواعد أصلا!".



ينتصر "بوتش" على خصمه، ويدعو العصابة لسرقة قطار سريع محمل بالمال، يستخدم "بوتش" كمية ديناميت هائلة ليفجر خزانة القطار، مما يؤدي إلى تدمير عربة المتاع كلها.. وتحدث فوضى عارمة في أثناء محاولة جمع المال، يطارد رجال القانون "بوتش" وصديقه فيضطر الرجلان إلى الوثب في نهر.

شاهد "كاسيدي" يرفض الوثب، ويعترف لصاحبه أنه لا يجيد السباحة هنا، والنتيجة أنه يُرغم على السباحة

تنضم لهما "إيتا" حبيبة أحدهما ويقررون الفرار معا إلى بوليفيا.. وتم تصوير لقطات بوليفيا هذه في المكسيك، لذا لاحظ من يجيدون الإسبانية أن البوليفيين في الفيلم يتكلمون بلكنة مكسيكية واضحة.

هذا بلد وعر، ظروفه قاسية، مما يسبب الاكتئاب لـ"صن دانس كيد".. والأدهى أن عليهما تعلّم الإسبانية إذا أرادا سرقة المصرف. لا أحد يفهم أنهما يريدان السطو.. هكذا يمران بدروس تعلم إسبانية في مشهد طريف فعلا.

بعد معاناة شاقة يصيران فريقا ممتازا لسرقة البنوك والقطارات.



يقرر الرجلان التقاعد والعمل في مهنة شريفة كحرس لشركة مناجم، لكن اللصوص يلاحقونهما.. وهكذا تدور معركة بالسلاح ويستطيعون قتل اللصوص.. لكنهما يتعلمان أن الحياة الشريفة لا تناسبهما، لقد خُلقا لصّين ويجب أن يظلا كذلك. يسطوان على عربة تحمل أجور موظفين، لكن البوليس البوليفي يضيق عليهما الخناق .. يجرحان بقوة، ويقترح "بوتش" أن عليهما في المرة القادمة الفرار إلى أستراليا.

ينتهي الفيلم بهما في كادر ثابت يطلقان الرصاص، بينما ينهمر عليهما رصاص البوليفيين ويثبت الكادر.. من المفهوم أنهما سيموتان الآن.

فاز الفيلم بأربع جوائز أوسكار عن التصوير والموسيقى التصويرية وأفضل أغنية وأفضل سيناريو.. ورُشح لأفضل إخراج وأفضل فيلم وأفضل صوت، كما فاز بحشد من الجوائز في مهرجانات عدة، وقد اعتبرته معظم المجلات والهيئات السينمائية واحدا من أفضل وأهم عشرة أفلام وسترن في التاريخ، مكتبة الكونجرس طالبت بحفظه باعتباره تراثا ثقافيا مهما.

شاهد تريلر الفيلم هنا

شاهد هنا مجموعة من الأخطاء التي ارتكبها المخرج.. لا يوجد مخرج ينجو من الأخطاء، ومشاهدتها مسلية دائما.



وهنا مجموعة من اللقطات الساحرة جمعها أحدهم في ذكرى بول نيومان.

30. Zorba the Greek (1964)

Not Rated | 142 min | Comedy, Drama

An uptight English writer travelling to Crete, on a matter of business, finds his life changed forever when he meets the gregarious Alexis Zorba.

Director: Michael Cacoyannis | Stars: Anthony Quinn, Alan Bates, Irene Papas, Lila Kedrova

Votes: 24,119

31. My Fair Lady (1964)

G | 170 min | Drama, Family, Musical

95 Metascore

In 1910s London, snobbish phonetics professor Henry Higgins agrees to a wager that he can make crude flower girl, Eliza Doolittle, presentable in high society.

Director: George Cukor | Stars: Audrey Hepburn, Rex Harrison, Stanley Holloway, Wilfrid Hyde-White

Votes: 101,851 | Gross: $72.00M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي، لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألّا يعرفها من يحب.

"بجماليون" هي مسرحية شهيرة جدًا للكاتب الإيرلندي الساخر برنارد شو، ولو كنت تعرف الأساطير الإغريقية، لعرفت أن بجماليون هو النحات الذي صنع تمثالاً لفينوس، ثم وقع في حبه حتى كاد يموت من الوله. أي أن عقدة بجماليون هي عقدة أي شخص يصنع شيئًا ثم يهيم به حبًا. لاقت المسرحية نجاجًا كبيرًا مع معالجة برنارد شو العصرية.. البروفيسور هجنز -خبير التخاطب- يراهن صديقه على أن يستطيع أن يجعل أي إنسان يتكلم لغة راقية. يقع اختياره على بائعة الأزهار الفقيرة إليزا دوليتل التي تتحدث بلغة سوقية فظيعة.. يلاقي الأمرّين في تعليمها حتى ينجح فعلاً، وبالطبع يقع في حبها..

طبعًا أنت شاهدت مسرحية فؤاد المهندس وشويكار الشهيرة التي تم فيها تمصير مسرحية شو، بشكل موفّق للغاية، لدرجة أن أية أغنية في المسرحية الغربية لها ما يقابلها في مسرحيتنا.

في العام 1964 يقدّم لنا المخرج جورج كيوكور فيلم "سيدتي الجميلة" عن هذه المسرحية الشهيرة.

الفيلم اعتمد على المسرحية الغنائية التي قدّمت في برودواي قبل هذا، والتي كتب أغانيها ليرنر ولوي، وقد حقق نجاحًا مذهلاً.. إنه قطعة من الجمال، وما زال يدرّس في مدارس ومعاهد السينما في كل مكان كدرس في التذوق الفني.

كما قلنا تدور قصة الفيلم حول خبير الصوتيات المتحذلق عدو المرأة البروفيسور هجنز.. إنه يؤمن بأن هناك جريمة شنعاء تُرتكب ضد اللغة الإنجليزية يوميًا، بينما العرب -على سبيل المثال- يحافظون على لغتهم فليتنا نتعلم منهم.. لا تعليق!

أخرج الفيلم جورج كيوكور عن مسرحية "بجماليون" الشهيرة أخرج الفيلم جورج كيوكور عن مسرحية "بجماليون" الشهيرة

نقابل كذلك الفتاة إليزا دوليتل الزهرة الرقيقة النامية وسط الأوحال، وبين عصابات الشوارع وأبيها السكير الأفّاق.. إنها تتكلم أفظع لغة إنجليزية يمكن تخيلها، وكالعادة لا تنطق حرف H أبدًا بل تحيله إلى همزة، كما أنها تنطق Today كأنها "توضاي".. وتتحدث عن قصر باكنام بدلاً من باكنجهام.

عندما تذهب الفتاة إليزا للبروفيسور تطلب منه أن يعلّمها النطق الصحيح، فإن التحدي يبدو مستحيلاً. تعرض أن تدفع له شلنًا.. إنه معتاد على تقاضي أعلى الأثمان، لكنه لم يتلقّ قط عرضًا كهذا.. أن يقدم له أحدهم كل ما يملك هذا إغراء شديد..

إن مشاهد تعليم الفتاة ذات اللسان العصيّ تمثل عذابًا حقيقيًا لها وللبروفيسور، لكنها متعة حقيقية للمشاهد. لقد صارت تكرهه بجنون، وتتمنى أن يموت فعلاً. وفي واحدة من أجمل أغاني الفيلم توجّه له السباب وتتوعده وهو لا يراها طبعًا، وتتخيل أن ملك إنجلترا سيحبها، فتكون أول رغبة تطلبها منه هي أن يقطع رأس هنري هيجنز.. سوف تندم يا هنري هيجنز بعد فوات الأوان.. فقط انتظر! تؤدي الأغنية بلكنة الكوكني الشنيعة فتنطق Wait كأنها White، وتنطق late كأنها light. أما اسمه هنري هجنز فتنطقه إنري إيجنز؛ لأنها عاجزة نهائيا عن نطق حرف الهاء.

شاهد هذه الأغنية هنا، ومعظمها بصوت أودري هيبورن فعلاً

وفي اللحظة التي يقرر البروفيسور هجنز فيها أن المهمة مستحيلة تتمكن الفتاة من نطق جملة صعبة، هي: The rain in Spain stays mainly in the plains المطر في إسبانيا يبقى أساسًا في الوديان.

وهي جملة مصممة لتدريبها على نطق الحروف التي تجد نطقها مستحيلاً. وهكذا تنزاح الغمة..

شاهد هذا المشهد الرائع هنا

هنا يبدي البروفيسور رقة زائدة نحوها، مما يوقع الفتاة في غرامه.. وتقضي ليلتها غارقة في الأحلام.. الفراش! لا أستطيع أن أذهب للفراش حتى لو أعطوني جواهر التاج كلها.. شاهد نشوتها وعجزها عن النوم، بينما المربية تحاول دسّها في الفراش بالقوة هنا:

يأخذها البروفيسور لسباق صيد الخيول في أسكوت؛ لتختلط بالطبقة الراقية المتحذلقة. هنا يستعرض لنا كيوكور لوحات مذهلة للأزياء الأرستقراطية، مع تحذلق الطبقة الراقية كأننا نرى طواويس مغرورة لا بشرًا.. وجوه باردة متعالية لا تعكس أي انفعال، برغم أنهم يتحدثون عن توترهم الشديد قبل السباق.

تسحر إليزا -الجميلة الرقيقة أصلاً- المجتمع الراقي بأناقتها ولهجتها. يقع شاب ثري في غرامها، لدرجة أنه يمر كل ليلة أمام دارها مغنيًا..

تعود لبيت البروفيسور، لتجد أنه يحتفل بأنه حوّل فتاة جاهلة مثلها إلى شيء راقٍ.. المشكلة أن أحدًا لا يبالي بها على الإطلاق.. كأنها مجرد شيء، أو كأنها قرد تمكّنوا من تعليمه الكلام. هكذا تدرك أنها كانت واهمة عندما حسبت أن البروفيسور يمكن أن يحبها.. لقد صارت مسخًا لا ينتمي للطبقة الراقية، ولا يستطيع العودة لطبقته الأصلية...

تخرج من الدار عازمة على أن تصنع ثقبًا في النهر حسب تعبيرها، لتقابل ذلك الفتى العاشق يمشي في شارعها مترنمًا كالعادة، وفي لقطة من أجمل لقطات الفيلم تنفجر فيه صارخة:

  • "كلمات.. كلمات.. ليس لديكم سوى الكلمات.. أتلقى كلمات طيلة اليوم سواء منك أو منه.. هذا كل ما تستطيعون عمله!"


شاهد هذا المشهد الرائع هنا، ولاحظ كيف تقاطع أغنية أغنية أخرى

لكن البروفيسور لم يستطع أن يتخلص منها بهذه البساطة.. لقد وقع في غرامها فعلاً.. اعتاد وجهها واعتاد وجودها في حياته.. هكذا ينتهي الفيلم به وقد استعادها لتكون زوجته.

هذه نهاية سينمائية تختلف عن نهاية المسرحية.. من المعروف أن برنارد شو كان يكتب أكثر من نهاية لبعض مسرحياته، وقد قدّر هو أنها فتاة ذكية عملية ولن تفوت فرصة الزواج من الشاب الثري الوسيم الذي يهيم بها. أما البروفيسور فلا جدوى منه على الأرجح.

كانت أودري هيبورن تتمنى أن تؤدي أغاني الفيلم، لكنها صدمت عندما عرفت أن الغناء سيكون مهمة المطربة مارني نيكسون. لم يترك صوتها إلا في أغنية "فقط انتظر". أما عن ركس هاريسون فقد كان الأمر سهلاً؛ لأن معظم أغانيه عبارة عن كلام موقع، ولم يستطع قط أن يصاحب الغناء بشفتيه، لذا كل مقاطع غنائه يؤديها في نفس الوقت باستعمال أول ميكروفون بلا سلك في تاريخ السينما.

كان الفيلم كما قلنا درسًا في الإخراج الفني وتصميم الأزياء والتصوير. تألقت أودري هيبورن في دور إليزا دوليتل برغم التوقّعات التي أجمعت على أنها لن تصلح؛ فهي أرستقراطية أصلاً ولا يمكن أن تعطي انطباعًا بأنها من العامة. وكان الإجماع على أن جولي أندروز أصلح منها، خاصة وهي من لعب الدور في المسرحية.

وقد حصد الفيلم ثماني جوائز أوسكار؛ هي أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل تمثيل وأفضل تصوير وأفضل صوت وأفضل موسيقى وأفضل إخراج فني وأفضل تصميم أزياء.

أعاد الفيلم مجد الفيلم الغنائي وذكّر منتجي هوليوود بما تدرّه هذه الأفلام من مكسب، واستمرت هذه الموجة في الصعود إلى أن قضى عليها فيلم دكتور دوليتل الفاشل الذي أعاد للمنتجين توجسهم وخشيتهم من الأفلام الغنائية، وكان على الأفلام الغنائية أن تنتظر فيلم "حمى مساء السبت" في السبعينيات.

وإلى أن نقابل فيلمًا آخر من الحافظة الزرقاء،،،

32. The Exorcist (1973)

R | 122 min | Horror

83 Metascore

When a young girl is possessed by a mysterious entity, her mother seeks the help of two Catholic priests to save her life.

Director: William Friedkin | Stars: Ellen Burstyn, Max von Sydow, Linda Blair, Lee J. Cobb

Votes: 455,161 | Gross: $232.91M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكر طويلاً.. أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

في أوائل السبعينيات من القرن الماضي بدا أن السينما البريطانية سيطرت بالكامل على عرش الرعب. وراحت أفلام هامر وأميكوس بأبطالها كرستوفر لي وبيتر كوشنج ورالف بيتس تعبر المحيط بلا توقف. هنا ومن حيث لا يتوقع أحد ظهر فيلمان أمريكيان قضيا على العرش البريطاني بالضربة القاضية. لقد ظهر نوع جديد من الرعب ذي المحتوى الفني العالي والأسلوب الجديد تمامًا، تمثل في فيلمي "طارد الأرواح الشريرة" و"طفل روزماري".

كان "طارد الأرواح الشريرة" ظاهرة عندما عرض عام 1973 وقد صدم الكثيرين بكل التابوهات التي خرقها بلا تحفّظ. بعض دور السينما كانت تقدّم مع التذكرة كيسًا للقيء لدى دخول السينما. كما أن جرعة الرعب فيه عالية جدًا ولا ترحم، وما زال مرعبًا حتى اليوم، برغم أن مُشاهد العصر رأى كل شيء تقريبًا. أخرج الفيلم المخرج الأمريكي وليام فردكين الذي قدّم كذلك أفلامًا مهمة مثل "الوصلة الفرنسية" و"شروط الالتحام". والقصة للأديب الأمريكي لبناني الأصل ويليام بيتر بلاتي عن حادثة استحواذ حقيقية أو هذا ما زعمه.

أخرج الفيلم المخرج الأمريكي وليام فردكين أخرج الفيلم المخرج الأمريكي وليام فردكين

بدأ الفيلم موضة جديدة في سينما الرعب هي أفلام "الطفل القذر"، التي تبدو بوضوح في فيلم "النذير".. لا تثقوا بالأطفال فهم أشر المخلوقات طرًا! كما يندرج الفيلم تحت قائمة الأفلام التي تتحدث عن قدوم الشيطان، وهي أفلام انتشرت جدًا مع بداية الألفية.. هذه الأفلام عامة دعاية خفية للكاثوليكية، حيث يظهر القساوسة الكاثوليكيين رجالاً يعرفون كل شيء.. مهما كان اللغز فإن رجل الفاتيكان يهزّ رأسه في فهم، ويبحث في المكتبة ليخرج مجلدًا عملاقًا يحكي عن هذا السر بالذات!

القصة بسيطة جدًا، والمثير فعلاً أن يتمكنوا من صنع فيلم كامل منها، لكن تحالفت عناصر الإخراج البارع والماكياج المذهل (الذي تولى أمره عميد المؤثرات الخاصة ديك سميث)، والتصوير المتوجّس الضبابي لأوين رويزمان، والموسيقى الرائعة المنوّمة قليلاً لجاك نيتشه الذي قابلناه في فيلم "أحدهم طار فوق عش الوقواق". تحالفت كل هذه العناصر لتجعل من الفيلم معزوفة كاملة، وهو من الأفلام التي لا تشعر بالراحة لو شاهدتها وحدك ليلاً.

استمع للحن المميز للفيلم هنا

الفيلم يلعب على مخاوف الطبقة الوسطى المعتادة.. إن ابنتنا المراهقة تتغير كأن شيطانًا مسّها.. هذا هو ما نراه في الفيلم حرفيًا وبأعنف شكل ممكن. بالتالي هو يدغدغ مشاعر الآباء الذين يؤمنون أن كل مراهقي هذا الجيل مسوخ. لكنك تظل مطمئنًا ما دام ابنك لم يصل لدرجة المشي على الجدران.

في جو موجس يبدأ الفيلم في العراق بالقسّ وعالم الآثار الأب ميرين -الذي يقوم ببطولته ممثل الرعب العجوز المخضرم ماكس فون سيدو- والذي يجد أثناء قيامه ببعض الحفريات صنمًا مرعبًا لشيطان قديم.. لاحظ أن هذا يدور في مناطق اليزيديين الذين يعبدون الشيطان هم أنفسهم.

ننتقل إلى واشنطن حيث الأسرة الأمريكية التي تتكون من الأم وابنتها المراهقة ميجان (لندا بلير) التي تتحول ببطء.. تتبوّل على السجادة في حفل بالبيت.. ترتفع عن الأرض.. يدور عنقها 180 درجة.. تقيء سائلاً أخضر مقززًا على كل شيء.. الفراش كله يهتز.. ألفاظها بذيئة جدًا وكذلك حركاتها، وتقوم بالكثير من التجديف الديني مع الصليب (استعمل المخرج ممثلة بديلة لتقوم بهذه اللقطات بدلاً من الممثلة الطفلة).

شاهد لقطتي المشي كالعنكبوت ودوران الرأس هنا

تبدأ الأم المذعورة دورة عيادات الأطباء والمستشفيات التي لا جدوى منها كالعادة. وفي النهاية يقنعها صديق للأسرة بأن تجرب طرد الأرواح الشريرة، وهو ما يعادل عبارة "عليها عفريت.. هاتوا لها شيخ" عندنا..

يقع اختيار الأم على قسّ كاثوليكي يعمل كذلك طبيبًا نفسيًا هو الأب كاراس، وما لا تعرفه هو أنه فقد إيمانه بعد ما شهد معاناة أمه العجوز مع المرض. لهذا هو لم يعد يؤمن بجدوى الدين كوسيلة لعلاج الطفلة.

يتصل كاراس بالكنيسة الأم طالبًا أن يرسلوا له طارد أرواح شريرة محترفًا، فيرسلون له الأب ميرين الذي عرفناه في أول الفيلم. يصل ليلاً وسط الضباب وإضاءة الشارع الخافتة، في مشهد لا ينسى هو الموجود على بوستر الفيلم، وبالفعل تفتح الفتاة عينيها وقد شعرت بقدوم الخطر. هنا نفهم أن ما حدث للفتاة البائسة ليس سوى طُعم لجذب الأب لتصفية الحساب الذي بدأ في العراق.

هكذا تبدأ دورة عذاب القسيسين مع العفريت الذي يسكن الفتاة، والذي يجهدهما تمامًا، مع الكثير من الإهانات والضغط النفسي على القس كاراس، إذ تتكلم الفتاة بصوت أمه وتلومه على إهمالها، وتفرغ جالونات من القيء الأخضر عليهما.. العفريت يتسلى بهما فعلاً.. وبعد ليلة مضنية من المحاولات الجاهدة يشعر الأب ميرين بأن قلبه الضعيف ينهار.

شاهد جزءًا من عملية طرد الأرواح هنا

يغادر العفريت جسد الفتاة لكن بثمن باهظ جدًا، لن نذكره حتى لا نفسد الفيلم على من لم يره.. وسبب صمتي هذه المرة أن الفيلم يُعرض كثيرًا على الفضائيات، مما يجعل فرصتك سانحة لتراه.. تعرّضت لندا بلير الطفلة لشتى أنواع المصاعب أثناء تصوير الفيلم، واضطرت أن تعلّق من روافع مرارًا حتى أن ظهرها تهشّم، وكانت غرفة نوم الطفلة عبارة عن ثلاجة كي يتصاعد البخار من الأفواه أثناء الكلام. أما عن اللقطات والحوارات البذيئة مع صوت العفريت الشيطاني الغليظ فقد قامت بها ممثلة الأدوار الغريبة مرسيدس مكبريدج.

كان الفيلم صادمًا عندما عُرض، وقال كرستوفر لي ممثل أدوار دراكيولا البريطاني الوقور: "سوف يراه الجميع ليروا ما يمكن أن تفعله طفلة مراهقة من بذاءات.. لكن عن نفسي لن أرى فيلمًا كهذا ولن أراه". اختلفت الآراء لكن الجميع اتفق على أن الفيلم مرعب فعلاً، وقال ناقد أمريكي شهير إنه لا يشبه أي فيلم رعب ظهر في تاريخ السينما. رشّح الفيلم لعشر جوائز أوسكار، ففاز بجائزتي الصوت والسيناريو.

هناك أفلام كثيرة تمسّحت في هذا الفيلم، أو جاءت كتكملة له، لكن أحدها لم يبلغ القوة المؤثرة للأصل.

33. A Passage to India (1984)

PG | 164 min | Adventure, Drama, History

78 Metascore

Cultural mistrust and false accusations doom a friendship in British colonial India between an Indian doctor, an Englishwoman engaged to marry a city magistrate, and an English educator.

Director: David Lean | Stars: Judy Davis, Victor Banerjee, Peggy Ashcroft, James Fox

Votes: 20,886 | Gross: $27.19M

بعد فترة اكتئاب طالت حتى بلغت 14 عامًا، عاد الفنان العظيم السير ديفيد لين إلى عالم السينما بهذا الفيلم الأستاذي الذي يصلح للتدريس. كان اكتئاب الرجل يعود إلى قسوة النقاد على فيلمه الجميل السابق "ابنة رايان - 1970"، والحقيقة أن أحدًا لم ينكر أهمية هذا المخرج ودوره الراسخ في السينما البريطانية والعالمية.



تعرف من هو ديفيد لين حقًا يكفي أن تتذكر عناوين مثل "لورانس العرب" و"د. جيفاجو" تعرف من هو ديفيد لين حقًا يكفي أن تتذكر عناوين مثل "لورانس العرب" و"د. جيفاجو" يكفي أن تتذكر عناوين مثل "لورانس العرب" و"جسر على نهر كواي" و"د. جيفاجو" لتعرف من هو ديفيد لين حقًا. والحقيقة المؤلمة هي أن هذا كان آخر فيلم له.

في عام 1984 خرج "ممر إلى الهند" للوجود عن قصة الأديب البريطاني الشهير إ.م. فورستر، وهو مِن علامات الأدب الروائي، وله نظريات روائية مهمة. القصة كتبها عام 1924، وقد حاول ديفيد لين شراءها منه مرارًا منذ عام 1960، لكنه كان يرفض؛ لأنه لا يؤمن بجدية فن السينما.. فقط بعد وفاته استطاع ديفيد لين شراءها من الورثة. أخرج لين الفيلم ببراعة ونعومة بالغة مع لمساته المعروفة؛ مثل طول اللقطات واستخدام الموسيقى بسخاء.



قام بوضع الموسيقى التصويرية كالعادة موريس جار.. إنه الموسيقار المفضّل لدى ديفيد لين



تدور قصة الفيلم في الهند التي تستعمرها بريطانيا؛ حيث تحوّلت بعض المدن الهندية إلى مدن بريطانية بالكامل.. بالأندية والعربات وسباقات الخيل وحفلات الشاي وكل شيء..



لكن الهند في هذا الوقت بالذات تغلي بالرغبة في الاستقلال، وهكذا تجد لدى المثقفين الهنود خليطًا غريبًا من مقت بريطانيا ومن الانبهار بثقافتها وتحضّرها.. هذا هو حال د. عزيز (فكتور بانيرجي) الذي يمكن أن تعتبره بطل الفيلم الحقيقي.. كتلة من العواطف الحارة والصدق والانفعالات المتهورة أحيانًا.

عندما تصل للهند الشابة الحسناء أنجيلا كويستد (جودي ديفس) وحماتها مسز مور (بيجي أشكروفت).. أنجيلا فتاة بريطانية حالمة جاءت للقاء خطيبها القاضي الشاب.. هنا نرى خطيبة من طراز خطيبة فيلم التيتانيك الراغبة في حياة أكثر إثارة من حياة الرسميات هذه.. لا تحبّ خطيبها جدًا، لكنها مستعدة للقبول بمنصبه الاجتماعي. عندما تأتي للهند تكون قد جاءت للمكان الخطأ.. هذا الجو الحسي المفعم بالروائح والموسيقى والنقوش الشهوانية على جدران المعابد، يذكي أحلامها وخيالها.. تتأمل خطيبها فتجده مجرد جنتلمان بريطاني ممل.



إنها تستكشف الهند على دراجتها.. في هذا المشهد الساحر تجد معبدًا مزدانًا بالنقوش الحسية، وتتعرّض لهجوم من القردة..



هنا نقابل الفنان البريطاني أليك جنيس الذي يلعب دور أحد أساتذة اليوجا الذي يشرح فلسفته للفتاة وحماتها.. على كل حال لم يرق هذا الدور جدًا لديفيد لين واقتطع منه الكثير جدًا؛ لأنه شعر أن جنيس يبالغ في أدائه.

تتعرّف الفتاة وحماتها الطيبة على الطبيب الهندي المسلم د. عزيز الذي يفتح لهما قلبه وبيته وجيبه بالمعنى الحرفي للكلمة؛ يغرقهما بفيض من العواطف الحارة وبدعوة لزيارة الهند الحقيقية معه.



شاهد د. عزيز مع أصدقائه البريطانيين هنا



تبدأ المشكلة مع زيارتهم لمجموعة غامضة من الكهوف الهندية (مارابار).. تضطرّ مسز مور ذات القلب الضعيف للانسحاب؛ لأنها تختنق من نقص الهواء ومن الحر، وهكذا يجد د. عزيز نفسه وحيدًا مع الفتاة.

نعرف منذ البداية طبعًا أن الدكتور بريء، لكن الفتاة تظهر هاربة من الكهوف ممزقة الثياب منكوشة الشعر.. وتتهمه بمحاولة اغتصابها على طريقة امرأة العزيز.. في الوقت ذاته ترحل الشاهدة الوحيدة مسز مور عائدة إلى إنجلترا..



هكذا تقوم القائمة وتشمّر الحكومة البريطانية عن ذراعيها؛ لتأديب هذا الهندي الوغد الذي اشتهى فتاة من أسياده، وفي الوقت ذاته تشتعل الثورة؛ لأن الهنود الفقراء يعرفون مَن هو د. عزيز، ولا يصدّقون أن يحاول اغتصاب امرأة.

إن الشرق شرق والغرب غرب ولا يمكن أن يلتقيا فعلاً. بالطبع يدافع عن الطبيب محام هندي بارع.. يصغي لما يقوله المدعي عن أن الأجناس داكنة اللون كالهنود تشعر بشهوة قوية نحو الأجناس البيضاء، فيتساءل في سخرية: ـ "حتى لو كان الرجل أكثر جمالاً وجاذبية من الأنثى؟".



شاهد هذا الجزء من مشهد المحاكمة



لكن المحاكمة تمضي، والنتيجة هي إهانة د. عزيز بشدة خاصة مع كونه شرقيًا يعتبر هذه الأمور هي شرفه. لا يوجد أمل ينقذه سوى مسز مور.. الاكتشاف المرعب هو أن مسز مور عادت بالسفينة إلى إنجلترا، وهي تعرف براءة د. عزيز جيدًا. يثور الهنود لأنهم يعتقدون أن المرأة أبعدت لغرض إدانة الطبيب..

ما لا يعرفه أحد من الموجودين في المحاكمة هو أن مسز مور ماتت على ظهر السفينة بنوبة قلبية، وقد تم دفنها في البحر.

إن الهنود يتظاهرون أمام المحكمة مطالبين بحضور مسز مور.. وفي لحظة من اللحظات يصير من الخطر فعلاً أن يتواجد مواطن بريطاني في الشوارع.

هنا تنهار الفتاة البريطانية.. تعترف أمام المحكمة المذهولة أنها كذبت منذ البداية، وأنها راودت د. عزيز عن نفسه فلم يستجِب. كانت هذه صفعة قاسية للكبرياء البريطانية، لكنها شجاعة لا تنكر من الفتاة برغم كل شيء.. تخلّى عنها الجميع ولم يعد أحد يطيق أن يراها.

أما عن د. عزيز فقد تعلّم الدرس.. لا يمكن مصادقة البريطانيين أبدًا.. ويغادر المحكمة وسط زفة من أبناء بلده تذكرك بزفة "حَسَبَ الله" عندنا.. إنه هندي.. هندي يكره البريطانيين.

لا يستطيع محو آلام هذه التجربة سوى الزمن.. إن الصفح شجرة تحتاج إلى وقت طويل حتى تلقي ظلالها على قلوبنا. لقد تزوّج د. عزيز وافتتح عيادة قرب جبال الهيملايا.. عندها فقط استطاع أن يكتب للشابة الحسناء أنجيلا يخبرها أنه سامحها.

ينتهي الفيلم العذب بعد ما يخبرنا بالكثير عن أنفسنا..

حَظِي الفيلم بتعليقات إيجابية من معظم النقاد، ورشح لجوائز عديدة، كما فاز بجائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة بيجي أشكروفت، وموسيقى موريس جار، والكرة الذهبية لأفضل فيلم أجنبي وجائزة جمعية نقاد بوسطون لجودي ديفيس. هذا الفيلم الأخير لديفيد لين.. أحد أعمدة هوليوود الحقيقيين.. يستحق أن يوضع في الحافظة الزرقاء.

34. All That Jazz (1979)

R | 123 min | Drama, Music, Musical

72 Metascore

Director/choreographer Bob Fosse tells his own life story as he details the sordid career of Joe Gideon, a womanizing, drug-using dancer.

Director: Bob Fosse | Stars: Roy Scheider, Jessica Lange, Ann Reinking, Leland Palmer

Votes: 35,413 | Gross: $37.82M

35. Young Frankenstein (1974)

PG | 106 min | Comedy

83 Metascore

An American grandson of the infamous scientist, struggling to prove that his grandfather was not as insane as people believe, is invited to Transylvania, where he discovers the process that reanimates a dead body.

Director: Mel Brooks | Stars: Gene Wilder, Madeline Kahn, Marty Feldman, Peter Boyle

Votes: 168,934 | Gross: $86.30M

36. M*A*S*H (1970)

R | 116 min | Comedy, Drama, War

80 Metascore

The staff of a Korean War field hospital use humor and high jinks to keep their sanity in the face of the horror of war.

Director: Robert Altman | Stars: Donald Sutherland, Elliott Gould, Tom Skerritt, Sally Kellerman

Votes: 76,946 | Gross: $81.60M

37. The Day the Fish Came Out (1967)

109 min | Comedy, Sci-Fi

A plane carrying a weapon more dangerous than a nuclear weapon goes down near Greece. To prevent panic, the officials go in dressed as tourists (who are dressed so casually, that the pilots... See full summary »

Director: Michael Cacoyannis | Stars: Tom Courtenay, Sam Wanamaker, Colin Blakely, Candice Bergen

Votes: 676

38. Straw Dogs (1971)

R | 113 min | Crime, Drama, Thriller

73 Metascore

A young American and his English wife come to rural England and face increasingly vicious local harassment.

Director: Sam Peckinpah | Stars: Dustin Hoffman, Susan George, Peter Vaughan, T.P. McKenna

Votes: 64,523

39. Dirty Harry (1971)

R | 102 min | Action, Crime, Thriller

87 Metascore

When a man calling himself "the Scorpio Killer" menaces San Francisco, tough-as-nails Police Inspector "Dirty" Harry Callahan is assigned to track down the crazed psychopath.

Directors: Don Siegel, Clint Eastwood | Stars: Clint Eastwood, Andrew Robinson, Harry Guardino, Reni Santoni

Votes: 168,348 | Gross: $35.90M

استطاع هذا الفيلم الممتع أن يحفر لنفسه موضعا بارزا في تاريخ السينما العالمية، وبالتأكيد ليس هناك مهتمّ بأفلام الأكشن لا يعرفه. الحقيقة أن كلينت إستوود ممثّل متوسّط المستوى لا تميّزه سوى وسامته، لا تستطيع أن تتذكّر له أداء مبهرا يهزّك أو يبكيك في أي فيلم، لكنه كذلك ممثل شديد الذكاء عرف كيف يتحوّل إلى أيقونة سينمائية سواء كراعي البقر الأشقر الذي لا اسم له في سلسلة الدولارات الشهيرة، أو كرجل الشرطة القاسي الذي لا يتبع أي قانون في سلسلة "هاري القذر".. هذا بالطبع قبل أن يدور الزمن ويصير مخرجا ناجحا بدأ مشواره مع فيلم "اعزف ميستي من أجلي"؛ برغم هذا يصعب أن نتصوّر أن يكون هذا الفيلم من بطولة فرانك سيناترا أو جون واين كما كان في ذهن المنتجين أولا.. الحقيقة أن رفض هذين للدور كان في صالحنا نحن.



قدّم لنا المخرج دون سيجل فيلم "هاري القذر" عن سيناريو لهاري جوليان قدّم لنا المخرج دون سيجل فيلم "هاري القذر" عن سيناريو لهاري جوليان عام 1971 قدّم لنا المخرج الشهير دون سيجل فيلم "هاري القذر"، عن سيناريو لهاري جوليان، وهو الفيلم الذي صار نوعا سينمائيا في حد ذاته، وصار من البلاغة أن تصف المخبر السينمائي بأنه "هاري القذر"؛ فأنت بهذا تصف نمطا كاملا من السلوك والأفعال. دون سيجل قدّم لنا قبل هذا أفلام: "الهروب من الكاتراز" وفيلم الرعب الأشهر "غزو خاطفي الأجساد"، وقد كان من شروط إيستوود الأساسية أن يخرج سيجل هذا الفيلم.

يلعب كلينت إستوود دور المخبر (كالاهان) شرطي سان فرانسيسكو الذي يرى أن القانون قد يعطّل العدالة ولا يساعدها؛ يُؤمن بالعنف وأن المتهم مجرم حتى تثبت براءته، كما يؤمن أن اللصوص والقتلة لا حقوق لهم أصلا. الحقيقة أننا غارقون في هذا الجدل طيلة الوقت، وقد عرفنا بعد ثورة يناير أن السؤال مهم جدا: هل تطبيق القانون أهم أم تحقيق العدالة أهم؟ ولو حقّقنا العدالة من غير قانون فمن يضمن أن يستمرّ حظنا الحسن هذا؟

هذا نمط شاع بعد هذا في السينما العالمية جدا، ومن أشهر الأمثلة دور تشارلز برونسون الذي يحقّق العدالة بمسدسه في سلسلة "رغبة الموت"، وستالوني في "كوبرا"، وفي مصر سوف تجد رائحة هذه الشخصية في أفلام كثيرة جدا لفريد شوقي وعادل إمام.

كان نجاح الفيلم ساحقا لذا جاءت بعده توابع عدة، ولعلك تعرف فيلم "قوة ماجنام".

يمكنك سماع اللحن المميّز لفيلم "هاري القذر" والذي كتبه لالو شيفرن هنا



See video اشتهر كذلك بالعبارة التي يقولها كلينت إستوود "كلما سقط لص في الفخ.. يحاول اللص اختطاف مسدسه الساقط جواره"، لكن إستوود يقف له بالمرصاد حاملا مسدسه الماجنم المخيف.. ويقول له:

  • "أعرف أنك تسأل نفسك هل أطلقت أنا خمس أم ست طلقات.. دعني أصارحك بأنني نسيت العد أنا نفسي. هذا هو مسدس ماجنام 0.44 أقوى سلاح في العالم.. قبل أن تتحرّك يجب أن تسأل نفسك: هل أشعر أنني محظوظ؟ هل تشعر بذلك يا وغد؟".


صراع الأعصاب هذا ينتهي دوما بأن ينهار اللص ويستسلم، لكن مجلة إمباير البريطانية أبدت ملاحظة عابرة حول هذا المشهد؛ وهي أنك لا تستطيع أن تطلق مسدس ماجنام 0.44 بيد واحدة أبدا.. إنه يهشّم يدك على الفور من قوة الارتداد.

شاهد هذا الموقف الشهير هنا



See video يضع الفيلم منذ البداية قواعده.. هؤلاء القتلة الساديون الذين لا يحترمون الحياة البشرية لا يستحقّون أي شفقة. هناك قاتل يُدعَى "سكوربيو" (أندرو روبنسون) يتسلّى بقتل الناس ببندقية بتلسكوب، وهو يهدّد بأنه سوف يقتل زنجيا أو قسا كاثوليكيا في المرة القادمة ما لم تدفع له المدينة فدية.



See video سكوربيو يُذكّرك نوعا بأليكس السادي في فيلم "البرتقالة الميكانيكية".. كان بارعا جدا في هذا الفيلم لدرجة أنه ظلّ يتلقّى تهديدات بالقتل لفترة طيلة من الجمهور الكاره له الذي رأى الفيلم، واضطرّ لحذف اسمه من دليل الهاتف.

يتمّ تكليف رجل الشرطة الذي يطلق عليه زملاؤه اسم "هاري القذر" بسبب عنفه الزائد.. شاهد مجموعة من "جرائم" هاري التي يقتل فيها المجرمين بلا رحمة.

See video ينضمّ له مساعد قليل الكفاءة اسمه جونزاليز.. ويوشكان على إيقاع سكوربيو عندما يراقبان الكنائس الكاثوليكية؛ لأنه هدّد بأن يستهدف قسا كاثوليكيا. يخطف سكوربيو فتاة مراهقة ويدفنها في تابوت له تهوية ونظام إضاءة، ويطلب فدية لها.. محاولة تسليم الفدية له محاولة مرهقة وعبثية لأنه يتلاعب برجلي الشرطة تماما، وفي النهاية وبرغم كل شيء يتسبّب في موتها.

يضعك الفيلم في ورطة أخلاقية عندما تكتشف أن كالاهان يجب أن يترك سكوربيو يفر؛ السبب هو أنه اعتدى على حقوقه الدستورية عندما فتّش بيته بلا إذن نيابة.. هذا يعني أن القانون يطلق سراح سفاح مسعور، بينما لو تركوا لكالاهان العنان لنسفه نسفا وأراح المجتمع منه.

الآن يتلقّى المجتمع عقابه العادل عندما يخطف سكوربيو حافلة مدرسة بمن فيها من أطفال، ويطلب فدية وإلا مات عشرات الأطفال ضحايا له.



See video هذه المرة يصمّم كالاهان على أن يعمل وحده وحسب فهمه الخاص للقانون؛ لن تدفع أي فدية.. سوف يطارد السفاح ويقتله.. هناك مشهد نفّذه بنفسه، يثب فيه على ظهر حافلة المدرسة أثناء اندفاعها تحت جسر.

في النهاية يلقى السفاح نهايته.. هذا ما يحدث في مشهد دامٍ شهير، ومع الخطاب الذي يتكرّر في كل مرة "هل تشعر بأنك محظوظ؟".. وعندما يموت سكوربيو يلقي كالاهان بشارته في البحر؛ فهو يعرف ما سيحدث له عندما يعود لإدارة الشرطة.. هذا هو موضوع الأفلام التالية على كل حال.



See video الفيلم ممتع فعلا وإن شابه الكثير من العنف.. هذا فيلم مهم من أفلام الأكشن، وقد خرجت أفلام عديدة على منواله، لهذا استحقّ أن يُوضع في الحافظة الزرقاء.

40. Nosferatu (1922)

Not Rated | 94 min | Fantasy, Horror

Vampire Count Orlok expresses interest in a new residence and real estate agent Hutter's wife.

Director: F.W. Murnau | Stars: Max Schreck, Alexander Granach, Gustav von Wangenheim, Greta Schröder

Votes: 105,477

41. Dog Day Afternoon (1975)

R | 125 min | Biography, Crime, Drama

86 Metascore

Three amateur bank robbers plan to hold up a bank. A nice simple robbery: Walk in, take the money, and run. Unfortunately, the supposedly uncomplicated heist suddenly becomes a bizarre nightmare as everything that could go wrong does.

Director: Sidney Lumet | Stars: Al Pacino, John Cazale, Penelope Allen, Sully Boyar

Votes: 273,145 | Gross: $50.00M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

أتيكا.. أتيكا!! قد ينسى الناس تفاصيل هذا الفيلم، لكن مشهد آل باتشينو وهو يصرخ في الجماهير "أتيكا.. أتيكا" محفور في الأذهان.. هذا هو المشهد الأيقوني الخاص في الفيلم، كمشهد هجوم الهليوكوبتر في "سفر الرؤية الآن"، وقطيع الأغنام في "العصور الحديثة"، ومباراة الكرة بلا كرة في "تكبير"، ولقاء محطة القطار في "رجل وامرأة"، ويدي أبي سويلم تتشبثان بالتراب في "الأرض". اعتدنا أن نقرأ الترجمة لاسم هذا الفيلم "كلب بعد الظهر"، وهي ترجمة غريبة طبعًا.. الترجمة الأصوب هي "بعد ظهر يوم حار". "أيام الكلاب" في الإنجليزية هي أيام الصيف الأكثر حرًّا ورطوبة. هناك متلازمة نفسية يعرفها أطباء النفس اسمها "متلازمة ستوكهولم"، وتحدث عندما يقوم بعض الخاطفين بالسيطرة على مكان ما.. عندما يُدرك الرهائن أن المعتدين مهذّبون يُعاملونهم جيّدًا، فإنهم يُحبّونهم ويدافعون عنهم. هذه التيمة النفسية عُولجت في أعمال مصرية كثيرة؛ مثل: "الإرهاب والكباب"، و"نهر الخوف". عكس ذلك أن يقع الخاطفون في حُب الرهائن، ويطلق على هذا اسم "متلازمة ليما".

في هذا الفيلم الجميل نرى خليطًا إنسانيًّا جميلاً مِن ليما وستوكهولم.

قليلة هي الأفلام التي تعج بالمشاعر الإنسانية والدفء والسخرية، برغم أنها تعالج موضوعًا عنيفًا مثل سرقة مصرف، لهذا تميّز هذا الفيلم بشكل واضح، خاصة مع الأداء العبقري لوجه شاب وسيم جديد على الشاشة اسمه آل باتشينو، ومجموعة مذهلة مِن الممثلين قامت بأداء أدوار موظفات المصرف ورجال الشرطة والجمهور... إلخ.. مع تحريك متقن لكل التفاصيل يقوم به مخرج يعرفه الجميع هو سيدني لوميت الذي حفظ الناس اسمه بعد فيلم "اثنا عشر رجلاً غاضبًا" الذي سنقابله الأسبوع القادم إن شاء الله.

المخرج سيدني لوميت حفظ الناس اسمه بعد فيلم "اثنا عشر رجلاً غاضبًا" المخرج سيدني لوميت حفظ الناس اسمه بعد فيلم "اثنا عشر رجلاً غاضبًا"

كان الناس قد عرفوا آل باتشينو مِن فيلم "الأب الروحي" قبل هذا، وعرفوا أنه بارع، لكنه كان محاطًا بوحوش تمثيل مِن عيّنة: مارلون براندو، وروبرت دوفال، وجيمس كان، لكن هذا الفيلم أعطاه الفرصة الكاملة ليُخرج كل ما لديه. أداء رائع يتأرجح بين الارتباك والعصبية والجنون والرقة، وهو على حافة الانهيار العصبي النهائي.. في النهاية نحن نعرف يقينًا أنه لا يستطيع أن يقتل دجاجة.. وفي مشهد ذكي نراه نائمًا، بينما واحدة مِن الرهائن تتسلّى ببندقيته الآلية؛ لتتعلَّم كيف تُؤدّي التحية كما في الجيش.

يظهر في الفيلم كذلك جون كازال، وهو ممثّل آخر مِن أصل إيطالي ظهر في فيلم "الأب الروحي" في دور الأخ طيب القلب ضعيف الشخصية؛ أي أن الفيلم يضمّ اثنين مِن أبناء الأب الروحي.

الفيلم الذي عُرِض عام 1975 ينتمي لنوعية الأفلام التي يطلقون عليها "عملية سطو فاشلة" (Heist Gone wrong). ومن أشهر أفلام هذه النوعية "كلاب المستودع". هناك عملية سطو يقوم بها ذلك الشاب عديم الخبرة "سوني" وصاحبه "سال". عملية السطو هذه قد حدث مثلها في الواقع منذ عامين في بروكلين، والفيلم يعتمد على مقال عن الحادث كتبه ب. ف. كلوج ومور.



شاهد الجزء الافتتاحي هنا

المصرف يعجّ بالموظفات المذعورات، ورئيسهن المسن، والحارس الأسود المصاب بالربو. يكتشف سوني أنه نحس أكثر مما توقّع؛ فالمصرف خالٍ من المال.. كل ما نجح فيه هو أن كل شرطة الولاية تحاصر المصرف. لقد تحوّل الموقف بسرعة البرق إلى "موقف رهائن" من الذي يراه في التليفزيون.

بالواقع يتحوّل الموقف إلى سيرك؛ فالناس كلها تحاصر المصرف، وقوات السوات المخيفة مستعدّة لقتل أية ذبابة تحوم.. قنّاصة فوق الأسطح وطائرات هليوكوبتر في كل مكان. التليفزيون ووسائل الإعلام كلها هنا.. مدير الشرطة يُحاول التفاهم معهم، ويزجر رجاله الذين يتوقّون لإطلاق الرصاص في أية لحظة.

يخرج سوني للتفاوض تحت حماية صديقه بداخل المصرف، وهو يُعلن منذ البداية أنه لا يثق في رجال الشرطة.. سوف يدوخونهما إلى أن يطلقوا الرصاص عليهما في مجزرة شبيهة بمجزرة سجن أتيكا، التي حصد فيها رجال الشرطة الأمريكية الجميع بمن فيهم الرهائن.. ويصرخ أمام الكاميرات والجماهير: أتيكا.. أتيكا! فيُصفّق الناس.. لقد تحوّل إلى نجم إعلامي..



يمكنك أن ترى هذا المشهد الرائع هنا



عندما يطلب بيتزا للرهائن -في مشهد يُذكّرك جدًا بفيلم "الإرهاب والكباب"- فإن صبي البيتزا يُقدّم له الوجبة، ويتمنّى لهما التوفيق، فما إن يجد الصبي نفسه وحده حتى يلقي بالكاسكت أرضًا، ويرقص صارخًا: أنا ممثّل مذهل!

هكذا تتقدّم خطوط السرد بين علاقة الشابين بموظفات المصرف، اللاتي يتعاطفن معهما كلية، ومدير المصرف المريض بالسكري الذي يأبى بشدّة أن يُغادر المصرف للعلاج ويترك البنات وحدهن. تفاصيل صغيرة جدًا مثل حاجة البنات لدخول دورة المياه مما يُشكّل كارثة بالنسبة لسوني الذي تلفت أعصابه أصلاً. ومفاوضات سوني للحصول على طائرة هليوكوبتر تحملهما خارج البلاد، والجنون الذي يحكم المجتمع الأمريكي بالكامل، والدافع العجيب لعملية السطو هذه (وهذا جزء لن أستطيع الكلام عنه هنا).

إن باتشينو يرتب أن تأخذهما الطائرة لبلد بعيد.. ربما الجزائر.. يسأل زميله في السطو عن بلد أجنبي يرغب في أن يعيش فيه، فيردّ:

  • "وايومنج!".


فهو لا يعرف أن وايومنج في أمريكا..



شاهد هذا المشهد هنا

في النهاية يُوافق رجال الشرطة على أن تنقلهما سيارة مع الرهائن إلى المطار..

هنا يجب أن أتوقّف وأترك لك أن ترى ما حدث بعدها.. لكن النهاية قاسية وأليمة فعلاً.

الفيلم ممتع ويبقى معك لفترة طويلة، وقد رُشّح لعدد كبير مِن جوائز الأوسكار، لكنه لم يحصل إلا على أوسكار أفضل سيناريو أصلي.

كما قلنا يُمكنك بسهولة أن تشمّ رائحة هذا الفيلم في أعمال تالية عديدة، ولدينا فيلم "نهر الخوف" الذي يوشك أن يكون نسخة أخرى منه، وإن صار المصرف أتوبيسًا نهريًا، كما أنه قريب جدًا مِن فيلم "الإرهاب والكباب". أما أهم ما قام به الفيلم فهو أنه حدّد المكانة الراسخة لممثّل شاب واسع العينين حاد النظرات مِن أصل إيطالي اسمه آل باتشينو.

42. 2001: A Space Odyssey (1968)

G | 149 min | Adventure, Sci-Fi

84 Metascore

After uncovering a mysterious artifact buried beneath the Lunar surface, a spacecraft is sent to Jupiter to find its origins: a spacecraft manned by two men and the supercomputer HAL 9000.

Director: Stanley Kubrick | Stars: Keir Dullea, Gary Lockwood, William Sylvester, Daniel Richter

Votes: 719,843 | Gross: $56.95M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكر طويلاً.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي، لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.



أولاً دعنا لا ننكر أن هذا فيلم صعب بالتأكيد، ويحتاج إلى تركيز كبير، كما أن الحوار السائد فيه هو الصمت. لكنك ستشاهده مرة ومرتين وثلاثا إذا تذكرت أن النقاد يرونه أدقّ وأعمق وأجمل فيلم خيال علمي على الإطلاق. الفيلم الذي جاء قبل "حروب النجم" بعشر سنوات، وبرغم هذا هو أدقّ منه علميا، وأكثر إحكاما بصريا. الفيلم الذي ارتبط للأبد بمقطوعتي ريتشارد شتراوس ويوهان شتراوس "هكذا تكلم زرادشت" و"الدانوب الأزرق" بالترتيب.



يمكنك سماع مقطوعة "هكذا تكلم زرادشت" هنا كما جاءت في مقدمة الفيلم



لاحظ أن الفيلم مصمم أصلاً للعرض بمقياس 70 ملم، ومعنى هذا أنه لا توجد سينما في مصر يمكن أن تعرضه.. ومعناه أن مشاهدته على الكمبيوتر أو في التليفزيون قتل له.

من أين نبدأ الكلام؟ نبدأ من ستانلي كوبريك المخرج العبقري.. أحد أعمدة السينما. الذي تمرّد على هوليوود، فذهب إلى إنجلترا ليقدم الأفلام التي يريدها بشروطه الخاصة، وبأجهزته وطاقم العمل الذي يريده، وهو أكثر مخرج موسوس مولع بالدقة في التاريخ؛ لدرجة أنه كان يعيد تصوير بعض المشاهد في أفلامه 180 مرة! عندما تذكر اسم كوبريك سوف تذكر على الفور أسماء مثل "لوليتا".. "سبارتاكوس".. "عينان مغلقتان باتساع". "البرتقالة الآلية".. "خزانة مليئة بالطلقات".. "دكتور سترانجلاف".. "تألق"... وطبعا فيلم اليوم.

العبقري الأمريكي يبحث عن موضوع، كان يفكر في تقديم فيلم الخيال العلمي الأمثل.. هنا يجد قصة قصيرة كتبها أديب الخيال العلمي أرثر كلارك اسمها "الحارس". يتصل بكلارك المقيم في سيلان طيلة الوقت، ويبدأ الرجلان كتابة السيناريو ببطء شديد. وفي العام 1968 يخرج هذا الفيلم للعالم. كل أفلام ستانلي كوبريك تفشل لدى عرضها الأول، وقد بدا هذا واضحا.. لكن شباب الهيبز بدأوا يذهبون للسينما؛ لأنهم وجدوا أن الفيلم تجربة بصرية غير عادية، خاصة إذا كان المشاهد تحت تأثير عقار الهلوسة. بعد قليل بدأ المشاهد العادي يذهب للسينما ليفهم ما يدور.. وهنا أدرك العالم أنه أمام معجزة سينمائية كاملة. وهو تقريبا أقلّ الأفلام اعتمادا على الحوار في تاريخ السينما.. أول جملة تنطق فيه تقال بعد عشرين دقيقة. رشّح الفيلم لأربع جوائز أوسكار نال منها واحدة، مع قدر لا بأس به من الظلم طبعا.

الفيلم يحكي عن كائنات فضائية لا نراها ولا نعرف عنها الكثير، لكنها أخذت على عاتقها التطوّر العقلي لكل كائنات المجرة، ولهذا ترسل جسما حجريا أسود غريب الشكل إلى أرجاء الكون، وحيثما يقف هذا الجسم الحجري يتطور الإنسان بسرعة خارقة. إنهم الحراس.. الحراس الذين يقفون في أرجاء المجرة يساعدوننا على أن نتطور.

في بداية الفيلم نرى قبيلة بدائية تتصرف كالقردة تماما، ثم تكتشف هبوط هذا الجسم الغامض في أرضها. نتيجة لهذا يتعلم أفراد القبيلة استعمال أيديهم ويتعلمون كيف يصنعون السلاح وكيف يقتلون بعضهم.. ثم تأتي اللقطة الشهيرة في تاريخ السينما عندما يقذف أحد البدائيين خصمه بقطعة عظم.. تطير العظمة في الهواء وتتحول إلى سفينة فضاء ذاهبة للقمر.. لقد اختصر الفيلم ملايين السنين من التطور في ثانية.



شاهد هذه اللقطة هنا





إن العالم (فلويد) ذاهب للقمر؛ للتحقيق في جسم حجري غامض مزروع هناك، يسبب ظاهرة تدعى TMA. إن هذا الجسم يشبه بالضبط الجسم الذي هبط على البدائيين في بداية الفيلم. يعرف أن الجسم يرسل إشارات صوتية غامضة إلى كوكب المشترى.

بعد عام تنطلق سفينة فضائية نحو كوكب المشترى. هذه السفينة يتمّ التحكم فيها بالكامل بواسطة الكمبيوتر كلي القدرات HAL وهو الاسم الذي اختاره كوبريك ليسخر من IBM (الحروف السابقة في الأبجدية بالضبط). إن هال يبدو كشخص واثق من نفسه ثرثار جدا ويراقب كل شيء.

يصاب الكمبيوتر هال بنوع من الجنون، ويتسبب في مقتل أحد رجُلي الفضاء، ويوشك على قتل الآخر الذي يضطر لتدميره. هنا يرينا كوبريك مشهدا لا يُنسى لرائد الفضاء يقوم بتخريب دوائر الكمبيوتر، بينما الكمبيوتر يتوسل له بلا توقّف كي يعطيه فرصة أخرى.. وفي النهاية يفقد صوابه تماما فيبدأ في غناء أغنية أطفال وهو يحتضر.

إن الكمبيوتر يبدو أكثر إنسانية وإثارة للشفقة من الإنسان في هذا المشهد. من اللافت للنظر أن هال هو أكثر أبطال الفيلم كلاما، وهو الوحيد الذي يعبّر عن نفسه بكفاءة.



يمكنك رؤية هذا المشهد الرائع هنا





لقد صار رائد الفضاء ديفيد باومان وحده على ظهر سفينة بلا جهاز كمبيوتر، ضائعا تماما، ومهمته هي استقصاء وجود جسم حجري غامض آخر على كوكب المشترى.

هكذا يصل ديفيد إلى الجسم الحجري، ويكتشف أنه مجوّف، وأنه يمكن أن يبتلع سفينة الفضاء ذاتها.. هناك مجرة كاملة بداخله وبوابة تقود لبعد آخر.. فيرى ما لم يره بشري قبله.

هنا يبدأ الحلم البصري المذهل الذي كان سبب نجاح الفيلم.



شاهد لمحة من الحلم البصري هنا

في النهاية يكتشف أنه في غرفة نوم قام الفضائيون بتصميمها لتشبه غرفنا.. سرير عتيق وتليفزيون وثلاجة. كلها أشياء زائفة صنعوها من مراقبتهم لبرامجنا التليفزيونية. ينام في الفراش للمرة الأخيرة، وعندها يولد الطفل الرضيع الذي يحلق في السماء. طفل النجوم....



البشرية برغم هذا النضج ما زالت طفلاً بحاجة إلى من يأخذ بيده، لكن ليس التفسير بهذه البساطة، ويمكن القول إن كل من رأى الفيلم كان له رأي مختلف في النهاية. هذا فيلم صُنع كي يبقى معك طويلاً.



قام ببطولة الفيلم الممثل كير دوليا في دور رائد الفضاء ديفيد، ووليام سلفستر في دور د. فلويد. لا توجد أدوار ذات أهمية على الإطلاق؛ لأنه لا توجد عبارات حوار تقريبا. تمّ التصوير في بريطانيا، وكان المسئول عن المؤثرات الخاصة شديدة التعقيد دوجلاس ترومبول، وهي مؤثرات لا تتم في المختبر ولا تتم على جهاز الكمبيوتر؛ ولكن تتم داخل الكاميرا نفسها كما طلب كوبريك.

كوبريك تمرّد على هوليوود فذهب لإنجلترا ليقدم أفلاماً بشروطه الخاصة كوبريك تمرّد على هوليوود فذهب لإنجلترا ليقدم أفلاماً بشروطه الخاصة

من الناحية العلمية هذا أدق أفلام الخيال العلمي على الإطلاق. هناك عدة مستشارين علميين اقترحهم آرثر كلارك نفسه. وهو الفيلم الوحيد الذي لم يقع في فخ انتقال الصوت عبر الفضاء. كل أفلام الخيال العلمي تسمع فيها صوت الانفجارات بوضوح تام في الفضاء الخارجي. مشاهد انعدام الوزن دقيقة جدا فيزيائيا.. وكذلك تأخر وقت الاتصال بين المركبة وكوكب الأرض، وطريقة الخروج من المركبة في كبسولة. أي عالم فضاء يرى هذا الفيلم يعجز عن إيجاد خطأ واحد إلا فيما ندر.

مع نجاح الفيلم الساحق، قدم أرثر كلارك رواية "2001 أوديسة فضائية" التي تعيد تفسير الفيلم من جديد. يطلق على هذا النوع من الأدب اسم Spin off أي أن الرواية لم تصنع الفيلم، لكن الفيلم صنع الرواية. بما أن الفيلم تجربة بصرية بالكامل، وبما أن الغموض مقصود في حد ذاته، فإن نقادا عدة رأوا أن الرواية حوّلت عملاً شعريا رائعا إلى نثر جافّ بلا أسرار.

هذا هو أول فيلم في الحافظة الزرقاء.. تعالَ نرجعه مكانه ولننتقِ فيلما آخر.

43. Apocalypse Now (1979)

R | 147 min | Drama, Mystery, War

94 Metascore

A U.S. Army officer serving in Vietnam is tasked with assassinating a renegade Special Forces Colonel who sees himself as a god.

Director: Francis Ford Coppola | Stars: Martin Sheen, Marlon Brando, Robert Duvall, Frederic Forrest

Votes: 710,560 | Gross: $83.47M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

لفترة طويلة ظل هذا الفيلم يتصدر قوائم أفضل الأفلام في التاريخ، فهو حلم وكابوس كاملان في آن واحد، وقد عاد لدائرة الاهتمام مؤخرًا بمناسبة صدور نسخة ريدوكس له. ريدوكس Redux معناها (مستعادة).

رأيت الفيلم في السينما عام 1980، وأذكر أنني أصبت بحالة ذهول وانبهار في النصف الأول منه، ثم لم أعد أفهم شيئًا على الإطلاق في النصف الثاني. الفكرة هي أن الفيلم ينزلق ببطء من عالم الواقع إلى عالم فلسفي كابوسي شديد التعقيد. يقولون كذلك إنه من الصعب أن تفهم الفيلم ما لم تكن قد قرأت "قلب الظلام" رواية جوزيف كونراد الشهيرة. أنا قرأت الرواية بل وترجمتُها للعربية كذلك في واحدة من أصعب و"أسوأ" الترجمات التي أنجزتها! لكن الرواية لا تجعل الأمور أسهل. تدور الحبكة حول رحلة مضنية في نهر بالكونغو يقوم بها البطل للقاء رجل غريب الأطوار يدعى كورتز، هو مزيج من سفاح وتاجر عاج وفيلسوف وشاعر ونبي كاذب، جعلت منه القبائل الإفريقية شبه إله، والسبب هو أنه دعا لدين جديد هو "الرعب"... من الواضح تمامًا أن الرحلة في النهر هي رحلة داخل نفوسنا ذاتها، وأن قلب الظلام هو أعماقنا..

هذا هو محور الفيلم الذي استبدل بالكونغو فيتنام... (أبوكاليبس Apocalypse) هو "سفر الرؤية" أو يوم القيامة في التوراة..

الآن نقابل المخرج العبقري فرانسيس فورد كوبولا الذي أثار ذهول العالم بفيلم "الأب الروحي" الذي أخرجه وهو في الثلاثين من عمره تقريبًا. تروق قصة "قلب الظلام" لكوبولا.. تروق له لدرجة أن يقرر عمل فيلم ملحمي عنها. ومن أجل هذا الفيلم يرهن بيته ويبيع كل ما يملك، مع مساهمة شركة يونايتد أرتستس بنصف التكلفة، ومساعدة حكومة الفلبين له، ليحصل على ثلاثين مليونًا، وهو مبلغ مخيف بمقاييس السبعينيات. ثم يكتب السيناريو بالاشتراك مع جون ميلوش على مدى ستة أعوام. ولسوف تلاحظ في الفيلم تركيزًا على علب سجائر مارلبورو وأجهزة تسجيل سوني، ولربما كان هناك إعلان عن معجون أسنان فيتنامي! لكن كل شيء مبرر من أجل النتيجة النهائية..

من أجل فيلم Apocalypse رهن المخرج كوبولا بيته وباع كل ما يملك من أجل فيلم Apocalypse رهن المخرج كوبولا بيته وباع كل ما يملك

استعان السيناريو بخبرات صحفي عاصر حرب فيتنام هو مايكل هير. جمع كوبولا مئات المعلومات عن حرب فيتنام بدءًا بانتشار تدخين الماريجوانا بين الجنود وكثرة السود وبرامج البلاي بوي الترفيهية... إلخ.

بدأ التصوير عام 1976 في الفلبين.. إن الفلبين هي فيتنام جاهزة لدى السينما الأمريكية، كما أن الأردن هو العراق دائمًا في هذه الأفلام. عملية قصف القرية في بداية الفيلم استغرق تصويرها 16 أسبوعًا، وقد احترقت طائرات حقيقية.. لقد كان الأمر أقرب لحرب واقعية.

كان بطل الفيلم الرئيس هو مارتن شين، لكن دور كورتز كان بحاجة إلى شخصية لا تقلّ عن مارلون براندو، وقد قبل هذا الأخير القيام بالدور. كان النجم العالمي مشكلة؛ لأنه صار بدينًا جدًا، ولأنه تشاجر كثيرًا جدًا مع المخرج، برغم تاريخهما السابق معًا في "الأب الروحي". كذلك أصيب النجم الرئيس مارتن شين بنوبة قلبية عطّلت العمل. هناك نجوم لم يكونوا معروفين بعد؛ منهم هاريسون فورد ولورانس فيشبورن الذي كان صبيًا في الرابعة عشرة من عمره.

ما لم يعرفه هؤلاء هو أن السيناريو غير مكتمل، ولا توجد نهاية مكتوبة له! لم يقرر كوبولا كيفية إنهاء الفيلم. وكما قيل: كنا تابعين لرجل مجنون بلا خطّة..

وفي النهاية تمّ عمل نسخة أولية عرضت في مهرجان كان عام 1979 فأثارت ذهول المشاهدين. وقد رشّح الفيلم لحشد من الجوائز نال كثيرًا منها، أهمها السعفة الذهبية في مهرجان كان، لكن بالنسبة لجوائز الأوسكار حصل على أوسكار التصوير (فيتوريو ستورارو) والصوت فقط، وبلغ من أهمية الفيلم أن مكتبة الكونجرس أمرت بحفظه؛ باعتباره أثرًا فنيًا بالغ الأهمية.

يبدأ الفيلم بمشهد لا يُنسى لأشجار النخيل في فيتنام تحلّق فوقها طائرات الهليوكوبتر الأمريكية، ثم يتحول كل هذا إلى نار، بينما يغني جيمي موريسون وفريق "الأبواب" أغنيتهم الرائعة الرهيبة "النهاية":

هذه هي النهاية.. يا صديقي الوحيد.. هي النهاية.. نهاية خططنا المحكمة.. نهاية كل شيء له قيمة... لن أرى عينيك ثانية أبدًا..

يمكنك أن ترى هذه المقدمة هنا (لا تبدأ فعلاً إلا بعد ثلاثين ثانية)

وتتداخل الصورة لنرى الكابتن ويلارد بطل الفيلم الذي أضنته حرب فيتنام عصبيًا في فندقه بسايجون، غارقًا في الخمر والهلاوس.. لدرجة أنه يرى طائرات الهليوكوبتر تحلق في غرفة نومه. يأتي رجال من المخابرات الحربية يجعلونه يفيق بالقوة، ثم يأخذونه للقيادة حيث يكلفه القائد بمهمة عسيرة.. هناك ضابط ممتاز يدعى كورتز. هذا الضابط تمرد وعبر النهر والحدود من فيتنام إلى كمبوديا، حيث كوّن جيشًا خاصًا بنفسه، وانفصل تمامًا عن الجيش الأمريكي. إنه يتحول ببطء إلى إله كمبودي لا تردّ كلمته..

مهمة ويلارد هي أن يعبر النهر مع فريق خاص ويقتل كورتز هذا..

هكذا تبدأ الرحلة الجهنمية التي لا يمكن وصفها. يكون عليه في البداية أن يسلم نفسه للملازم كيلجور قائد وحدة الفرسان التاسعة لينقلهم إلى نهر النانج. قام بالدور روبرت دوفال، وهو نموذج مذهل للأدوار الصغيرة اللذيذة التي لا يمكن نسيانها؛ فالقائد مستمتع جدًا بالحرب ويعتبرها نزهة خلوية، وهو يكتشف أن مع ويلارد بطل أمريكا في التزلج على الأمواج العالية، لذا يصمم على مهاجمة قرية فيتنامية آمنة لأن جوارها مضيقًا نهريًا عالي الأمواج، وهو يريد تحدي بطل أمريكا. ينذره رجاله بأن هذه القرية مكان شارلي، وشارلي هو الرمز الأمريكي لكل رجل مقاومة فيتنامي، لكنه يصر..

وهكذا يتم الهجوم على القرية، ونعرف أنه يحب أن يشغل موسيقى فاجنر من طائرات الهليوكوبتر أثناء القتال.. فاجنر يشعل روح القتال لدى الجنود ويخيف الفيتناميين..

تنطلق الطائرات لتقصف القرية على نغمات "الفالكيري" رائعة فاجنر.. في ثوانٍ يتحول كل شيء لجحيم ونار من أجل بطل التزلج كي يمارس رياضته.

يمكنك مشاهدة المشهد الرائع هنا

يعتقد بعض الناس أن هذا المشهد "يدين القسوة الأمريكية"، لكن الحقيقة أنه يديننا جميعًا.. المشكلة هي أنه يضعك في مكان المنتصرين، لذا تجد الحماسة تعميك فتريد أكثر! إن كوبولا بهذا المشهد العبقري يفضح القسوة والعنف الكامنين في نفوسنا جميعًا. لسنا ملائكة كما نحب أن نعتقد.. نحن فقط لم نُمنح الفرصة لنكون أقوياء وقساة.

يتشمم كيلجور الهواء في استمتاع ويقول لبطل التزلج واحدة من أشهر العبارات في تاريخ السينما:

ـ"أحب رائحة النابالم في الصباح.. أبخرة الجازولين تلك.. إن لها رائحة الـ... لها رائحة النصر!".

شاهد اللقطة هنا

تتواصل الرحلة عبر النهر.. مخاطر من كل نوع.. عروض بلاي بوي يوشك الجنود الأمريكيون المحرومون على إفسادها، عندما يثبون في الماء محاولين الظفر بالراقصات العاريات. يرتكب ويلارد ورجاله عددًا لا بأس به من المذابح ضد الفيتناميين بسبب انفلات أعصابهم..

الآن بدأ الأمر يتحوّل إلى سريالية لا يمكن وصفها.. كأن القارب يتوغل عبر دوائر جحيم دانتي. ويعبرون الحدود إلى كمبوديا كأنهم يعبرون إلى عالم آخر..

مع الوقت يتناقص عدد رجال ويلارد.. يموتون بالسهام المنطلقة من الأحراش. بينما على جانبي النهر ترى الأجساد المتعفّنة المعلقة من الأشجار.

يدخلون القرية مركز قيادة كورتز.. رجال القبائل يلبسون خليطًا من ثيابهم الأصلية وثياب الجيش الأمريكي، وهم مسلحون بخليط من الرماح والسيوف والبنادق الآلية.. هنا العنف والدم في كل مكان، والمعبد البوذي مزين بالرءوس المقطوعة.

يظهر كورتز الرهيب.. إنه عملاق أصلع الرأس متشح بالسواد يقول كلامًا شعريًا غامضًا مبهمًا، لكنه يعرف أن ويلارد جاء من أجل قتله.. يصفه بأنه (صبي بقال أرسله معلمه للقيام بمأمورية). معظم لقطات براندو قريبة من وجهه مع الثياب السود لجعله أقل بدانة مما كان.

أداء مارلون براندو يدير الرءوس فعلاً.. يمكنك مشاهدة لمحة منه هنا

فلسفة كورتز بسيطة جدًا.. العنف والرعب والمزيد منهما.. لا بد للمرء أن ينقب في روحه عن القسوة. الفيتكونج قساة لهذا يربحون الحرب.. ذات مرة قامت القوات الأمريكية بتطعيم أطفال قرية ضد شلل الأطفال، فجاء الفيتكونج بعدها وانتزعوا أذرع الأطفال!. علينا أن نكون مثلهم.

الربع الأخير من الفيلم يحاضر فيه كورتز أسيره عن فلسفته، ويلقي عليه مقاطع من شعر ت.س. إليوت "الرجال الجوف".. هذه القصيدة بالذات استلهمها إليوت من قصة "قلب الظلام".

في مشهد النهاية الشنيع يفرّ ويلارد من سجنه ويخرج من المستنقع وسط الأبخرة، بينما يعود جيمي موريسون للغناء.. لقد تحوّل ويلارد إلى قاتل شيطاني كالذي تمناه كورتز. يدخل على كورتز في مخدعه ليمزقه بسكين عملاقة يحملها. نرى في ذات اللحظة قيام الأهالي -ضمن عيد ديني خاص بهم- بتمزيق ثور حي إلى شرائح بشواطيرهم (مشهد بشع جدًا أثار حنق المدافعين عن الحيوان؛ لأنه حقيقي). لحظة احتضار كورتز يهمس بالكلمة التي يعتبرها وصيته للعالم:

ـ "الرعب!!".

يخرج ويلارد الذي تحوّل إلى شيطان ملوث بالدم، فيقف رجال كورتز مذهولين صامتين.. لقد ظهر كورتز الجديد. يتجه للقارب حاملاً ميراث الرعب عن جدارة.. وتظلم الشاشة.

يمكنك رؤية مشهد النهاية هنا

الرعب! هذا الوحش النائم في أعماقنا والذي يخرج بسهولة بالغة... يمكن القول إن كورتز حقق فلسفته، وأن الجيش الأمريكي كله من أتباعه. وهكذا ينتهي واحد من أعظم الأفلام السينمائية.

نلتقي الحلقة القادمة إن شاء الله مع فيلم جديد من أفلام الحافظة الزرقاء.

44. The Great Dictator (1940)

G | 125 min | Comedy, Drama, War

Dictator Adenoid Hynkel tries to expand his empire while a poor Jewish barber tries to avoid persecution from Hynkel's regime.

Director: Charles Chaplin | Stars: Charles Chaplin, Paulette Goddard, Jack Oakie, Reginald Gardiner

Votes: 237,423 | Gross: $0.29M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

شارلي شابلن أحد أيقونات القرن العشرين شارلي شابلن أحد أيقونات القرن العشرين

يقول شارلي شابلن في مقولة شهيرة له عن مشروع إسرائيل: "لا أدري لماذا يجب أن نجمع يهود العالم في فلسطين؟ ولماذا لا نجمع كاثوليكيي العالم في الفاتيكان بهذا المنطق؟".

في الفيلم الذي نقابله اليوم تظهر نغمة يهودية واضحة؛ فهناك الجيتو وهناك الحلاق اليهودي، وبالطبع لم يكن الهولوكوست قد حدث بعدُ، لكنها وقائع تاريخية لا بد من الكلام عنها بحجمها الحقيقي.. نحن نؤمن أن يهودا أبيدوا وعذّبوا على يد النازيين، لكننا نؤمن أولا أن عددهم لم يكن 6 ملايين بأي شكل، وأنهم لم يكونوا الوحيدين، وأن إسرائيل لا تملك الحقّ في إبادة الفلسطينيين بدورها على طريقة "لا بد من طرف يدفع الثمن، وليس بالضرورة هو الطرف المسئول".

لهذا عندما يأتي فيلم اليوم من شابلن؛ فنحن نقبله ونضحك معه ونعجب ببراعة الرجل، بينما لو جاء هذا الفيلم من الأخوين كوين أو سبيلبرج أو وودي ألين لاعتبرناه عملا دعائيا معتادا.

شارلي شابلن غَنَيٌ عن التعريف، وهو أحد أيقونات القرن العشرين البصرية الشهيرة؛ بمعنى أن ملامحه مألوفة في كل أنحاء الأرض، ورؤيته تعني الضحك دائما مع الكثير من الرفق الإنساني والتعاطف.. يجب أن نذكر كذلك أن شابلن كان ذا ميول يسارية واضحة، وكان متعاطفا مع الاشتراكية والاتحاد السوفييتي إلى حدّ ما، وهذا جعله فريسة سهلة للسناتور مكارثي الذي كان يفتش عن الشيوعية في ضمائر الفنانين.

قدّم هذا الفيلم عام 1940 مع بداية الحرب العالمية الثانية، وكالعادة كتبه وأخرجه وكتب موسيقاه ومثّله.. لم يبقَ إلا التصوير الذي قام به كارل شتروس ورولاند توثيروه.

أنت تعرف أن شابلن ظلّ يقدّم الأفلام الصامتة لفترة طويلة، وهناك أفلام نصف ناطقة مثل "العصور الحديثة" الذي قدّمه عام 1936، ولهذا اتهموا شابلن بأنه عدو التقدّم (لودايت)، لكن هذا الفيلم ناطق بالكامل. لقد جاء الوقت الذي يتكلّم فيه الصعلوك الصامت حزين العينين شارلو، وهذا بعد ما نطقت الأفلام بستة عشر عاما.

جاءت الفكرة لشابلن عندما أخبره صديقه كوردا أنه يُشبه هتلر كثيرا.. هذا أوحى له بقصة الفيلم.

الفيلم يسخر من هتلر والفاشية.. هذا بالطبع في وقت لم تكن الولايات المتحدة قد أعلنت الحرب على ألمانيا النازية بعد. نقابل الحلاق اليهودي بطل الفيلم الذي يُحارب في الحرب العالمية الأولى ضمن جيش دولة اسمها "تومينيا".. الاسم ساخر طبعا وهو لعب على اسم سم شهير.. دار جدل طويل حول ما إذا كان الحلاق امتدادا لشخصية المتشرّد الصامتة القديمة أم لا.. هذا يعني أن متشرّد شابلن الذي يحبّه العالم كله كان يهوديا منذ البداية! طبعا هذا جدل يهودي لا يهمّنا كثيرا.

ينقذ الحلاق طيارا جريحا يزعم أنه يحمل برقيات مهمة، لكن الطائرة تهوي على كل حال وتغرق في مستنقع، ويفقد الحلاق ذاكرته.. في ذات اللحظة التي تنتهي فيها الحرب وتخسر "تومينيا".

نقابل بعد أعوام الدكتاتور أدينويد هنكل -الاسم يُذكّرنا باللحمية التي تسد التنفّس- وهو نسخة مضحكة من أدولف هتلر. اعتمد شابلن على مشاهدته بأمانة لفيلم المخرجة الألمانية ليني رفنشتال (انتصار الإرادة)؛ كي يتمكّن من تقليد هتلر بشكل جيّد.. أنا رأيت هذا الفيلم الأخير وكدت أصاب بالفالج أو أموت مللا، لكنه مرجع مهم لمن يريد أن يدرس حركات وخطب هتلر.. من المعروف أن نسخة من فيلم "الدكتاتور العظيم" وصلت لهتلر وشاهدها مرارا، ويقول شابلن إنه مستعدّ لدفع أي مبلغ كي يعرف ما دار في رأس هتلر وقتها. تشابه شارب شابلن مع شارب هتلر كان موضع تعليقات كثيرة قبل هذا الفيلم.

شابلن يقوم بدور الحلاق والدكتاتور معا، ونراه يُلقي خطابا ساخرا يقلّد فيه طريقة هتلر في الخطابة، بل إنه يخترع لغة ألمانية خاصة به!



يحيط بالدكتاتور جاربيتش -الذي يرمز لجوبلز- وزير الدعاية الهتلري، وهرنج الذي يرمز لجورنج وزير الحربية الهتلري.. المهمة الأولى التي ينوي الدكتاتور القيام بها هي تطهير البلاد من اليهود، وفي الوقت ذاته نرى الحلاق في جيتو اليهود.. هناك قصة حب مع جارته اليهودية الحسناء هانا، تقوم بدورها الحسناء بوليت جودار التي كانت زوجة شابلن في الحقيقة وقتها.. لا ينقذ الحلاق من أنياب قوات العاصفة إلا تدخّل الطيار الذي أنقذه في الحرب.

أوهام القوة والسيطرة تسيطر على الدكتاتور هنكل، ونراه في مشهد جميل يرقص على موسيقى فاجنر مع كرة أرضية عملاقة سرعان ما تنفجر في يده:



يزداد اضطهاد هنكل لليهود، ويُحاول الطيار أن يقنع هنكل بأن يرحم اليهود قليلا؛ فيتهمه بأنه خائن ويلقي به في معسكرات الاعتقال.

هناك دكتاتور آخر يسيطر على دولة بكتريا اسمه "بنزيني نابولاني" -طبعا يذكّرنا بـ"موسوليني" جدا- يدعوه هنكل ليريه قوته العسكرية، وسرعان ما يتشاجر الرجلان كطفلين.

يزحف هنكل على دولة أوسترليتش المجاورة، ويحتلّها كما فعل هتلر مع النمسا بالضبط.

يحدث الخلط المعتاد في هذه الأفلام التي تعتمد على كوميديا الموقف.. الحلاق اليهودي يعتقد الجنود بأنه هو الدكتاتور هنكل، أمّا هنكل الذي يذهب في رحلة لصيد البط؛ فيعتبره الجنود هو الحلاق اليهودي.

عندها يتعرّض الحلاق للموقف الشهير؛ إذ يطلب منه إلقاء خطاب حماسي على الجماهير، وهو نفس المأزق الذي مرّ به نجيب الريحاني وعادل إمام وفؤاد المهندس واللمبي. و .. و..

يتكلّم من القلب، لذا تكون خطبته بليغة جدا تدعو الناس إلى السلام والمحبّة ونبذ الحروب؛ فليستغلوا العلم كي تصير حياتهم أفضل.

ويخاطب حبيبته هانا مباشرة.. هانا التي تعمل في معتقل في أوسترليتز.. يخبرها أن الغيوم قد زالت والحياة صارت أجمل.. الإنسان قد صار له جناحان، وهو يحلق نحو قوس القزح.. نحو النور.. هذه خطبة رائعة شهيرة جدا تأتي في نهاية الفيلم، ولسوف تجدها في عدة أماكن على النت.. كأنها رسالة سلام تركها شابلن للعالم من بعده:



بالطبع تمّ منع الفيلم في ألمانيا النازية وكل البلدان التي تحتلّها، لكن بعض رجال المقاومة نجحوا في تهريب نسخة من اليونان، وعرضوها في سينما في البلقان يؤمها الجنود النازيون. اكتشف الجنود بعد دقائق أن الفيلم يسخر من زعيمهم فأطلقوا النار على الشاشة، لنفس السبب ظلّ الفيلم ممنوعا في إسبانيا طيلة حكم فرانكو؛ أي حتى العام 1974.

كان شابلن يرى أنه الوجه الآخر من هتلر.. إنهما متشابهان تماما، وأحدهما مجنون والآخر ممثّل كوميدي؛ أحدهما يقتل الناس والآخر يضحكهم، ومِن ضمن نقاط التشابه أن كليهما يعشق موسيقى فاجنر، وقد ولدا في نفس التاريخ تقريبا، لكن ما أبعد البون بين الرجلين طبعا.

45. Tora! Tora! Tora! (1970)

G | 144 min | Action, Drama, History

46 Metascore

The story of the 1941 Japanese air raid on Pearl Harbor, and the series of preceding American blunders that aggravated its effectiveness.

Directors: Richard Fleischer, Kinji Fukasaku, Toshio Masuda, Akira Kurosawa | Stars: Martin Balsam, Sô Yamamura, Jason Robards, Joseph Cotten

Votes: 37,229 | Gross: $29.55M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

نمر.. نمر.. نمر قالوا وقتها إن هذا هو معنى العنوان الغريب لفيلم الليلة، وهو -كما سنعرف- الاسم الكودي الياباني لعملية الهجوم على بيرل هاربور. عرفت من الإنترنت فيما بعد أن لفظة تورا هي خليط من لفظة Totsugeki ولفظة Raigeki اليابانية "تو - را". ومعناها هجمة طوربيد، لكن لها نفس نطق لفظة نمر اليابانية.

في ذات الفترة كان هناك فيلم آخر لعنوانه نفس الرنين، هو "تك تك تك"، وهو فيلم لسيدني بواتييه عن مشكلات التفرقة العنصرية في ولايات الجنوب.

رأيت فيلم "تورا تورا تورا" مع أبي في سينما الجمهورية بطنطا، وكنت وقتها في الصف الرابع الابتدائي. لن أنسى هذا اليوم؛ لأنه كان فيلما رائعا حتى بالنسبة إلى طفل لا يفهم ما يدور، لكنه منبهر جدا بمشاهد الطائرات، ولأن فيلم "دراكيولا أمير الظلام" كان يعرض معه في نفس الحفل، وكانت هذه بداية عشقي للرعب ولشركة "هامر" البريطانية، برغم أنني ظللت عدة أشهر عاجزا عن البقاء وحدي في أي مكان!

دعونا من دراكيولا الآن لأننا نتكلم عن "تورا تورا تورا"، وقد طلب بعض الأصدقاء هنا أن أتكلم عنه، وراق لي هذا الاقتراح جدا.

في العام 1970 قدّم المخرج الأمريكي ريتشارد فليشر هذا الفيلم الضخم. هذا المخرج المهم قدّم لنا من قبل أفلام: "20 ألف فرسخ تحت البحر" (20000 Leagues Under the Sea)، و"كونان المدمر" (Conan the Destroyer)، و"سويلنت جرين" (Soylent Green)، و"الرحلة العجيبة" (Fantastic Voyage) و"أشانتي" (Ashanti).

كانت النيّة هي أن يخرج الياباني العظيم أكيرا كوروساوا الجزء الياباني من الفيلم، لكن هذا لم يتم، السبب هو أنهم قالوا له إن المخرج الكبير ديفيد لين هو من سيخرج الجزء الأمريكي فتحمّس بشدة، لما عرف أن هذا لن يتم حرص على أن يتخلى عن المشروع، وفي النهاية تم الاتفاق على أن يخرج توشيو ماسودا الأجزاء الدرامية اليابانية، ويخرج كنجي فوكازاكو الأجزاء التي تحوي مؤثرات خاصة أو حركة. احتاج الفيلم إلى تخطيط دام ثلاثة أعوام قبل بدء التصوير الذي استغرق ثمانية أشهر. السيناريو كتبه لاري فورستر مع اليابانيين هيديو أوجوني وريوز كيكوشيما عن عدة كتب سجّلت أحداث هذا اليوم الرهيب، ومنها كتاب "لادسلاس فارجو وجوردون برانج" من جامعة ميريلاند.

قدّم المخرج الأمريكي ريتشارد فليشر هذا الفيلم الضخم قدّم المخرج الأمريكي ريتشارد فليشر هذا الفيلم الضخم

يحكي الفيلم عن يوم أسود في حياة أمريكا، هو السابع من ديسمبر عام 1941 عندما قامت اليابان بتدمير معظم الأسطول الأمريكي الغافل في ميناء بيرل هاربور، وبهذا دخلت أمريكا الحرب وقد كانت تحاول تحاشيها. الحقيقة أن هذا العمل كان غلطة حمقاء ارتكبتها اليابان، وقد قادت بعد هذا إلى تدمير هيروشيما وناجازاكي بالقنبلة النووية، قادت كذلك إلى دخول العملاق الأمريكي الحرب بكل قواه ما أدى إلى هزيمة المحور.

يبدأ الفيلم بتولي الأدميرال الياباني ياماماتو قيادة الأسطول من الأدميرال يوشيدا. إن اليابان غاضبة على أمريكا لأنها تعترض طريق المواد الخام المتّجهة إلى اليابان في المحيط الهادي. وجود الأسطول الأمريكي قريبا في بيرل هاربور خطر جدا، ويصفونه بأنه سكين مصوّبة نحو عنق اليابان؛ لا حل سوى ضرب الأسطول الأمريكي ضربة إجهاضية بأي ثمن.

في الوقت نفسه تنجح المخابرات الأمريكية في اعتراض الشفرات اليابانية، ويشعرون أن هناك شيئا سوف يحدث لكنهم لا يعرفون ما هو، يتابعون رسائل اليابان لسفارتها في أمريكا، إن المخابرات الأمريكية تترجم الرسائل بسرعة أسرع من السفارة اليابانية، آخر رسالة تطلب من السفير الأمريكي حرق مفاتيح الشفرة، وهي علامة مقلقة تنذر بدنو الحرب، لكن المخابرات تقدّر أن الأمر لا يتجاوز عمليات تخريب ضد الطائرات يقوم بها الجواسيس اليابانيون.

الآن يُتم اليابانيون تنسيق الهجوم بطائراتهم الزيرو -التي تشعر أنها تعمل بالزمبلك- تحت قيادة جيندا، أما العملية كلها فتتم تحت قيادة متسو فوشيدا. أول علامة على الهجوم كانت محاولة غواصة يابانية التسلل إلى بيرل هاربور، وتنجح مدمرة أمريكية في إغراقها.

كان التدريب شاقا ومعنويات اليابانيين عالية جدا، إذ غرقوا في جو من المزاح والنكات، وعند الفجر تنطلق الطائرات اليابانية واحدة تلو الأخرى من على حاملات الطائرات، قاصدة بيرل هاربور. هذه مشاهد رائعة الجمال ويصعب أن تنساها خصوصا مع موسيقى جيري جولدسميث الساحرة. الطائرات واحدة تلو الأخرى تندفع نحو الشفق، وقد شعر اليابانيون أن قرص الشمس الأحمر في الأفق هو فأل يبشّر بنجاحهم، سوف تشعر بالقشعريرة حتما وأنت ترى هذه اللقطات.

لدهشة اليابانييين لا تعترض طريقهم طائرة أمريكية واحدة، ويدوي النداء عبر اللاسلكي:

  • "تورا.. تورا.. تورا".


ونرى مشهدا ساخرا للأمريكان في طابور الصباح لا يشعرون بشيء، يسمعون الطائرات اليابانية فيحسبونها طائرات أمريكية سمجة تحلّق على ارتفاع منخفض، لم يستوعبوا أن هذا هجوم إلا عندما انهمرت عليهم طلقات الفيكرز والقنابل، الحقيقة أن هناك أوجه تشابه عديدة مع ما حصل لنا في يونيو 1967.

شاهد بدء الهجوم

الطائرات الأمريكية متراصة في المطارات وفوق حاملات الطائرات، والجناح يلمس الجناح.. بط جالس ينتظر الذبح، وسرعان ما يتحول الميناء الجميل إلى جهنم، شعلة نيران. يحاول البحارة أن ينقذوا الموقف، لكن الهجوم الياباني كاسح.

شاهد الغارة

تمّ الهجوم على موجتين، لكن اليابانيين فضّلوا عدم إرسال الموجة الثالثة خشية أن يجد الأمريكان حاملات طائراتهم ويدمروها.

الحقيقة أن المنتج داريل زانوك في شركة "فوكس للقرن العشرين"، فعل كل ما بوسعه كي يجعل المشاهد شبه حقيقية. والدقة التاريخية للفيلم عالية جدا، حتى أنهم استعانوا بقائد الضربة الجوية جيندا كخبير فني للفيلم.

التصوير كان خطرا في أوقات عديدة، هذه الطائرة من طراز P-140 انزلقت نحو مجموعة من ممثلي الحركات الخطرة وكادت تقتلهم فعلا، خصوصا أنها محمّلة بالمتفجرات.

شاهد هذه اللقطة

تم النصر وتدمير الأسطول الأمريكي بضربة ساحقة، لكن الأدميرال ياماماتو لا يبدو متحمسا، يقول للرجال في نهاية الفيلم:
  • "لقد أثرنا غضب العملاق النائم".


شاع أنه قال هذه العبارة حتى أنها استُعملت في أفلام كثيرة بعد هذا، لكن الحقيقة هي أنه لم يقلها قط، كاتب السيناريو هو من قالها، لكن هذا كان رأي ياماماتو فعلا. وفيما بعد الحرب زار الولايات المتحدة فقال:
  • "عندما أرى آبار النفط وحقول القمح المترامية في أمريكا، أدرك أننا لم نحسن صنعا".


فيما بعد سوف يستعيد الأمريكان سيطرتهم على المحيط الهادي مع موقعة ميدواي، وهذا عنوان فيلم آخر تالٍ لهذا. في البداية لم يلقَ الفيلم نجاحا كبيرا في الولايات المتحدة، لكنه نجح في اليابان جدا، مع الوقت بدأ الجمهور يدرك قوة هذا الفيلم، وحاليا هو من كلاسّيات السينما التي لا يجادل فيها أحد. فاز الفيلم بأوسكار أفضل مؤثرات خاصة، لكنه رشح لأوسكار أفضل تصوير وأفضل إخراج فني، وأفضل مونتاج، وأفضل صوت.

استعمل فيلم "بيرل هاربور 2001" لقطات عديدة من هذا الفيلم، وعموما اعتمد على مؤثرات الكمبيوتر بغزارة ولم يكن عملا موفّقا جدا.

46. One Flew Over the Cuckoo's Nest (1975)

R | 133 min | Drama

84 Metascore

In the Fall of 1963, a Korean War veteran and criminal pleads insanity and is admitted to a mental institution, where he rallies up the scared patients against the tyrannical nurse.

Director: Milos Forman | Stars: Jack Nicholson, Louise Fletcher, Michael Berryman, Peter Brocco

Votes: 1,072,730 | Gross: $112.00M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

"أحدهم طار فوق عش الوقواق" هي الترجمة الدقيقة لعنوان هذا الفيلم الجميل، وهو عنوان مستوحى من أغنية أطفال. عرض هذا الفيلم عام 1975، وأحدث أثرا كبيرا في أعمال عدة، بحيث صار مستشفى المجانين مكانا دراميا مهما يصلح لأعمال عدة، ويمكنك أن تشم رائحة هذا الفيلم في أعمال مصرية مثل "أحلام الفتى الطائر" و"أيام الغضب"..

الفيلم من إخراج المخرج تشيكي الأصل ميلوش فورمان، الذي سنقرأ اسمه فيما بعد على أعمال عظيمة مثل "أماديوس" و"الشعر" و"الشعب ضد لاري فلينت" و"أشباح جويا".. يبدو أنه كان يتحسس خطواته الأولى في المجتمع الأمريكي في ذلك الوقت، ولم يحبّ ما رآه..

محرّك هذا الفيلم والعفريت الحقيقي الذي تفتقده في أية لحظة يغيب فيها عن الشاشة هو جاك نيكلسون. كانت هذه أول مرة يفطن فيها المشاهد المصري لهذا الممثل العبقري، وفي الحقيقة يُعتبر الفيلم مباراة أداء مذهلة بينه وبين الممثلة ليزا فلتشر، في دور رئيسة التمريض الطاغية، وقد نال كلاهما جائزة الأوسكار في ذلك العام عن جدارة.

رشح الفيلم لتسع جوائز أوسكار، وقد حصد منها خمسا هي الخمس الكبار (أفضل فيلم – أفضل إخراج – أفضل ممثل – أفضل ممثلة - أفضل سيناريو) التي لم يحصل عليها معا إلا أفلام محدودة. وقد ضمّته مكتبة الكونجرس؛ باعتباره تراثا إنسانيا مهما. القصة للأديب كين كيزي.

يدور الفيلم في مصحة عقلية لا نعرف مكانها بالضبط، لكنها على الأرجح على حدود كندا.. هناك مجموعة من المجانين الهادئين خاضعون في استسلام لسلطة الممرضة راتشيت. من ضمن المجانين سوف نعرف داني دي فيتو صغير السن جدا، وكذلك كرستوفر لويد. يمكنك منذ البداية أن تفترض أن المصحة هي المجتمع الأمريكي والممرضة راتشيت هي السلطة.

الفيلم من إخراج المخرج تشيكي الأصل ميلوش فورمان الفيلم من إخراج المخرج تشيكي الأصل ميلوش فورمان

يقدّم الفيلم راتشيت حسب القاعدة الأمريكية الشهيرة: كل من هو مهذب ويتكلم بلكنة بريطانية راقية، ويستعمل لفظة "مستر"، هو في الحقيقة إنسان قاسٍ متوحش.. بينما الشخص الوقح نوعا الذي يتكلم بلكنة أمريكية ويستعمل الشتائم، هو في الغالب رجل "جدع" ظريف. دور الممرضة رائع، وقد حرص المخرج على أن يصوّرها وهي لا تدرك ذلك أثناء جدلها معه أو احتدادها عليه.. لقطات ردود الأفعال الشرسة هذه استعملها في سياق الفيلم ذاته.

الحياة تمضي هادئة إلى أن يهبط من السماء رجل كارثة هو السجين ماكمورفي، الذي يتظاهر بأنه مجنون ليفلت من السجن. متهم بأنه أقام علاقة مع فتاة دون السن القانونية. مهرّج بالفطرة ومشاغب حتى النخاع، ضد السلطة بكل أشكالها، ويصعب إخضاعه.

عندما يتعرّف بمجموعة المجانين الموجودة معه يكتشف أنهم خاضعون تماما للممرضة. نعرف ويعرف وتعرف الممرضة أن الصدام قادم لا محالة. من ضمن المرضى هناك العملاق الهندي الأخرس برومدن الذي يناديه مكمورفي بالزعيم، ويصمم على تعليمه كرة السلة. وهناك بيلي الشاب المذعور العصابي الواقع تحت سلطة أمه.

يبدأ الصدام فعلا عندما يطالب بأن يُسمح لهم بمشاهدة مباريات الكرة العالمية في التليفزيون. ترفض الممرضة ذلك؛ لأنه إخلال بالقواعد.. يطالبها بعمل تصويت.. لكنه الوحيد الذي يرفع يده؛ لأنهم جميعا خائفون. ينجح في إقناع المجانين كلهم برفع أيديهم عندما يتم التصويت مرة أخرى، لكن الممرضة تقول في برود إن أوان التصويت قد مرّ.

يؤكد للمجانين إنه قادر على الفرار ويمكن أن يشاهد المباريات كلها في المدينة.. سوف يرفع المضخّة العملاقة التي ترشّ الماء ويحطم بها النافذة ويفرّ. يراهنهم على أنه قادر على ذلك.. يحاول.. يئنّ.. توشك عروق رقبته على الانفجار.. لكن المضخة ثقيلة جدا فلا يقدر على زحزحتها. في النهاية يستسلم، ويقول كلمته الشهيرة: ـ"على الأقل قد جربت.. أليس كذلك؟".

شاهد هذه اللقطة هنا

لكن برنامج مكمورفي لتحدي السلطة لا ينتهي هنا. إنه يفرّ من المصحة مع المجانين، ليأخذهم مع فتاة يعرفها في رحلة صيد في عرض البحر. يعلّمهم صيد السمك، لكن تنتهي الرحلة نهاية كارثية.

نتيجة شغبه المستمرّ يتم أخذه هو والعملاق الهندي للعلاج بالصدمات الكهربية، وهنا يكتشف لدهشته أن الهندي يتكلم.. لقد كان يتظاهر بالخرس طلبا للأمان..

يمر بتجربة الصدمات الكهربية القاسية، لكنها تزيده مشاغبة، شاهد العلاج بالصدمة الكهربية هنا

الآن وقد عاد مكمورفي يصمم هو والزعيم الهندي على الفرار.. إن الحدود الكندية قريبة، ويمكنهما المشي لها. لكنه يقرر أن يقيم حفلا أخيرا لرفاقه المجانين.. يقوم برشوة الحارس الليلي كي يسمح بدخول فتاتين مع زجاجات خمر.

ويبدأ حفل صاخب مع الموسيقى والرقص. يأخذ الفتى المتهيب الواقع تحت سلطة أمه فتاة إلى غرفة جانبية، لكن ما يحدث هو أن الجميع يغيبون عن الوعي.. يغيبون عن الوعي إلى أن تصل الممرضة راتشيت في الصباح لتكتشف أن مملكتها التي تديرها بصرامة قد تحوّلت إلى سيرك. الفوضى في كل مكان.. حتى مكمورفي نفسه غاب في النوم ونسي أن يفرّ! لكنها تعرف أنه المسئول بالتأكيد عما حدث..

هنا تكتشف الفتى بيلي وتعرف ما فعله. تخبره ببرود أنها ستخبر أمه بكل هذا.. الفتى مذعور ويتلعثم بقوة ويرجوها ألا تفعل.. لكنها مصممة..

شاهد هذا المشهد هنا

يفرّ الفتى إلى حجرتها ويحطم كوبا ثم يذبح نفسه به. عندما يعرف مكمورفي بهذا يفقد التحكم في أعصابه، وينقضّ على الممرضة ليخنقها.. ويوشك أن ينجح لولا أن الممرضين أنقذوها منه..

الآن تعود المصحة إلى نظامها المعهود.. الممرضة تمارس سلطتها، والفارق الوحيد أنها تضع ياقة بلاستيكية. المرضى مطيعون كالعادة.. لا أحد يعرف أين يوجد مكمورفي.. البعض يقول إنه هرب، والبعض يقول إنه في غرفة خاصة..

يصمم الزعيم الهندي على البحث عن صديقه. يتسلل للطابق العلوي فيجده في الفراش، وقد تمت حلاقة رأسه بطريقة غريبة. لقد أجروا له جراحة استئصال فصّ المخ Lobotomy لتهدئته.. والنتيجة.. هو ذا قطعة لحم راقدة في الفراش بلا أية استجابة من أي نوع.. إنه حي فقط...

هنا يصل الفيلم لذروة الدراما عندما يتخذ الهندي قراره سريعا... هو يعرف فعلا ما يريده مكمورفي.. مكمورفي الذي علّمهم الحياة والتحدي لن يقبل أن يمضي حياته كنبات. يرفع الوسادة ويكتم بها أنفاسه.. إنه يقتله لكنه في الحقيقة يحرره...

تتصاعد موسيقى جاك نيتشه الرهيبة التي تذكّرك بدقات الطبول الهندية، إذ يسرع الزعيم إلى مضخة الماء.. المضخة التي لم يستطع مكمورفي أن يزحزحها من قبل. ينتزعها من مكانها ويحملها ويهوي بها على النافذة فتتحطم.. يثب منها..

يستيقظ المجانين على الضوضاء فيتصايحون مهللين..

وفي ضوء الفجر الرهيب يركض الهندي نحو الحدود الكندية. أحدهم طار فوق عش الوقواق.. لكنه لم يكن مكمورفي.. لقد مات مكمورفي بعد ما نقل رسالة التحدي لواحد آخر......

يمكنك رؤية مشهد النهاية الرائع هنا (خذ في الاعتبار أن الصورة ضعيفة جدا في يوتيوب)

كان هذا فيلما آخر من الحافظة الزرقاء. فإلى لقاء آخر إن شاء الله.

47. Taxi Driver (1976)

R | 114 min | Crime, Drama

94 Metascore

A mentally unstable veteran works as a nighttime taxi driver in New York City, where the perceived decadence and sleaze fuels his urge for violent action.

Director: Martin Scorsese | Stars: Robert De Niro, Jodie Foster, Cybill Shepherd, Albert Brooks

Votes: 921,156 | Gross: $28.26M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

"عيال السينما المزعجون".. هذا هو المصطلح الذي أطلقه النقاد الأمريكان على هؤلاء المخرجين الشبان الذين استولوا على صناعة السينما في السبعينيات.. كلهم في سن صغيرة جدا، وكلهم يُقدّم أفلاما تبهر النقاد وتحصد شباك التذاكر حصدا؛ من ضمن العلامات الأخرى أنهم ملتحون غالبا ويلبسون قبعات بيسيبول، ويمضغون اللادن بلا توقّف.

سوف تتذكّر بعض الأسماء على الفور: ستيفن سبيلبرج، وجورج لوكاس، وفرانسيس فورد كوبولا، ومارتن سكورسيس... لقد انتهى عصر ديناصورات السينما المتحجّرة وجاء هؤلاء الشباب المزعجون، بأفكار جديدة نضرة وتقنيات جديدة، وسوف تكتشف هوليوود سريعا مع أفلام من نوع "حرب الكواكب" و"الفك المفترس" و"الأب الروحي" أن ما كانت تطلق عليه إيرادات في الماضي لم يكن سوى "طعام دجاج".. هذه هي الإيرادات الحقيقية.

أطلق النقاد على جيل مارتن سكورسيس لقب "عيال السينما المزعجون" أطلق النقاد على جيل مارتن سكورسيس لقب "عيال السينما المزعجون"

في عام 1976 قدّم مارتن سكورسيس فيلما صار من علامات السينما العالمية، وبرغم هذا لو أنك رأيت صورته في تلك الفترة لخيّل لك أنه شاب هيبي عابث لا أكثر، وقد كان اسم هذا الفيلم العلامة هو "سائق التاكسي" عن قصة بول شريدر.

فيما بعدُ ازداد نضج سكوريس وأهميته في السينما العالمية، ويكفي أن نذكر أنه صاحب: "الطيار" و"عصابات نيويورك" و"الثور الغاضب" و"الجدعان الطيبون" و"هوجو" و"جزيرة شاتر" و"كازينو"... إلخ. إنه قوة ضاربة عظمى في السينما الأمريكية، لكن يظلّ "سائق التاكسي" هو أوّل ما يرد للذهن عندما تذكر اسم الرجل.

قال سكورسيس في مهرجان كان:

  • "سائق التاكسي يتلقّى أوامر الركاب ليوصلهم حيثما يريدون، وليست عنده فرصة اختيار.. هنا سائق تاكسي قرّر أن يقود نفسه بنفسه!".


سوف يذكر الناس دائما المَشاهد الليلية في شوارع نيويورك مع نغمة الساكس الحزينة، بينما سائق التاكسي يجوب المدينة المخبولة بحثا عن رزقه.. هناك جو عام يُوحي بالأحلام أو أن هذا كله غير حقيقي.

اسمع موسيقى برنارد هيرمان النيويوركية المميزة

هذا دور لا يُنسى لروبرت دي نيرو في دور المحارب السابق في فيتنام الذي يبدأ حياته كسائق تاكسي في مانهاتن.. إنه ليس مستقرّا نفسيا بالتأكيد، بالإضافة إلى عطشه الجنسي الدائم الذي لا يرتوي بارتياد دور السينما المشبوهة، وهو يرى أقذر وأسوأ ما في المدينة؛ كأن هذا انعكاس لما رآه في فيتنام.

يقع هذا السائق في الحب أول مرة مع فتاة تُدير حملة أحد أعضاء مجلس الشيوخ الذي رشّح نفسه رئيسا للجمهورية.. إنه يقع في الحب بالطريقة الخاطئة؛ مثلا يصحب الفتاة للنزهة فيأخذها إلى أحد دور السينما إياها ليُريها عرض بورنو، بالطبع لا تتحمّل الفتاة هذا "القرف" وتغادر المكان غاضبة.

سائق التاكسي يصل إلى القاع القذر لنيويورك ويعيش فيه؛ يرى الدعارة والمخدرات، ومن الغريب أن الاشمئزاز يدفعه دفعا إلى بدء برنامج لاكتساب لياقة جسدية.. إنه ينمي عضلاته متوقّعا أن يحتاج لها في هذه المدينة الآثمة الظالمة.

نعرف ببطء أن أفكاره تدور حول الاغتيال السياسي.. يشتري سلاحا.. السلاح جزء مهم من تكوين أي أمريكي، وهو يبتاعه من شاب أنيق يحمل حقيبة كأنه مندوب مبيعات، ومكان اللقاء غرفة صغيرة في فندق يعرض فيها بضاعته.



ويركب اختراعا يجعل المسدس ينزلق من كمه، ويتدرّب مرارا أمام المرآة على أن يلعب دور الرجل القوي.. هذا هو مشهد "هل تكلمني أنا؟".

وهو من أشهر المشاهد في تاريخ السينما



هذه السياسة تؤتي أكلها عندما ينجح في قتل لص كان يسطو على متجر، ويساعده صاحب المتجر على الفرار.



من جديد تتركّز أحلامه بالطهر والخلاص في عاهرة طفلة هي "جودي فوستر" التي تعتصرها المدينة بشراسة؛ فيحاول أن يفرّ بها بعيدا أو يرسل لها مالا تعود به لأبويها وتبتعد عن هذه المهنة.

الآن قرّر سائق التاكسي أن يفعل.. لقد شاهد الكثير جدا وحان وقت الفعل، وهو يواصل التدريبات الصارمة.



يحلق شعره كالهنود الحمر ثم ينطلق ليقتل.. يحاول قتل السيناتور -رئيس الجمهورية المقبل- ويفشل، ثم يقتل القواد الذي يسيطر على الطفلة جودي فوستر، ويتلقّى طلقة في عنقه. في الواقع تحدث مجزرة كاملة يقتل فيها عددا من البلطجية وملوك العالم السفلي.. مشهد عنيف جدا، وقد وصفه الناقد الجميل رءوف توفيق في كتاب "سينما الزمن الصعب" بأنه "نوع من فصد الدم الفاسد للمدينة"، وقد أرغمت الرقابة سكورسيس على تغيير لون الدم الأحمر القاني ليصير غامقا وأقل ترويعا.

يقع سائق التاكسي في يد رجال الشرطة، وفي السجن يتلقّى رسالة من أبوي العاهرة الصغيرة يشكرانه على إنقاذ ابنتهما من القاع، وينتهي الفيلم به وقد خرج من السجن، وعاد يقود التاكسي في شوارع المدينة التعسة.



يرى بعض النقاد أن هذه النهاية السعيدة وهمية؛ على الأرجح هو مات فعلا أثناء تبادل الطلقات وما هذه إلا هلوسة الاحتضار الأخيرة.. قد يكون هذا صحيحا.

يظلّ أهم ما في الفيلم أداء الرائع روبرت دي نيرو الذي كان وجها جديدا وقتها، وطبقا لقواعد استوديو الممثّل ظلّ يمارس العمل كسائق تاكسي لمدة أسبوعين (12 ساعة يوميا) قبل بدء التصوير. كما أن الفيلم جعل اسم جودي فوستر عالقا في الأذهان، وجعلها حلما إلى درجة أن رجلا أطلق الرصاص على الرئيس الأمريكي لينال اهتمامها.

هذا شيء آخر لا ينساه الناس عن هذا الفيلم: إنه من العوامل التي جعلت الشاب "هنكلي" يطلق الرصاص على الرئيس الأمريكي رونالد ريجان عام 1981.. الحقيقة أنه كان يريد أن يُقلّد مشهدا من هذا الفيلم، ويؤثّر على جودي فوستر الممثّلة الحسناء.

شاهد محاولة الاغتيال هنا

شاهد ملخصا سريعا للقصة هنا



رُشّح الفيلم لحشد من الجوائز لكنه فاز بسعفة كان الذهبية، كما أنه احتلّ مكانه كتراث ثقافي بالغ الأهمية، وأشكر أصدقائي الذين طالبوه بإلحاح.

48. Amadeus (1984)

R | 160 min | Biography, Drama, Music

87 Metascore

The life, success and troubles of Wolfgang Amadeus Mozart, as told by Antonio Salieri, the contemporaneous composer who was deeply jealous of Mozart's talent and claimed to have murdered him.

Director: Milos Forman | Stars: F. Murray Abraham, Tom Hulce, Elizabeth Berridge, Roy Dotrice

Votes: 428,228 | Gross: $51.97M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.



مذاق هذا الفيلم الساحر لا يفارق الفم بسهولة، وفي كل مرة أرى كادرًا واحدًا منه، أدخل في غيبوبة لا أفيق منها إلا مع تترات النهاية!.. فهو مصيدة فنية حقيقية..

برغم هذا لم أسمع أن الفيلم عرض في مصر أبدًا، فلم أره إلا على شريط فيديو في التسعينيات، وكانت معلوماتي السابقة عنه مستمدة من كتابات النقاد الذين رأوه في مهرجان كان عام 1984 فلم يستطيعوا أن يصمتوا لحظة!..

إن الحقد عاطفة بسيطة سهلة.. كل إنسان يستطيع أن يحقد. وأسهل الحقد هو ما رافقه الغباء والحمق؛ اللذان يجعلانك ترى أن الآخرين عديمو الموهبة نالوا أكثر مما يستحقون..

المشكلة هي الحقد الذي ينتاب الشخص الذكي الحساس ويعذبه، فهو يعرف قدراته ويعرف قدرات خصمه جيدًا، لهذا لا يستطيع أن يعلق نجاح خصمه على شماعة الحظ أو غباء الجماهير..

كانت هذه مشكلة سالييري موسيقار الملك. إنه ذكي جدًا وحساس وعاشق للموسيقى لكنه لم يملك القدرة على إبداعها. لهذا عندما قابل الفتى الطائش موتسارت لم يستطع إلا أن يعترف لنفسه بأن الفتى عظيم الموهبة وموسيقاه أسطورية، ولهذا عاشت روحه في جحيم أبدي.

عن مسرحية شهيرة لبيتر شيفر وإخراج ميلوش فورمان جاءت هذه القطعة من الفن الرفيع.. ميلوش فورمان مخرج من أصل تشيكي، هاجر إلى الولايات المتحدة وقدم مجموعة من الروائع؛ قابلنا منها هنا "أحدهم طار فوق عش الوقواق". التصوير كان للمصور ميروسلاف أندرتشك، وقد تميز بحساسية شديدة خاصة في نقل جو الشمعدانات والشموع.

القصة حقيقية تقريبًا مع الكثير من الخيال الذي لابد منه، وهي تحكي الصراع الخفي بين سالييري موسيقار الملك وموتسارت في بلاط ملك النمسا.

يبدأ الفيلم بسالييري، الشيخ مريض الاكتئاب الذي يحاول الانتحار بقطع عنقه. قام بدور سالييري -في أداء مذهل نال جائزة الأوسكار- الممثل ذو الأصل السوري (ف. موراي أبراهام)، الذي يكتبون اسمه أحيانًا (فريد مرعي إبراهيم).

فورمان مخرج من أصل تشيكي قدم مجموعة من الروائع فورمان مخرج من أصل تشيكي قدم مجموعة من الروائع

إن سالييري هو موسيقار الملك.. وهو من أصل إيطالي، وهو مصرّ على أنه هو من قتل موتسارت الموسيقار العظيم. يُنقل إلى المصحة العقلية ويأتي إليه قس شاب ليأخذ اعترافاته.

يعزف سالييري على البيانو مقطوعة صغيرة ويسأل القس عن مؤلفها.. لا يعرف القس؛ فيعلن سالييري أنه هو مؤلف هذه المقطوعة. ثم يعزف مقطوعة أخرى يعرفها القس على الفور، ويهنئ الشيخ على موهبته العظيمة، لكن سالييري يخبره أن موتسارت هو مؤلف هذه المقطوعة.. هكذا يوضح الفيلم عقدته وقضيته من اللحظة الأولى.. موسيقى سالييرى قد نُسيت وتلاشت بينما ظلت موسيقى موتسارت خالدة.. والفيلم كله بعد هذا فلاش باك طويل لحياة سالييري وشبابه كما يحكي للقس.



شاهد مشهد القس هنا

منذ طفولته كان سالييري يعشق الموسيقى ويتمنى أن يصير موسيقيًا عظيمًا.. لقد منح حياته كلها للموسيقى. في النهاية استقر به المطاف في البلاط النمساوي في فيينا، وصار موسيقار الملك. ملك النمسا كان يعشق الموسيقى برغم أنه لا يملك أذنًا موسيقية على الإطلاق. لكن سالييري أحب الحياة وأحب نفسه، وعاهد الله ألا يتزوج ليكرس حياته كلها للموسيقى..

هنا يهبط عليه موتسارت من سماء صافية.. أقرب إلى مراهق غرير كثير العبث يلبس كالمهرج، وله ضحكة رفيعة صاخبة مزعجة.. هذا الدور أداه ببراعة توم هولسي، وهو ممثل حُرم جائزة الأوسكار مظلومًا بالتأكيد. يقولون إنه اعتمد في الأداء على شخصية لاعب التنس المتقلب ماكنرو. موتسارت في طريقه إلى الزواج من فتاة شعبية باسلة تفهمه تمامًا. سرعان ما يكتشف سالييري أن الفتى يملك موهبة غير عادية برغم أنه مخلوق عجيب..



شاهد انبهار سالييري هنا

عندما يُدعى موتسارت إلى لقاء الملك، فإنه يقضي الوقت في انتقاء جملة مناسبة. بينما يقوم سالييري بكتابة مقطوعة صغيرة للترحيب به. هنا ندرك أن المحيطين بالملك فريقان: فريق الموسيقيين الإيطاليين ومنهم سالييري، وفريق النمساويين الذين يتحمسون لموتسارت بالطبع. يستقبل موتسارت مقطوعة الترحيب بلا مبالاة واضحة، بل إنه يُدخل عليها تعديلات فورية ليجعلها أجمل (أمام غيظ سالييري وحرجه).



شاهد هذا المشهد الممتع هنا

مع الوقت يتزايد نفوذ موتسارت.. يُسمح له بأن يقدم أوبرا كاملة، ويكتشف سالييري أنه خطف منه حبيبته مغنية الأوبرا كذلك.. إن موتسارت يمثل فرصة ممتازة ليكون هناك موسيقار نمساوي يقدم أوبرا بالألمانية، بعدما سيطر الإيطاليون على كل شيء.



وهكذا يقدم أول أوبرا له بالألمانية

إن الصراع النفسي المعقد لدى سالييري ينبع من تديُّنه الشديد، مما يجعله لا يفهم لماذا اختص الله موتسارت الطائش بكل هذه الموهبة، بينما حُرم هو منها.. هكذا يتزعزع إيمانه الكاثوليكي مع الوقت. يلعب سالييري لعبة خطرة مع موتسارت، إذ يعرقل معظم مشاريعه سرًا، وإن كان يتظاهر في الوقت نفسه بأنه أقرب صديق له.

يتقرب لزوجته (في الجزء الذي تم حذفه من الفيلم يغرر بها فعلاً)، وهكذا تجلب له بعض مخطوطات موتسارت الأصلية.. يكتشف سالييري في هلع أن هذه المخطوطات هي الصيغة الأولى (Draft) للألحان التي يؤلفها موتسارت. أي أنه لا يتكلف جهدًا في كتابة الموسيقى.. إنه مجرد يد تكتب الألحان التي تُملى عليها إملاء من السماء!..



شاهد هذا المشهد هنا

هنا ينتهي الأمر بالنسبة إليه.. لقد قرر أن يعلن الحرب على موتسارت وأن يدمره تدميرًا.

يتسلل لدار موتسارت مرارًا بعد ما قام برشوة خادمة تعمل هناك، ويتفحص كل شيء هناك؛ كالمنضدة التي يكتب الموسيقى عليها وريشة الحبر.. و.. علاقة معقدة جدًا هي مزيج من الكراهية والعشق المفتون. يدرك أن موتسارت ينزلق إلى ضائقة مالية بسبب إفراطه في اللهو.. يدرك كذلك علاقة موتسارت المعقدة مع أبيه الطاغية الذي توفي.. هكذا يلعب مع موتسارت لعبة نفسية خطرة إذ يلبس مثل أبيه ويضع قناعًا مخيفًا ويتظاهر بأنه ثري يريد من موتسارت لحنًا جنائزيًا.. يعرف سالييري أنه سيسرق لحن موتسارت هذا وسوف يقدمه للناس يوم وفاة الأخير..

الضغوط كثيرة على الفتى، بين الضائقة المالية ومطالب الأسرة والإفراط في الشراب، والحرب الخفية من سالييري ضده، وما يشعر بأنه شبح أبيه العائد.. ثم تأتي الطامة الكبرى عندما تغضب زوجته وتترك البيت مع طفلها..

الآن ينزلق الفتى إلى عالم مريع من الإرهاق والمرض والجوع والعربدة..

الملاك الذي يسدي له العون هو سالييري، الذي يقنعه بأن يستكمل القداس الجنائزي وهو سيساعده بالتدوين. هكذا يرقد موتسارت في الفراش لا يرى تقريبا ويبدأ التأليف، بينما يدون سالييري ما يقول.. وبالطبع لا يرحمه ولا يتركه ليرتاح. هذا أروع مشاهد الفيلم وأروع لحظات سالييري، لأنه رأى عن قرب من أين يأتي موتسارت بموسيقاه وكيف تتحقق المعجزة.. بينما موتسارت لا يعرف أنه يكتب اللحن الجنائزي الخاص به! حركات موتسارت وإيماءاته ودندنته تخلق أوركسترا كاملة، واللحن يتداخل مع سباق عربة الزوجة في الظلام وهي عائدة لزوجها، مع ذهول ساليييري وهو يفهم المعجزة ببطء..



شاهد هذه اللقطة هنا

عند شروق الشمس تكون الزوجة الغاضبة قد عادت إلى الدار لتجد سالييري.. تطرده من الدار طردًا، ثم تكتشف أن إرهاق الليلة الماضية قد قتل زوجها العبقري.. لقد انتهى لحن القداس لكنه لم يكتمل.. ونفذ سالييري جريمة القتل التي لا يمكن أن تدينه بها..

نعود لسالييري الذي ما زال يحكي قصته للقس في المصحة العقلية. لقد عاش طويلاً بعد موتسارت وهكذا استمتع برؤية الناس ينسون موسيقاه -موسيقى سالييري- وينسون من هو، بينما ظل موتسارت حيًا. ويصيح سالييري وهو على مقعده معلنًا أنه ملك محدودي الموهبة.. تعالوا إليّ!.. ونسمع ضحكة موتسارت الماجنة الرفيعة تدوي.. فهو ما زال يسخر من سالييري!

انتهى هذا الفيلم الذي يصعب نسيانه..

تاريخيًا هناك اختلافات عديدة عن الواقع، منها أن سالييري لم يقتل موتسارت ولم يكن هو نفسه موسيقيًا سيئًا.. بالطبع هناك هواة لحصر هذه الاختلافات لكنها لا تفسد متعة الفيلم.

رُشح الفيلم لإحدى عشرة جائزة أوسكار حصد منها ثماني بجدارة. كما حصد أربعًا من جوائز الكرة الذهبية.



هذا الفيديو طريف فعلاً، وهو يريك بعض الأخطاء في فيلم أماديوس



كان هذا فيلمًا آخر من أفلام الحافظة الزرقاء.

49. 12 Angry Men (1957)

Approved | 96 min | Crime, Drama

97 Metascore

The jury in a New York City murder trial is frustrated by a single member whose skeptical caution forces them to more carefully consider the evidence before jumping to a hasty verdict.

Director: Sidney Lumet | Stars: Henry Fonda, Lee J. Cobb, Martin Balsam, John Fiedler

Votes: 865,567 | Gross: $4.36M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

هناك نسختان من هذا الفيلم الرائع: نسخة عام 1957 ونسخة عام 1997. لم أر النسخة الأخيرة وإن كنت أميل إلى أنها جيدة بدورها؛ لأن مخرجها هو ويليام فريدكين صاحب (طارد الأرواح الشريرة)، وهو لن يضع اسمه على أي عمل غير متقن.

النسخة الأولى رأيتها في برنامج نادي السينما منذ أعوام طويلة، وقد انبهرت بقدرة المخرج على أن يصنع فيلما شائقا مثيرا، بينما هو حبيس مكان واحد خانق حار. فيما بعد رأيت فيلما يدور في ذات الجو الخانق هو "يرث الرياح" أو "ميراث الرياح" لستانلي كرامر، الذي يدور في قاعة محاكمة في الجنوب الأمريكي في يوم رطب شديد القيظ. كلا العملين الرائعين أخذ عن مسرحية.. لكن براعة المخرج تجعلك تنسى هذا تماما.

مسرحية "12 رجلا غاضبا" مسرحية تليفزيونية كتبها ريجنالد روز، ولها شعبية كبيرة عند شباب المسرحيين، وقد تلقّيت مؤخرا دعوة لحضور عرض مسرحي لها في المنصورة من إعداد صديقي أحمد صبري غباشي، لكن لم أتمكّن من الحضور، واكتفيت بأن اقترحت عليه أن يقدّم مسرحية "يرث الرياح" كذلك.

كما قلنا في الأسبوع الماضي، أخرج الفيلم سيدني لوميت الذي قابلناه مع فيلم "بعد ظهر يوم حار".

هنري فوندا يتوسط طاقم الممثلين المميز هنري فوندا يتوسط طاقم الممثلين المميز

البطل الحقيقي للفيلم هو الحوار، وهو طاقم الممثلين الممتاز وعلى قمتهم هنري فوندا. إن الفيلم مباراة أداء رائعة بين أسماء عالية الاحترافية؛ مثل هنري فوندا ومارتين بالسام ولي جي كوب وجاك كلوجمان. الطريف أن الاثني عشر رجلا غاضبا ماتوا جميعا في عالم الواقع باستثناء كلوجمان.

لا تعتمد مصر في المحاكمات على نظام المحلّفين، لكنه النظام المطبّق في الولايات المتحدة. هنا يتم اختيار 12 مواطنا حسن السمعة (بموافقة الادّعاء والدفاع معا) ويكون على هؤلاء المحلّفين أن ينعزلوا تماما عن قراءة الصحف وسماع الأخبار حتى لا يتأثر قرارهم. فقط يتابعون المحاكمة، وفي النهاية يجتمعون ليصلوا لقرار واحد.. هل المتهم مذنب أم لا.. لو اتضح أن المتهم مذنب يكون على القاضي اختيار العقوبة.

هذا بالضبط هو الموقف الذي يدور حوله الفيلم.. المحلفون مجتمعون في غرفتهم يحاولون الوصول لقرار.. هل الفتى المتهم قد قتل أباه أم لا؟ سوف ينتج عن هذا القرار حكم بالإعدام. ونحن لا نعرف أسماء المحلفين ولا اسم الفتى المتهم طيلة الفيلم، فقط نعرف اسمين في نهاية الفيلم؛ فالموقف أكثر عمومية من التقيد بأسماء.

المشكلة هنا هي أنه لا يوجد إجماع.. أحد عشر صوتا يدين الفتى بينما هنري فوندا -المحلّف رقم 8- يصر على أنه بريء.. إنه يشك في شهادة الشهود الذين قالوا إن المدية المستعملة في الجريمة نادرة الطراز، ويرى الكثير من النقاط المبهمة في الشهادات.



شاهد المشهد الذي يخرج فيه هنري فوندا من جيبه مدية مماثلة للمدية "نادرة الطراز"

يعاد التصويت مع انسحاب هنري فوندا منه، فيتبين أن محلفا آخر انضمّ لرأيه.

هكذا تهتزّ الأرض نوعا تحت أقدام المحلفين الواثقين من قرارهم.. محلف ثالث بدأ يرى أن المتهم غير مذنب..

هناك جدل حول امرأة من الشهود تبدو علامات النظارة على أنفها، وبرغم هذا لم تكن تضع النظارة وقت الحادث.. فكيف رأت ما حدث بوضوح؟



شاهد جوزيف سويني يناقش هذه النقطة هنا

إننا نعرف أكثر فأكثر شخصيات الجالسين.. منهم من يصرّ بعناد وغرور على رأيه، ومنهم من يلين؛ لأنه يتعاطف مع الفتى لأسباب شخصية، أو لأنه نشأ في الأزقة مثله. ومع الوقت يتزايد عدد من يرون أن الفتى غير مذنب. اللعبة هنا هي كيف يتم هذا، وكيف يتناقص عدد من يرون أن الفتى مذنب. مع الوقت يدرك الجالسون أنهم يأخذون الأمر بخفّة أكثر من اللازم مع أنه يتعلق بحياة شاب.. شاب لم يرتكب الجريمة على الأرجح.



شاهد جزءا من الجدل هنا

مع الوقت لا يبقى سوى 3 ممن يصرّون على رأيهم. وندرك أن هناك أسبابا تتعلق بشخصية ونفسية كل منهم، مثلا من خاض منهم صراعا مع ابنه يحمل حقدا خفيا نحو الفتى المتهم بقتل أبيه؛ لأنه يرى نفسه في صورة هذا الأب. نحن نعرف أن الزوجة التي أساء زوجها معاملتها مثلا يسهل أن تدين أي زوج قتل زوجته، أو تبرئ أية زوجة فعلت العكس.

يزداد عدد المؤيدين لبراءة الفتى، وفي النهاية تنقلب الصورة تماما ويخرج القرار: الفتى ليس مذنبا.

تبدو الحبكة بسيطة.. لكن اللعبة الحقيقية الصعبة هي الطريقة التي تتغير بها الآراء، والصراع الذهني المستمر.. وإن كنت شخصيا أرى بعض التعسف أو الافتعال في بعض المواقف.. الناس لا تغير آراءها بهذه السهولة في الواقع..

أنتج الفيلم هنري فوندا نفسه، وهي تجربته الوحيدة مع الإنتاج السينمائي على كل حال. المصوّر كاوفمان استخدم تقنيات متقدمة وعدسات خاصة؛ ليوحي بالجو المغلق الخانق والعرق على الوجوه. سبقت التصوير بروفات مرهقة وطويلة جدا في ذات المكان، لهذا لم يستغرق التصوير نفسه وقتا طويلا.

يظهر الفيلم دائما في أية قائمة لأفضل الأفلام في التاريخ. وهو الأفضل في قائمة أفلام قاعة المحاكمة. لم يحقق الفيلم نجاحا تجاريا وإن فاز بانبهار النقاد.. كما أن عرضه في نفس العام مع "جسر على نهر كواي" تحفة ديفيد لين أدى إلى حرمانه من جوائز أوسكار كان يستحقها بشدة. وكان عليه أن ينتظر طويلا حتى يدرك الجمهور أي فيلم رائع هو.

كان هذا فيلما آخر من أفلام الحافظة الزرقاء،،،

50. The Godfather (1972)

R | 175 min | Crime, Drama

100 Metascore

The aging patriarch of an organized crime dynasty transfers control of his clandestine empire to his reluctant son.

Director: Francis Ford Coppola | Stars: Marlon Brando, Al Pacino, James Caan, Diane Keaton

Votes: 2,013,496 | Gross: $134.97M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

يستطيع المخرج العالمي العظيم فرانسيس فوردكوبولا ذو الأصل الإيطالي، أن يفتخر دوما بأنه قدّم فيلمين يتنافسان على صدارة قائمة أعظم أفلام في التاريخ؛ وهما "الأب الروحي - 1972" و"سفر الرؤية الآن - 1979"، والفيلمان معروفان ويتنافسان على المركز الأول دائما مع "خلاص شوشانك" و"المواطن كين".

فيلم الأب الروحي مهم جدا ومتشابك بالرموز ولم يفقد شيئا من سحره بعد هذه الأعوام.. ولسوف تجده في معظم الكتب المعنيّة بتحليل السينما.. هنا سوف تجد نفسك واحدا من أفراد عصابات المافيا تُواجه مشكلاتهم وتقلقك همومهم، ولسوف تكتشف أن هذا المجتمع العصابي تحكمه قيم وتقاليد، ويُعطي أهمية عظمى للترابط الأسري، وعندما ينتهي الفيلم لن تستردّ حريتك أبدا.. لقد تغيّر جزء من ثقافتك للأبد ليحمل لمسة من عوالم المافيا. ربما يجد البعض هذا ظاهرة سلبية، لكنك في النهاية توسّع نظرتك للعالم أكثر.

ربما سمعت عبارة "عرضٌ لا تستطيع رفضه" أو سمعت اللحن الشهير المميّز للفيلم.. المهم أن كل واحد في عالمنا يحمل بصمة من هذا الفيلم، وبرغم هذا كان كوبولا صغير السن جدا عندما عهدت له بارامونت بإخراج هذا العمل الجبّار، ولم تكُن له تجارب مهمة سوى فيلم "المحادثة" (تكلّمنا عنه من قبل في هذا الباب)، ولعل كوبولا أوّل واحد يصل للنجاح من جيل العيال الشهير في السينما الأمريكية.. العيال المزعجين -من أمثال سكورسيس وسبيلبرج- الذين غيّروا خارطة السينما للأبد.

اعتمد الفيلم على رواية بنفس الاسم للأديب إيطالي الأصل "ماريو بوتسو"، وهو يعرف المافيا جيّدا، بل يبدو كأنه (دون) من زعمائها بشكله الفخم المميز.

كوبلا قدّم فيلمين يتنافسان على قمة أعظم الأفلام في العالم كوبلا قدّم فيلمين يتنافسان على قمة أعظم الأفلام في العالم

هناك مَن يعتبرون أفضل الأجزاء هو الثاني، وإن كنت عن نفسي أفضّل الأول، لكن هناك شِبه إجماع على أن الجزء الثالث هو أضعف الأجزاء الثلاثة.

يبدأ الفيلم بمشهد افتتاحي ضخم هو زفاف ابنة الدون كورليوني (مارلون براندو).. هنا تقريبا يقدّم لنا الفيلم كل الممثلين وكل اللاعبين ونفهم كل العلاقات، عن طريق القطع بين حفل الزفاف نفسه، وبين الدون الذي ينسحب من وقت لآخر لغرفة المكتب ليُجري مقابلة سريعة.

نعرف مساعديه ونعرف محاميه الأريب "روبرت دوفال"، ونعرف أنه يُدير شبكة قمار عبر الولايات المتحدة كلها.. ذراعه اليمنى هو ابنه المندفع "جيمس كان"، وله ابن آخر ضعيف الشخصية متخاذل "جون كازال"، وهناك ابن مهذّب يريد له أن يظلّ بعيدا عن القاذورات هو "آل باتشينو"، وهو يبدو كالفتيات الرقيقات فعلا في هذا الجو، وكما يُردّد لحبيبته التي تجلس معه في الزفاف: هذه أسرتي.. ليس أنا..

نحن لا نعرف خلفية "الأب الروحي" جيّدا.. نعرف فقط أنه قوي جدا، وأنه يتمتّع بجانب إنساني لا بأس به.. وفي الجزء الثاني نعرف خلفيات فراره من صقلية إلى الولايات المتحدة ونشأته في الأحياء الفقيرة، وكيف تعلم أن يصير مجرما.. إلخ... لكن ليس في هذا الجزء.

التفاصيل الصغيرة والأداء المذهل من الممثلين هو ما يصنع قوة هذا الفيلم المدهش، وفي المشهد الافتتاحي نعرف جزءا من قواعد هذا المجتمع المتشابك... إنني أقدّم لك خدمة مقابل أن تظهر الاحترام لي، وتُؤدّي لي خدمة في وقت ما، لا أعرف متى ولا أين.. وهكذا نعرف مشكلة الحانوتي الذي تبنّى فتاة صغيرة ثم هاجمها وغدان حاولا اغتصابها وكسرا فكّها.. إنه يريد الانتقام. يرفض "الأب الروحي" في البداية لأن الحانوتي لم يأتِ له من قبل ولم يعرض صداقته عليه، ثم يُوافق على تلقين الوغدين درسا على أن يظلّ الحانوتي مدينا له بخدمة واحدة لا يعرف ما هي بعد.. فيما بعد سوف نعرف أن هذه الخدمة المشئومة هي أن يجمّل جثمان ابنه حتى لا تراه أمه ممزقا.

شاهد المشهد الافتتاحي مع الحانوتي



هنا سخرية واضحة.. الحانوتي يحبّ المجتمع الأمريكي بينما لا نرى من هذا المجتمع سوى عالم العصابات ورجال الشرطة الفاسدين.. وكما قيل عن الفيلم إنه يظهر "دمار الحلم الأمريكي".

هكذا تتواصل التفاصيل الصغيرة وتتدفّق المعلومات أثناء حفل الزفاف، لكن الجو حميم جدا فلا يخطر ببالك أبدا أن هذه عصابات.. مجرد أسرة إيطالية ظريفة في زفاف، وفيما بعد استنسخ المخرج مايكل شيمينو هذا المشهد تقريبا في فيلم "صائد الغزال"، لكنه جعل الأسرة روسية.

شاهد لقطات من حفل الزفاف الإيطالي المليء بالحيوية

وفي هذا الحفل سوف نقابل الممثّل الذي بدأ نجمه يخبو، والذي يريد أن يُساعده دون كورليوني على أن ينال دورا في فيلم جديد.. هنا نعرف جانبا من أساليب كورليوني؛ فهو يُرسل المحامي الملاكي الخاص به إلى منتج الفيلم ينصحه بأن يعطي الدور لهذا الممثل، ونعرف لأول مرة تعبير "عرض لا يمكن رفضه".. هذا تهديد خفي باستعمال العنف، وبالفعل يرفض المنتج فتكون النتيجة أنه يصحو في فراشه ليجد رأس حصانه الجميل المفضّل غارقا في الدم تحت الملاءات..

"عرض لا تستطيع رفضه" تعبير اقتحم الثقافة الشعبية منذ قدم فيلم "الأب الروحي"

في نفس الحفل نقابل مشكلة الفيلم الحقيقية.. التركي.. تاجر المخدرات الذي يحلم بأن يبيع الهيروين في الولايات المتحدة مقابل أن يمنحه دون كورليوني نفوذه. يرفض دون كورليوني هذا؛ لأنه يجدها لعبة خطرة جدا و"غير أخلاقية". حسب منطقه فالقمار خطيئة بسيطة يفرج بها الرجل العادي عن نفسه، لكن المخدرات تدمير كامل للمجتمع الأمريكي.

هكذا يُعلن التركي الحرب بالاستعانة بالأسرة المنافسة "تاتاليا".. وهذا هو موضوع الفيلم الذي أعتقد أن الجميع يعرفونه فلن أحكيه.. دعك من أن الفيلم يُعرض في التليفزيون كثيرا جدا فلا تفوت فرصة مشاهدته. هذا الصراع هو الذي سيُؤدي بالابن الوديع آل باتشينو إلى أن يصير من زعماء المافيا، ولسوف يقتل التركي مع مدير البوليس في مشهد رهيب، وبهذا يتمّ تجهيزه بالدم ليصير الأب الروحي الثاني



وهكذا تضطرّ الأسرة إلى تهريب آل باتشينو إلى صقلية -مسقط رأس الأسرة- بضعة أشهر، وهنا يأتي أكثر أجزاء الفيلم عذوبة، مع موسيقى الرعاة في صقلية التي صنع منها الملحن العالمي نينو روتا لحنا لا يمكن نسيانه، وهو الذي أضاف له المطرب أندي ويليامز كلماته لتصير أغنية "تكلّمي بنعومة يا حبيبتي" الشهيرة جدا..

هناك مَشاهد لا يمكن نسيانها أبدا؛ مثل مشهد مقتل الابن سوني (جيمس كان)، وهو مقتبس من مشهد موت بوني وكلايد في الفيلم الشهير، والأب يحمل جثمانه إلى الحانوتي الذي قابلناه في أول الفيلم.. الخدمة التي حان وقتها هو أن يجعل الجثة التي مزّقها الرصاص قابلة لأن تراها الأم.. وهنا إضاءة مقبضة قادمة من أعلى تميّز بها الفيلم كله، وأبدع فيها المصور ألبرت رودي، مع أداء مذهل من براندو؛ خاصة وهو يقول:

  • "هل رأيت كيف مزّقوا ولدي؟"


هناك كذلك التحوّل المذهل في شخصية آل باتشينو من فتى مهذب خجول أقرب للفتيات، إلى تلك الشخصية المخيفة التي تستطيع القتل بمجرد النظرات.. إن الممثل المرعب في آل باتشينو ظهر بوضوح، لكنه كان محاطا بعمالقة تمثيل من وزن براندو وروبرت دوفال لذا كان عليه أن ينتظر فيلم "بعد ظهر حار" حتى يتألّق كالنجم وحده.

هناك كذلك مشهد شهير جدا في عالم المونتاج "مونتاج ويليام رينولدز" يستخدم لتدريس المونتاج المتوازي في كل مكان، ولسوف تجده في كل كتاب سينمائي.. مشاهد تعميد ابن آل باتشينو في الكنيسة تتداخل مع مشاهد قتل باتشينو لكل خصومه.. هذا نوع آخر من التعميد يجعله الأب الروحي للمافيا هذه المرة.

هناك رسائل خفية في الفيلم؛ مثلا لا بد من أن يظهر البرتقال قبل أي مجزرة أو مذبحة.. البرتقال ثم الدم.. هذه هي القاعدة.

كان أداء مارلون براندو رائعا؛ خاصة مع الماكياج الذي جعله أكبر سنا مع انتفاخ ودجيه، ونبرة الصوت المبحوحة لأن الشخصية أصيبت برصاصة في الحنجرة في الماضي. وقد انبهر كثير من رجال المافيا الحقيقيين بالأداء لدرجة أن بعضهم افتعل لنفسه طريقة الكلام ذاتها، لكن براندو لم يقبل جائزة الأوسكار، على سبيل الاحتجاج بسبب تصوير السينما الأمريكية الظالم للهنود الأمريكيين كما قال.

نال الفيلم أوسكار أفضل فيلم وأفضل ممثّل وأفضل سيناريو، وكان من المتوقّع أن ينال أوسكار أفضل موسيقى، لكن تبيّن أن نينو روتا استعمل اللحن ذاته في فيلم سابق، وهكذا تمّ حذف الترشيح وإن نال جائزة الكرة الذهبية.

إن الفيلم يحتاج لعدة مقالات للكلام عنه، وفي كل مشاهدة تكتشف نقاطا رائعة لم تلحظها أول مرة.. ولنا لقاء جديد مع الحافظة الزرقاء إن عشنا.

51. A Clockwork Orange (1971)

R | 136 min | Crime, Sci-Fi

77 Metascore

In the future, a sadistic gang leader is imprisoned and volunteers for a conduct-aversion experiment, but it doesn't go as planned.

Director: Stanley Kubrick | Stars: Malcolm McDowell, Patrick Magee, Michael Bates, Warren Clarke

Votes: 881,570 | Gross: $6.21M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

منذ بدأت تحرير هذا الباب وأنا أنهي كل مقال بأن أنصح القارئ بمشاهدة الفيلم بلا تردد، غير أن الأمر يختلف هذه المرة.. سأقوم بعرض الفيلم لأهميته ولأنه من إخراج سيد السينما كوبريك، لكن لا أنصح أحدًا بمشاهدته على الإطلاق. الفيلم يحتوي كمية هائلة من الجنس والعنف، وفي الوقت نفسه يطرح قضية أخلاقية مهمة ومراوغة، وفيه الكثير من الفن الخالص، لهذا يصعب أن نتجاهل الكلام عنه.. على كل حال كل المشاهد هنا من يوتيوب وهو موقع متحفظ ومراقب جيدًا.

كل فيلم جديد للعبقري ستانلي كوبريك كان حدثًا ثقافيًا مهمًا، وبالطبع ليس الاسم جديدًا عليك.. إنه صاحب أفلام "2001 أوديسا الفضاء" و"سبارتاكوس" و"إشراق" و"لوليتا" و"د. سترانجلاف" و"عينان مغلقتان باتساع" و"خزانة مليئة بالطلقات" و...... "البرتقالة الميكانيكية"..

هذا العنوان الغريب "البرتقالة الميكانيكية" يعني الإنسان عندما يتم إخضاعه للنظم الصارمة.. يصير برتقالة بقلب ساعة.. تعمل بدقة لكن لا قيمة لها على الإطلاق ولا يشتهيها أحد.

في العام 1962 كتب أنطوني بيرجس روايته الشهيرة "البرتقالة الميكانيكية" أو "برتقالة بقلب ساعة" التي تحوّلت فيما بعد إلى هذا الفيلم، وقد ظل ممنوعًا من العرض أعوامًا طويلة في عدة بلدان غربية "حتى الحرية هناك لها سقف مهما زعم الزاعمون".. الفكرة أن عرض الفيلم تزامن مع جرائم تشبه ما يحدث فيه، وهذا عزّز الاعتقاد بأنه يفسد الشباب فعلاً.. هذا أول فيلم يمنع عرضه 27 عامًا، والحقيقة أن كوبريك نفسه هو الذي سحبه من السوق.

تتحدث القصة عن مستقبل كابوسي آت حتمًا تحكم البلاد فيه سلطة شمولية لا تهتم كثيرًا بأمن الشوارع قدر ما تهتم بالأمن السياسي، من ثم تصير الشوارع مملكة عصابات الشباب التي تجوبها بحرية كاملة تضرب المسنين وتغتصب النساء وتسرق المتاجر، بينما يغلق الكبار أبوابهم على أنفسهم خائفين ويتظاهرون بأن كل شيء على ما يرام.

كل فيلم جديد للعبقري ستانلي كوبريك كان حدثًا ثقافيًا مهمًا كل فيلم جديد للعبقري ستانلي كوبريك كان حدثًا ثقافيًا مهمًا

للشباب لغة خاصة ذات جذور عدة من الكوكني ولغة الغجر واللغة الروسية، وتسمى باسم "النادسات". النت مليئة بقواميس النادسات ويمكنك البحث عن مفرداتها على غرار:

دفوتشكا = فتاة فيدي = انظر هورورشو = ممتاز دروج = شلة لماذا نجد هذه اللمسات السوفيتية؟ هل يريد المؤلف أن يلمح أن السوفييت هم الذين ربحوا وسيطروا على العالم؟ شاهد المشهد الافتتاحي هنا، حيث يجلس أليكس مع أصدقائه بالثياب المميزة في بار اللبن، حيث يشربون اللبن الممزوج بالفودكا ثم يخرجون وقد اشتعل الدم في عروقهم، وصاروا راغبين في بعض العنف الزائد Ultra Violence..



أليكس بطل القصة -الذي يقوم مالكولم ماكدويل بدوره في أداء مذهل- شاب لندني من هذه العصابات مهمته في كل ليلة أن يجوب الشوارع مع عصابته ينشر الرعب، ويضرب المتسولين بلا رحمة.



ويقوم بسباقات ليلية بالسيارة، ويغتصب أية فتاة يقابلها "من أجل بعض المرح".. نعرف أن أليكس يعيش مع أبويه اللذين لا يعرفان عنه الكثير، وهو يعيش في عالم غريب من خيالات السادية الجنسية وموسيقى بيتهوفن أو "لودفيج فان العجوز" كما يطلق عليه.. الحقيقة أن بيتهوفن بطل أصيل من أبطال الفيلم.

يتورّط أليكس في عملية هجوم على بيت مؤلف، ويقوم مع رفاقه بالتناوب على اغتصاب زوجة الرجل أمام عينيه "من أجل بعض المرح".. وهنا يغني أليكس "أنا أغني تحت المطر" وهي أغنية جين كيلي رائعة الجمال، لكنه يشوهها باستعمالها مع كل هذا العنف..

هذا المشهد هنا مع حذف ما يلزم

فيما بعد سوف يقوم شباب بريطاني في عالم الواقع بجريمة اغتصاب وهم يغنّون "أنا أغني تحت المطر"، مما سيقنع المحكمة ورجال الشرطة بأن الفيلم مدمر.. وهذا سوف يجعل كوبريك يسحب الفيلم بنفسه برغم عدم اقتناعه بأنه السبب.

أليكس في حرب مستمرة للسيطرة على رفاقه وفرض الزعامة، وهذا يدفعه إلى الضرب أحيانًا وهذا يولد أحقادًا دائمة عندهم.. يتورط أليكس بعد هذا في جريمة قتل لامرأة تعيش وحدها.. ويقع في يد رجال الشرطة بينما يفر أصحابه ليورطوه وحده.



هذا يدفع به إلى السجن، وهناك يقضي الوقت في قراءة قصص المذابح والاغتصاب في التوراة، شاعرًا بأنها كانت أيامًا مجيدة.. كان عليه أن يوجد في تلك العصور!

الحكومة -لأغراض سياسية- تتبنى علاجًا خاصًا لحالات العنف لدى الشباب تطبق فيه نظام التغذية الرجعية السلبية. يهدف هذا العلاج إلى إحداث ارتباط شرطي بين العنف والقيء.. هكذا يختارون أليكس باعتباره نموذجًا فريدًا لفقدان التحكم في شهوتي الجنس والعنف.. يرغمونه لعدة أيام على مشاهدة أفلام عنف وأفلامًا جنسية بلا انقطاع وهو مقيّد في مقعده، مع تثبيت جفني عينيه حتى لا يغمضهما، مع حُقَن تسبب له الغثيان والدوار.. هذا هو ما يطلقون عليه علاج لودفيكو. في هذا الكليب الساخر يتصوّر صانعه أن أفلام العنف التي يراها أليكس هي لقطات من فيلم "المحوّلون".



النتيجة هي أن أليكس يتحوّل إلى كتكوت وديع لا يتحمّل أي نوع من العنف، ولدرجة لعق حذاء من يهينه أو يضربه.. يخرج للعالم الخارجي على أساس أن الحكومة نجحت في شفائه، لكنه يكتشف أنه لا مكان له في هذا العالم على الإطلاق.. زملاؤه البلطجية قامت الحكومة بتعيينهم رجال شرطة، وهم لم يتوقفوا عن نفس الدور القديم.



وحتى الكاتب الذي اغتصب أليكس زوجته وجده وجنّ جنونه وكاد يفتك به.



لقد وقع في الشرك بين حبائل لعبة سياسية قذرة وحكومة تتظاهر بأنها حلّت مشكلة الشباب، وبين ضحاياه السابقين الذين لا يصدّقون أنه تغيّر.. إنه برتقالة ميكانيكية تبدو طبيعية من الخارج لكنها مكبّلة بنظام تروس صارم من الداخل، ولا جدوى منها على الإطلاق..

هذه هي رسالة الرواية الخبيثة التي يمكن أن نلخّصها كما يلي: لا تحاول أن تهذّب الإنسان أكثر من اللازم فهذا يفقده آدميته.. ربما كان الإنسان في صورته الشريرة أفضل.. بالتالي قد يكون علم النفس السلوكي ليس سوى أداة تستعملها السلطات الشمولية للسيطرة.. لقد اعتبر الكثيرون سكينر العالم النفسي الشهير رجلاً خطيرًا ويمارس القمع.

برع كوبريك في اختيار مواقع التصوير وتصميم الثياب وانتقاء العدسات.. لاحظ هنا أننا لا نتكلم عن مستقبل بعيد فيه روبوتات وأطباق طائرة، بل عن مستقبل قريب جدًا من حاضرنا هذا.. مجرد اختلافات بسيطة في الثياب والديكورات.. وهذه مقنعة فعلاً في الفيلم.

إن الفيلم يرسل رسالة أخلاقية مشوشة وغريبة.. وهذا سبب عدم حماس نقاد كثيرين له.. لكن يظل الفيلم علامة مهمة جدًا في الثقافة الغربية.. ولا أنصح بأن تراه لكن أنصح بأن تعرف بأنه موجود !

52. The Shining (1980)

R | 146 min | Drama, Horror

68 Metascore

A family heads to an isolated hotel for the winter where a sinister presence influences the father into violence, while his psychic son sees horrific forebodings from both past and future.

Director: Stanley Kubrick | Stars: Jack Nicholson, Shelley Duvall, Danny Lloyd, Scatman Crothers

Votes: 1,107,223 | Gross: $44.02M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

ستيفن كينج عبقري الرعب وستانلي كوبريك عبقري الإخراج. لقاء السحاب المذهل..

الغريب هنا أن الفيلم جاء تحفة فنية حقيقية، لكنه لم يرق لكينج بتاتا، وشعر بأن أفكاره قد تمّت خيانتها في هذا الفيلم، وأن شخصية كوبريك كانت هي الأقوى، خاصة أن الأخير لم يشاركه كتابة السيناريو، وهذا دفعه ليشبّه الفيلم بسيارة كاديلاك حديثة فاخرة لكنها بلا محرك ولا تذهب لأي مكان.. وقد قام بكتابة سيناريو آخر للفيلم، وتم تقديمه في فيلم تليفزيوني متوسط النجاح والقيمة على كل حال. فيما بعد قال كلمته الشهيرة: "كوبريك رجل يفكر كثيرًا جدًا لكنه لا يحسّ!"، من ثم قال كوبريك: "ستيفن كينج يحسّ كثيرًا جدًا لكنه لا يفكر!".

خرج هذا الفيلم للعالم عام 1980، وأذكر أنني شاهدته في السينما وأنا طالب في سنوات الكلية الأولى وانبهرت به كثيرًا.. وقرأت الرواية بعد ذلك بعشر سنوات تقريبًا.. بعد خمسة عشر عامًا أخرى كتب عليّ أن أتكلم عنه وعن سينما الرعب في ساقية الصاوي، عندما قرر بعض الشباب المتحمس عرضه ضمن برنامج يهدف لعرض مائة فيلم عالمي لا بد أن تراها.. وهو مشروع رائع طموح من الطبيعي جدًا ألا يستمر!

اندهشت جدًا لما عرفت أن فيلم اليوم قوبل بفتور عندما عُرِض أول مرة، هو الفتور التقليدي الذي يقابل به أي فيلم جديد للعبقري ستانلي كوبريك.. هذه هي القصة الحتمية دائمًا.. بعد أعوام يعود الناس لمشاهدة الفيلم، فيكتشفون أنه سابق لعصره وأنه تحفة، وبعدها يتحول الفيلم إلى واحد من كلاسيكيات السينما..

حدث هذا مع 2001 أوديسا فضائية.. وحدث مع فيلم اليوم.. ومن الغريب أن النقاد العظام من أمثال روجر أيبرت وغيرهم كان رأيهم متحفظًا في البداية، ثم تضخّم إعجابهم اليوم حتى إنك لا تصدّق أن نفس الشخص هو قائل نفس الكلام. المخرج العظيم مارتن سكورسيز اعتبره من أكثر عشرة أفلام إرعابًا في التاريخ، وقال روبرت دي نيرو إنه لم ينم لمدة أسبوع بعد مشاهدته.

الأهم أن دخول ستانلي كوبريك مجال الرعب أضفى على أفلام الرعب قيمة لا شكّ فيها..

دخول ستانلي كوبريك مجال الرعب أضفى على أفلام الرعب قيمة دخول ستانلي كوبريك مجال الرعب أضفى على أفلام الرعب قيمة

الفيلم يحكي ببساطة قصة فندق مسكون.. قصة بسيطة جدًا يقدر أي مخرج على أن يقدّم منها فيلم حرف (ب) معقولاً.. لكن بين يدي كوبريك يتحول الفيلم إلى عمل خارق.. أولاً هناك المجاز الواضح.. إن فندق أوفرلوك المخيف ليس سوى رأس جاك تورانس بما فيه من مخاوف وعُقَد.. هناك الإيقاع البطيء جدًا الذي يبني الرعب مع الانتظار، وهذا درس مهم: بطء الإيقاع قد يفيد فيلم الرعب أكثر من سرعته.. وهناك جو التوجس الغريب، وهناك ذلك الإحساس بالمكان الشاسع الذي يمكن أن يوجد فيه أي شيء.. هناك تصوير جون ألكوت البارد الرائع. وهناك اللغز الذي أقضّ مضجع هواة السينما والذي يظهر لنا طرف منه في نهاية الفيلم ويجعلنا نتساءل من البداية..

جاك نيكلسون (اسمه في الفيلم جاك تورانس) مؤلف قصصي يحاول أن يعالج نفسه من إدمان الخمر. هذه نقطة مهمة جدًا، ومن أجلها كتب ستيفن كينج قصته، وقد تضايق جدًا لأن كوبريك تجاهل هذه النقطة إلى حد كبير.. وهي تجربة شخصية مرّ بها..

من أجل الفرار من الخمر والبحث عن إلهام قصصي جديد، يقرر جاك تورانس وزوجته وابنه أن يقوموا بحراسة فندق كبير منعزل هو فندق أوفرلوك.. الفندق فاخر واسع.. لكن المشكلة هي أن الثلوج تحاصره في الشتاء تمامًا، ويكون عمله هو الصيانة وتذويب الثلج في المواسير.. إلخ.. فيما عدا هذا يمكنه اعتبار الفندق غرفة مكتب عملاقة مليئة بالحجرات.. نعرف كذلك أن ابن جاك يملك موهبة نفسية معينة ويملك حاسة تجعله يقرأ أفكار الآخرين، يطلق عليها اسم (التوهج)، ويكتشف أنه يشارك الطباخ الأسود المسنّ نفس الموهبة.

إن حياة الأسرة في الفندق رتيبة مملة، خاصة مع عذاب جاك بسبب شوقه إلى الخمر، كما نعرف أنه آذى ابنه بقسوة ذات مرة.. إن الأم تحمل الكثير من المخاوف لكنها تؤدي عملها بكفاءة.. شيلي دوفال بملامحها المليئة بالرعب ووجهها العظمي تؤدي الدور ببراعة، وقد أتعبها كوبريك كثيرًا ببحثه عن الكمال وجداول التصوير المرهقة، حتى إنها فقدت مساحات كبيرة من شعر رأسها بسبب توتر تصوير هذا الفيلم..

هناك أشياء عجيبة في هذا الفندق.. ثمة شيء ما مخيف.. وهناك غرفة يحوم الرعب حولها.. هذه أشياء يشعر بها الصبي أولاً.. جولات داني الطويلة في الفندق بعرببته تثير شعورًا أصيلاً بالرعب، وهي من أهم عناصر التوجس في الفيلم.. المتاهة وصوت العجلات والاندفاع والمستوى المنخفض الذي يشعرك بالعجز.. تم تصوير هذه اللقطات بكاميرا تم صنعها للفيلم خصيصًا، وانتشرت بعد ذلك هي "ستيديكام".. ولع كوبريك بالدقة جعله يضع لعربة الصبي عداد سرعة؛ كي يستعمل ذات السرعة في اللقطات المتتابعة ولا تختلف من كادر لآخر.



هناك قصة عن خادم بالفندق قتل أسرته، وهناك طفلتان تظهران لداني من حين لآخر ويرى جثتيهما. هناك متاهة من الأشجار يصعب الخروج منها، وقد بدأ الثلج يغطيها...

في الوقت ذاته يبدو واضحًا أن جاك ليس على ما يرام.. إنه منهمك في التأليف لكنه منعزل وعصبي.. أداء جاك نيكلسون في الفيلم صورة كاملة للجنون، ويبدو أنه أراد إعادة تقديم صورة القاتل المجنون الصارخة التي كانت تقدّم أيام السينما الصامتة.. يدخل البار الفارغ ليجري محادثات طويلة جدًا مع أشباح سقاة، ومع ذلك الساقي الذي ذبح أسرته.



ثم تأتي أشنع لحظات الفيلم عندما تدخل الزوجة مكتب زوجها لترى ما كتبه حتى اللحظة، فتكتشف أنه سود مئات الصفحات بعبارة: "الكثير من العمل بلا راحة.. يجعل جاك صبيًا غبيًا".

هنا تدرك أن زوجها مجنون.. ببساطة مجنون.. تأمّل عينيها وهي تكتشف هذا الكشف المروع..



تتصاعد الأحداث مع تزايد جنون جاك. هناك مشهد السلم الشهير وهو يتقدم نحو زوجته وقد بدأ يتعامل ويتصرف كمذءوب.. لا نعرف هل جنّ أم إن مسًا شيطانيًا أصابه.. تم تصوير هذا المشهد عشرات المرات بسبب وسواس الإتقان الذي يعاني منه كوبريك..



وتضطر الزوجة لسجن زوجها الذي لم تعد تعرف من هو حقًا.. هنا نتساءل بلا توقف: هل هناك أشباح في الفندق حقًا؟ أم إن عقل جاك المريض أوجدها؟ هذا نموذج للراوي الذي لا يوثق فيه، والذي قد يكون يخدعنا بما يحكيه.. والآن يقتحم جاك الغرفة على زوجته مهشمًا الباب بالبلطة، ويطل من الفتحة مرددًا في مرح: ـ "هو ذا جوني!"

أثناء التصوير هشّم نيكلسون الباب بسهولة؛ لأنه كان يعمل في المطافئ سابقًا، وهكذا تم استبدال 117 بابًا للوصول للقطة التي أرادها كوبريك المجنون..



وفي النهاية تدور مطاردة مرعبة.. جاك يطارد ابنه داني بالبلطة ليذبحه، والزوجة تائهة بين ابنها وزوجها الذي جنّ تمامًا.. إن مشهد جاك نيكلسون وهو يركض في المتاهة وسط الثلج يذكرك فورًا بالمينوتور في المتاهة الكريتانية.. ونهايته مفجعة وقاسية فعلاً لكنك تشعر أنها الحل الوحيد..



تم تصوير هذه المشاهد المبهرة في الثلج فعلاً، ولك أن تتصور أن حامل الكاميرا الستيديكام راح يطارد جاك نيكلسون والصبي حاملاً الكاميرا الثقيلة، حتى اضطروا لوضع قناع أكسجين على وجهه حتى يجد هواء يتنفسه أثناء التصوير.. في الرواية تشعر بحزن من أجل جاك الذي فقد حياته بسبب مسّ شيطاني، أما في الفيلم فأنت راضٍ عن موته.. فهو شيطان..

على أن الفيلم يحمل لنا مفاجأة أخيرة سوف تجعلك عاجزًا عن النوم لمدة أسبوع.. السبب هو كثرة الأسئلة التي ستملأ رأسك، ولن تصل لجواب مريح أبدًا..

التوهّج عمل فني مبهر رائع الجمال، وهو قطعة من السينما الخالصة.. ترك أثرًا في كل فيلم رعب جاء من بعده.. وهو يؤكد قاعدة لا تفشل أبدًا: ستانلي كوبريك عبقري لم يوجد مثله.

53. The Seventh Seal (1957)

Not Rated | 96 min | Drama, Fantasy

88 Metascore

A knight returning to Sweden after the Crusades seeks answers about life, death, and the existence of God as he plays chess against the Grim Reaper during the Black Plague.

Director: Ingmar Bergman | Stars: Max von Sydow, Gunnar Björnstrand, Bengt Ekerot, Nils Poppe

Votes: 198,540

لست ناقدًا سينمائيًّا؛ لكني أعرف جيّدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أُفكّر طويلاً.. أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

"الحب هو الطاعون الأكثر سوادًا!"

لكل فيلم شهير مشهد أيقوني لا يسهل نسيانه، ولسوف تجد هذه الصورة في كل مقال عن إنجمار برجمان أو عن فيلم "الختم السابع - 1957". صورة البحر متلاطم الأمواج والجو المكفهر المنذر بالويل، بينما على الشط يجلس الفارس يلعب الشطرنج مع الموت.. مباراة سوف تحدد نهايتها حياة الفارس أو هلاكه.

المخرج السويدي الكبير إنجمار برجمان من أهم المخرجين الذين يُخاطبون الطبقة المثقفة في العالم، وقد ترك بصماته لدى مخرجين كثيرين من أشهرهم الأمريكي وودي ألين.. إنها أفلام ذات ياقة عالية وعوينات سميكة وصعبة غالبًا.. في الوقت ذاته هي تتحدَّث عن مجتمع حل مشكلاته فلم تبقَ له إلا الحيرة الميتافيزيقية وأسئلة الوجود والعدم. لبرجمان عدة أفلام شهيرة؛ نذكر منها: "اللدغة"، و"وجهًا لوجه"، و"فاني وألكساندر"، و"اللمسة"، و"بيضة الثعبان". وأعترف أنني لا أهوى أفلامه، لكني أحببت "الختم السابع" بشدة، وعرفت منه أن هذا الرجل عبقري فعلاً. أذكر أن فيلم "وجهًا لوجه" عُرِض في مصر في الثمانينيات، واشْتُهر لدى الجمهور المصري بأنه يحوي "مناظر"، لذا دخله كثيرون؛ حيث يبدأ الفيلم بمشهد عار قصير، وبعدها يدخل في الحيرة الميتافيزيقية إياها لمدة ساعتين تقريبًا، فانطلقت عبارات السباب من كل أرجاء السينما على من يدخل فيلمًا لبيرجمان أن يتوقّع ما سيراه.

المخرج السويدي إنجمار برجمان من أهم المخرجين الذين يُخاطبون الطبقة المثقفة المخرج السويدي إنجمار برجمان من أهم المخرجين الذين يُخاطبون الطبقة المثقفة

في العام 1957 قدّم برجمان فيلم "الختم السابع" كما قلنا.. كان هو صاحب القصة كذلك، وهي عن مسرحية قديمة له، ومن الطريف أن هذا سابع فيلم يُخرِجه، مع تصوير رائع من جونار فيشر، وأداء رائع من ماكس فون سيدوف وبيبي أندرسون ونيلز بوب.

استوحى الفيلم من سفر الرؤيا في العهد الجديد، والآية التي تقول: "وَلَمَّا فَكَّ الْحَمَلُ الْخَتْمَ السَّابِعَ سَادَ السَّمَاءَ سُكُوتٌ نَحْوَ نِصْفِ سَاعَةٍ، وَرَأَيْتُ الْمَلاَئِكَةَ السَّبْعَةَ الْوَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ، وَقَدْ أُعْطُوا سَبْعَةَ أَبْوَاقٍ".

يُناقش الفيلم قضية بيرجمان مع الإيمان بالله؛ فهو يشعر بحاجته إلى أن يرى رؤيا مكتملة واضحة تعينه على الإيمان، ويشعر أن النصوص الدينية غامضة أكثر مما يريحه.. يقول في جزء من الفيلم على لسان البطل:

ـ "الإيمان اختبار قاسٍ.. إنه كأن تعشق شخصًا لا تراه..".

إنه القرن الرابع عشر.. وباء الطاعون يجتاح أوروبا.. الموت في كل مكان..

الفارس الشجاع ماكس فون سيدوف يرتحل، ما زال شابًا قويًا يختلف كثيرًا عن الأب طارد الأرواح الشريرة الذي سنراه في الفيلم الذي سيحمل ذات الاسم، لكن النقاد لمحوا فيه ظلالاً كثيرة من دون كيشوت.. دون كيشوت أكثر قسوة وجمودًا..

إنه عائد من الحروب الصليبية مع تابعه، ليجد أن الطاعون يجتاح السويد.. في اللحظات الأولى من الفيلم يقابل الموت الذي يلبس مثلGrim Reaper الذي نعرفه، ويتحدّاه الموت للعب مباراة شطرنج، سوف يظلّ الفارس حيًا ما دامت اللعبة مستمرّة..



شاهد هذا المشهد الكلاسيكي هنا

بالنسبة لمن يرى المشهد من الناس، يخيل لهم أن الفارس يلعب مع نفسه.

في الطريق للقلعة نقابل فِرقة من الممثلين الجوالين، ويذهب الفارس وتابعه إلى كنيسة عملاقة بها لوحة عملاقة تمثّل رقصة الموت مع ضحاياه، ويتجه الفارس للمحراب ليعترف لكاهن لا يراه بأنه قرّر لعب الشطرنج مع الموت، ويخبره بخطته المقبلة.. ثم يكتشف أن هذا ليس كاهنًا ولكنه الموت نفسه..

في قرية أخرى ينقذ الفارس وتابعه فتاة من الاغتصاب على يد سارق موتى، ويقابلان رافال الذي أقنع فارسنا بالانضمام للحروب الصليبية.. نرى كذلك حرق ساحرة؛ لأنهم يتهمونها بأنها سبب الوباء.

تنضمّ الفتاة للفارس وتابعه، ويمضي الركب عبر القرى التي دمّرها الطاعون؛ حيث تتناثر الجثث في كل صوب، وحيث تؤدّي الفرقة التمثيلية أدوارها أمام القرويين في مَشاهد عبثية.

هنا نرى على شجرة ذلك الممثّل الذي قرّر أن يمضي الليلة محتميًا فوقها، فيأتي الموت ويبدأ في قطعها.. برغم أن الممثّل يطالب بمعاملته معاملة خاصة لأنه ممثل.

يدعو الفارس الممثلين إلى قلعته للاحتماء من الطاعون، وفي مشاهد تذكرنا كثيرًا بـ"قناع الموت الأحمر" تحفة إدجار آلان بو.

يسقط الفارس قطع الشطرنج كي يشغل الموت بجمعها بينما تحاول أسرة الفنانين الفرار منه. هذا هو الشيء الوحيد الذي يحققه الفارس؛ فقد هرب الرجل وزوجته وطفلهما فعلاً. يعيد الموت رص القطع ثم يضع قطع الفارس في وضع يحتم الموت بعد نقلة واحدة، ويخبر الفارس أنه سيموت لدى لقائهما التالي.

يتناول سكان القلعة آخر عشاء لهم قبل أن يأتي الموت ليحصدهم، ويدعو الفارس الله أن يرحمهم.

هنا يرى أفراد الأسرة الهاربة رؤيا لما يواجهه سكان القلعة الذين يرقصون رقصة الموت.. يقتادهم الموت إلى الجبال لرقصة الموت الأخيرة.. بينما تنجو الأسرة التي ربما ترمز للعائلة المقدسة.

كلنا نخسر اللعبة مع الموت في النهاية.. المهم بالنسبة لنا كم من الوقت نستغرق قبل ذلك، وكيف نلعب.

إن أفكار الفيلم وجودية جدًا، ويقولون إنها تمت بقوة لعالم الفيلسوف كيركجارد، وفي جميع الأحوال هو فيلم مسلٍّ فعلاً ومتعة بصرية لا شك فيها.. ربما هو أقل أفلام بيرجمان تحذلقًا.

اعتمد تصوير الفيلم كثيرًا على دراسة لوحات القرون الوسطى؛ ومنها لوحة شهيرة لرجل يلعب الشطرنج مع هيكل عظمي. تحرر كثيرًا من الدقة التاريخية؛ لأن آخر الحملات الصليبية انتهت في القرن الثالث عشر بينما الطاعون ارتبط بالقرن الرابع عشر.

قابلت الأوساط الثقافية الفيلم بالكثير من الحماس، ولم يزل الفيلم يحتلّ مكانًا نفيسًا في المكتبة السينمائية. من ناحية الجوائز نال الفيلم جائزة النقاد في مهرجان كان، ووضع اسم برجمان على رأس قائمة المخرجين المثقفين الذين صنعوا عالمهم الخاص.

كان هذا فيلمًا مهمًا -وإن كان صعبًا- من أفلام الحافظة الزرقاء.

54. Seven Samurai (1954)

Not Rated | 207 min | Action, Drama

98 Metascore

Farmers from a village exploited by bandits hire a veteran samurai for protection, who gathers six other samurai to join him.

Director: Akira Kurosawa | Stars: Toshirô Mifune, Takashi Shimura, Keiko Tsushima, Yukiko Shimazaki

Votes: 366,960 | Gross: $0.27M

لست ناقدًا سينمائيًّا؛ لكني أعرف جيّدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أُفكّر طويلاً.. أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

لو كانت قيمة الأفلام تعتمد على عدد المرات التي قُدِّم فيها الفيلم برؤية أخرى، أو سُرق بدم بارد؛ فإن فيلم "الساموراي السبعة" يصير أعظم فيلم في التاريخ بلا جدال. إن عدد المعالجات التي قُدِّمت لهذه القصة المحظوظة بلغات عديدة لأمر يصعب حصره؛ في مصر عندنا "شمس الزناتي" والكل قد رآه ويعرف قصته بالتأكيد، كما أن فيلم "العظماء السبعة" الذي أخرجه جون ستيرجس لأشهر من نار على علم؛ إن ستيرجس قد أخذ مَشاهد بحذافيرها من الفيلم الياباني وقدَّمها في جو رعاة البقر.

للمخرج الياباني العبقري أكيرا كوروساوا عالمه الخاص الياباني جدًّا؛ حيث تشعر أن كل كادر نقش ياباني أنيق. وإن لم ينكر أنه تأثّر بشكسبير كثيرًا.. وقد قدّم هذا المبدع أفلامًا يعرفها الغرب جيّدًا ويعرف قيمتها؛ ومنها: "راشمون"، و"كاجيموشا"، و"ران"، و"أحلام"، و"الساموراي السبعة" إلخ... ومع كل فيلم يفتح الغرب فمه في ذهول، ويقتبس شيئًا من عالم هذا العبقري.. لو لم يوجد كيروساوا لما وُجِد: جورج لوكاس، وستيفن سبيلبرج، وروبرت ألتمان.

لا كرامة لنبي في وطنه، لهذا واجه كوروساوا مشكلات عديدة في تمويل أفلامه في اليابان، لدرجة أنه حاول الانتحار ونجا بمعجزة، وهكذا قام تلاميذه الأمريكان المليونيرات المخلصون -من عينة سبيلبرج ولوكاس- بمنحه شيكًا على بياض ليخرج أي حلم يخطر بباله، وكانت هذه عودته مع فيلم "كاجيموشا" أو "ظل المحارب" الذي سوف نتكلّم عنه في حلقة قادمة.

واجه كوروساوا مشكلات عديدة في تمويل أفلامه في اليابان لدرجة أنه حاول الانتحار واجه كوروساوا مشكلات عديدة في تمويل أفلامه في اليابان لدرجة أنه حاول الانتحار

كما في كل فيلم له يُقدِّم كوروساوا كمؤلف أو مخرج ابتكارًا جديدًا، وفي هذا الفيلم مثلاً يُقدِّم أسلوب "تجميع الأبطال من أجل مهمة معينة"، ومنذ ذلك الحين رأينا "المهمة الإيطالية" و"الأحد عشر لدى أوشان".. إلخ.. كما أنه جرّب طريقة تصوير المشهد بأكثر من كاميرا من عدة زوايا لينتقي اللقطات الأفضل.. من المعروف أن السينما تستعمل كاميرا واحدة، لكن كوروساوا استنّ هذه السُّنة الجديدة. هناك طريقة الاعتماد الكامل على الشمس في الإضاءة التي تعلّمتها السينما الأمريكية منذ ذلك الحين. هناك كذلك تيمة "البطل غير الراغب في البطولة" و"فتاة من القرية تقع في حب أصغر الساموراي سنًّا".

عُرِض فيلم "الساموراي السبعة" عام 1954، وكل إنسان يعرف القصة تقريبًا.. القرية التي تخضع لسطو وإرهاب قطاع الطرق، ثم يُقرِّر سكانها أن يستعينوا بمجموعة من فرسان الساموراي الشجعان الأقوياء كي يُدافعوا عنها.

في البداية يُفكِّر اللصوص في مهاجمة القرية، ثم يُقرّرون تركها بعض الوقت لتستريح.. طريقة ترك البقرة بعد حلبها بعض الوقت، على أن يُهاجموها بعد الحصاد.

عندما يعرف سكان القرية هذا، يُقرّرون أن عليهم أن يُدافعوا عن أنفسهم، لكن أَنَّى لهم ذلك وهم فلاحون لا يُجيدون فنون القتال؟

الحل الوحيد هو استئجار بعض الساموراي؛ وهم قوم مهنتهم القتال؛ مثل المماليك عندنا، لكن المشكلة هي أن أهل القرية لا يملكون مالاً يمنحونه للساموراي.. الحل الوحيد هو تقديم الطعام لهم كأجر، وينصحهم الزعيم بأن يجدوا الساموراي الجياع.

يذهب وفد من الفلاحين للمدينة بحثًا عن ساموراي، فيجدون واحدًا قويًّا اسمه كامبي، ويلحق به شاب اسمه كاتسوشيرو، ويبدأ كامبي في جمع مجموعة متباينة من الساموراي بطباع مختلفة تُذكّرنا بمن كان عادل إمام يجمعهم في "شمس الزناتي".. وبالطبع لا بد من أن يضم الجمع مهرجًا لا قيمة له، وهو سوف يُؤكّد قاعدة أن مَن تستهين به قد يكون هو الأخطر، وهكذا يصير الساموراي سبعة.

يصل الساموراي للقرية فينكمش القرويون خوفًا منهم؛ المشكلة هي أن الساموراي الذين لا قائد لهم مشهورون باغتصاب النساء، وهكذا يغلق كل الفلاحين أبوابهم على نسائهم.



تتوطد العلاقة ببطء بين سكان القرية والساموراي، ويُقدِّم أهل القرية الأرز للساموراي علامة على الحفاوة.

يتمّ التأهب للقتال والحصار القادم.. هنا نكتشف أن القرويين ليسوا جبناء؛ إنهم يُحاربون حربًا عاتية مع الفقر والحاجة لإطعام أُسرهم والخوف من الغد. والآن يُحطّم الفلاحون حاجز الخوف ويتعلّمون القتال.

يحدث شدّ وجذب وسوء فهم لا يتوّقف

يقوم الساموراي بغارة ناجحة على معسكر اللصوص، وينجحون في قتل الكثيرين، لكنهم يفقدون واحدًا منهم. ويُهاجم اللصوص القرية ليكتشفوا في دهشة أن هناك تحصينات، وأن القرويين استعانوا بخدمات الساموراي.



تدور معارك شرسة، وينجح الساموراي في اتّباع تاكتيك حربي يجعل كل لص يدخل القرية وحده ليقع في كمين، لكن المعركة كانت عنيفة حقًا. وفي النهاية لا يبقى من الساموراي سوى ثلاثة، ويموت قائد اللصوص.

يراقب الساموراي الفلاحين السعداء وهم يبدأون الحصاد، لكنهم لا يشعرون بالسعادة بعد مَن فقدوه. لقد هزمنا مرة أخرى وفاز الفلاحون.



آخر لقطة في الفيلم تظهر القبر الذي ابتلع الساموراي الذين ماتوا في الدفاع عن القرية.. إن مَن يعيش بالسيف يموت به، ولا يبقى في النهاية إلا مَن بذر بذرة الحياة في قلب الأرض.

الفيلم قطعة من نسيج ناعم فائق الحساسية، مع تصوير ساحر بالأبيض والأسود لأساكازو ناكاي. أنتجت الفيلم استوديوهات توهو اليابانية الشهيرة؛ وهي التي نعرفها نحن بأفلام جودزيلا، وقد أوقف الاستوديو التصوير مرتين؛ لأن الميزانية تجاوزت الحدود، لكن كوروساوا في كل مرة كان يذهب لصيد السمك عالِمًا أن الاستوديو تورّط بما يكفي في الإنتاج، ولا بد أن يستمر فيه للنهاية.

في النهاية حصد الفيلم عددًا هائلاً من الجوائز، وغزا الغرب بالمعنى الحرفي للكلمة. العبقري الياباني أكيرا كوروساوا يكشف للعالَم مَن هم اليابانيون حقًا.

55. The Thing (1982)

R | 109 min | Horror, Mystery, Sci-Fi

57 Metascore

A research team in Antarctica is hunted by a shape-shifting alien that assumes the appearance of its victims.

Director: John Carpenter | Stars: Kurt Russell, Wilford Brimley, Keith David, Richard Masur

Votes: 466,887 | Gross: $13.78M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

المخرج الكبير جون كاربنتر يحتلّ بالضبط في عوالم أفلام الرعب نفس موضع ستيفن كينج في عوالم أدب الرعب، بالإضافة لهذا فهو ظاهرة حقيقية: مؤلف وكاتب موسيقى تصويرية ومصوّر بارع.

هذا جعل أي فيلم جديد لكاربنتر عيدا حقيقيا لهواة الرعب، وإن كنت لا تعرف كل أفلامه؛ فدعنا نتذكّر: "كريستين" عن قصة ستيفن كينج المخيفة، و"الضباب" و"هالوين" و"الشيء" و"مصاصو دماء جون كاربنتر" و"أشباح المريخ"، وطبعا "في فم الجنون".

من علامات العباقرة المهمة أن تختلف الأمور بعدهم عمّا كانت من قبلهم، وبالتأكيد لن تظلّ أفلام الرعب كما كانت بعد ما ظهر فيلم "الشيء" عام 1982.

كاربنتر يحتلّ نفس موضع ستيفن كينج في عوالم أدب الرعب كاربنتر يحتلّ نفس موضع ستيفن كينج في عوالم أدب الرعب

لا أتحدّث بالطبع عن الفيلم الجديد الذي ظهر عام 2011، وهو بالمناسبة مشوّق جدا، هذه من المرات القليلة التي يُعاد فيها تقديم فيلم ناجح فيأتي الفيلم الجديد جيّدا، لكن التحفة السينمائية الحقيقية هي تلك التي قُدّمت عام 1982، والتي تجعلك جالسا على حافة المقعد معظم الوقت.. هذا هو رعب البارانويا كما يجب أن يكون، والأهم أنه يتكلّم عن الخطر الشيوعي الذي كان قائما وقتها ولم يدرِ أحد أنها أيامه الأخيرة.. إن الشيء يرمز لتغلغل الشيوعية في المجتمع الأمريكي، كما فعل فيلم "غزو خاطفي الأجساد" من قبل.. هناك لمسات واضحة تذكّرك بفيلم "الغريب" لريدلي سكوت، أما عن المؤثّرات فهي متقنة جدا برغم أن دهرا يفصلها عن مؤثرات الكمبيوتر المعاصرة.

الفيلم -وهو من بطولة كيرت راسل- إعادة لفيلم قديم اسمه "الشيء القادم من عالم آخر".. يتناوله كاربنتر ليصدم به الجمهور الذي لم يكن قد اعتاد هذا النوع من الرعب، مع ارتفاع معدّلات "القرف" وهي شيء لم يكن شائعا وقتها.. اشْتُهر الفيلم كذلك بعبارة "الإنسان أكثر مكان دافئ تختفي فيه!" في الإعلانات، وهي عبارة مخيفة يعتبرها البعض أفضل عبارة Tagline لفيلم رعب.

شاهد التريللر الخاص بالفيلم هنا

تدور القصة -التي كتب لها السيناريو ابن الممثّل بيرت لانكستر- حول شيء غامض فضائي تجمّد في القطب الجنوبي منذ 16 مليون سنة.. هذه تيمة خالدة في أفلام الرعب، وهناك فيلم مهم لهامر يحكي عن شيء مماثل يُنقل في قطار من منشوريا لكن الحياة تدبّ فيه.

يبدأ الفيلم ببعثة في القطب الجنوبي، وطائرة نرويجية تطارد كلبا من نوع "الماليموت" وتطلق عليه الرصاص.. تحترق الطائرة، ويُدرك الطاقم الأمريكي للبعثة أن معسكر النرويجيين محترق بالكامل، وأن هناك جثث منتحرين وجثة متفحّمة تبدو كأنها ذات رأسين.

شاهد افتتاحية الفيلم هنا

ثم ننتقل لعالم بارد مفعم بالثلوج وخالٍ من الأنثى تماما، في القاعدة الأمريكية التي اختارها القدر.

هذه هي البداية.. ومع الوقت ندرك أن هناك شيئا غامضا دخل القاعدة الأمريكية؛ مثل تقاليد رعب البارانويا هذا الشيء يمكن أن يصير أي واحد في أي لحظة.. أنت تكلّم صديقك ولا تعرف أنه مسخ.

مثلا هو في البداية يتخذ صورة كلب، ثم ينقلب هذا الكلب كجورب في مشهد شنيع، وتخرج منه ممسات في كل اتجاه، ويتطاير منه الدم واللعاب، بينما الكلاب السليمة المذعورة تعوي محاولة الفرار.

شاهد هذا المشهد هنا

إن الخطر يتضاعف، ومع الوقت يُدرك الأمريكيون أبعاد هذا المأزق.. هناك مشهد رعب شهير يُحاولون فيه إفاقة رجل مات حديثا من البعثة الأمريكية؛ فتصير للصدر أسنان تبتر ذراع الطبيب، ثم ينفجر الصدر ويخرج رأس، ويفرّ رأس الجثة على أقدام عديدة كأنه عنكبوت.. في هذا العالم القاسي لا يوجد حل سوى النار من قاذفات اللهب لإنهاء هذه الكوابيس، لكننا سوف ندرك أن النار لا تكفي للقضاء على الشيء.

هذا مشهد لا يمكن أن نصفه بل لا بد أن تراه

إن هذا كله تمّ عمله دون كمبيوتر وبجهد فنان شاب اسمه "روبرت بوتين"، متخصّص في عمل المؤثرات في أفلام جون كاربنتر.. هناك جزء بسيط من المؤثّرات صنعه ساحر المؤثرات الخاصة ستان ونستون.

هناك مشهد آخر شنيع يُذكّرك كثيرا بفيلم Blade Runner؛ حيث يجرى اختبار على الناس لمعرفة إن كانوا من الأندرويد أم لا.. هنا يجري كيرت رسال اختباره على قطرة من دمك، ويلاحظ استجابتك لوضع إبرة في السائل الأحمر.. هذا رعب "أحدنا شيطان" الشهير.

في النهاية يموت كثيرون ويتمّ تدمير القاعدة.



نرى نهاية قاسية فعلا؛ إذ يجلس الناجيان وحيدين يتبادلان نظرات الشك.. نحن نعرف أن أحدهما هو الشيء لكن من؟ الأكثر رعبا أن يكون كلاهما هو الشيء! لا نعرف أبدا، وهي نهاية تذكّرنا بالغموض في نهاية فيلم Blade Runner حيث يحوم السؤال: هل هاريسون فورد هو نفسه أندرويد؟ يرضخ الرجلان لهذا الغموض ويتبادلان جرعة شراب من زجاجة لم تدمّر بعد.

مع الأسف عُرض هذا الفيلم في ذات الوقت الذي عُرض فيه فيلم سبيبلبرج E.T؛ فبدا للناس غريبا و"مقرفا" أكثر من اللازم مقابل الجو الأسري الودود لفيلم E.T، لهذا لم يحقّق ضربة تجارية وقتها، بل الحقيقة أنه قوبل بعاصفة كراهية من عشّاق الخيال العلمي وعشّاق الرعب.. هذا شيء لم يستطع كاربنتر فهمه قط، لكنه ككل الأفلام الجيّدة بدأ يكشف عن محاسنه مع الوقت وصار له أتباع كثيرون، ويرى عدد من النقاد أنه أروع فيلم رعب على الإطلاق.

56. The Good, the Bad and the Ugly (1966)

Approved | 178 min | Adventure, Drama, Western

90 Metascore

A bounty hunting scam joins two men in an uneasy alliance against a third in a race to find a fortune in gold buried in a remote cemetery.

Director: Sergio Leone | Stars: Clint Eastwood, Eli Wallach, Lee Van Cleef, Aldo Giuffrè

Votes: 811,549 | Gross: $6.10M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

يعتبر هذا الفيلم جزءًا من ثقافة كل إنسان مهتم بالفنون، فحتى لو لم تكن شاهدتَه فلا شك أنك سمعت اللحن العبقري الذي كتبه الموسيقار الإيطالي إنيو موريكوني. كما أن هذا الفيلم جعل الناس تعرف مصطلح "وسترن سباجيتي"، وجعل من كلينت ايستوود نجمًا بعد ما كان ممثلاً متوسط المستوى يمكن نسيانه بسهولة.



قبل أن نتكلم عن الفيلم؛ يمكنك سماع اللحن الرائع المميز له هنا، والذي يقلد عواء الكويوتي (ذئب أمريكا الشمالية)

مخرج إيطالي لا يفقه الإنجليزية يصنع اتجاهًا جديدًا في أفلام الـ Western مخرج إيطالي لا يفقه الإنجليزية يصنع اتجاهًا جديدًا في أفلام الـ Western

فيلم رعاة بقر (Western) يتم تصويره في إسبانيا بالكامل، ويخرجه مخرج إيطالي لا يفقه حرفًا من اللغة الإنجليزية!.. هذه ليست مزحة.. بل هي أفلام الوسترن سباجيتي.. الموضة التي ابتكرها المخرج العبقري الإيطالي سيرجيو ليوني.

هذه الأفلام تحمل عناوين شهيرة مثل "الطيب والشرس والقبيح" و"حفنة من الدولارات"، و"من أجل مزيد من الدولارات"، و"ذات مرة في الغرب"..

القاعدة العامة في هذه الأفلام هي أنها تدور في مكان قريب جدًا من الحدود المكسيكية، وهذا عالم مليء بالرعاع والأوغاد القذرين.. الأبطال أنفسهم لا يختلفون عن الأشرار كثيرًا. الحوار شحيح جدًا.. الموسيقى صاخبة ومستمرة، وتبدو كأنها أحد الأبطال. واللقطات قريبة تستمتع جدًا باستعراض الوجوه المغبرة الشرسة غير الحليقة..

فيلم "الطيب والشرس والقبيح" أنتج عام 1966، وقام ببطولته ثلاثيٌّ يتكون من: "كلينت ايستوود" (الطيب) و"لي فان كليف" (الشرس) و"إيلي والاش" (القبيح). ويعتبر الفيلم الثالث في ثلاثية الدولارات الشهيرة. يدور الفيلم على خلفية من الحرب الأهلية الأمريكية، حيث يعلمنا درسه الخاص: أن تكون البلاد في حرب أهلية؛ لا يمنع من أن تكون لصًا وتجمع ثروتك الخاصة!

إننا نرى أبطال الفيلم الثلاثة: اللص الحقير توكو (القبيح) الذي يفر من صائدي الجوائز الذين يريدون رأسه، ونقابل إينجل آيز (الشرس) الذي يقتل عددًا من الناس في محاولة للعثور على خيط يقوده لشحنة مسروقة من الذهب.

ثم يظهر الطيب (بمقاييس الفيلم)؛ كلينت ايستوود، الغامض الذي يضع عباءة مكسيكية على كتفيه ولا يفارق السيجار أسنانه على طريقة "لاكي لوك"، وبالمناسبة لا نعرف اسمه أبدًا، وحتى في التترات اسمه "الرجل الذي لا اسم له"، لكن أبطال الفيلم يسمونه الأشقر (Blondey).

وبما أنه بارع في الرماية وسريع كالبرق، فإنه ينقذ اللص توكو من صائدي الجوائز ويحرره.. فقط كي يسلمه هو بنفسه للسلطاتن ويأخذ مبلغ الجائزة. وقبل إعدام توكو ينقذه ويفرّ معه.. هكذا يتوصل الرجلان إلى طريقة ممتازة لكسب الرزق.. في كل بلدة يقوم الأشقر بتسليم اللص للسلطات ويحصل على الجائزة، ثم يظهر لحظة إعدامه لينقذه ويفرّ به إلى بلدة أخرى!



شاهد هذا الجزء هنا



بالطبع لابد أن تنتهي هذه الزمالة بالخلاف فالانفصال.. ويصمم اللص توكو على أن ينتقم من زميله السابق الأشقر. ذلك الانتقام الذي يفضي بالرجلين إلى الصحراء.. تحت الشمس الحارقة، ومع الظمأ الشديد يوشك الأشقر على الموت فعلاً..

هنا يكتشفان عربة بها جنود محتضرون أو موتى.. يعرف توكو من جندي مُحتضر أن الذهب المسروق مدفون في مقبرة اسمها (ساد هيل). وكان الجندي ظمآنًا يريد الماء، لذا يقرر توكو أن يكون إنسانًا برغم أنفه وينطلق ليجلب له ماءً وهو مغتاظ.. ثم يعود ليكتشف الكارثة؛ لقد مات الجندي، لكن بعد ما أفضى باسم القبر إلى الأشقر!

هكذا تولد العقدة اللذيذة للفيلم: اسم المقبرة مع توكو.. اسم القبر مع الأشقر.. كلا الرجلين لا يعرف ما يعرفه الآخر.. كلا الرجلين لا يستطيع قتل الآخر ولا تركه! علاقة معقدة جدًا وظريفة..

إن إيلي والاش (القبيح) ممثل غير عادي، كما أن جاذبية كلينت ايستوود معروفة. هناك مواقف ساخرة عديدة.. مثلاً عندما يقابل الرجلان فريقًا من الجنود ذوي البذلات الرمادية، فيصيح توكو منافقًا: ـ"تقدموا أيها الأبطال الجنوبيون.. إن الله يكره الشماليين!" هنا يقول له كلينت ايستوود: ـ"إن الله يكره الحمقى كذلك!" والسبب هو أن الجنود ينفضون الغبار عن ثيابهم فيتضح أنها زرقاء، وأنهم شماليون!.. وهكذا يُقبض على الرجلين باعتبارهما من عملاء الجنوب ويودعان في السجن.

وفي السجن يكتشف الشرس (إينجل آيز) أن الرجلين يعرفان مكان الذهب الذي يبحث عنه منذ بداية الفيلم. وهكذا يعرض على الأشقر أن يخرجه من السجن ويقتسما الذهب.. وفي الوقت ذاته يفرّ توكو من القطار الذي كان ينقله إلى مكان الإعدام. ويتجه بدوره إلى المقبرة.

مشهد ساخر آخر وشهير جدًا، فقد كان هناك جسر استراتيجي مهم يسد الطريق إلى المقبرة، وهناك جيشان من الشماليين والجنوبيين يحرسان الجسر.. هكذا يقرر توكو تدمير الجسر حتى لا يجد هؤلاء المخابيل ما يحرسونه. هذا مشهد ضخم جدًا وتكلف تنفيذه الكثير وكاد يقتل عددًا من العاملين في الفيلم. الحقيقة أن سيرجيو ليوني متهم دومًا بقلة اكتراثه بحياة الممثلين معه، حتى إن إيلي والاش كاد يُقتل عدة مرات أثناء التصوير.

وبالفعل يرحل الجيشان، ويصير على اللصوص الثلاثة أن يجدوا القبر.. ويكتب الأشقر اسم صاحب القبر على حجر ويلقي به في الهواء، ثم يدعو الاثنين الآخريْن إلى مبارزة بالمسدسات من أجل اسم صاحب القبر.

هكذا يلعب المونتاج لعبة بارعة جدًا إذ يتبادل الثلاثة النظرات وكل واحد يخشى أن يبدأ، والعرق يبلل الجِباه، بينما تتعالى موسيقا أنيو موريكوني لتجعل الانتظار جحيمًا.. لقد طلب منه المخرج مقطوعة توحي بأن الجثث تضحك في قبورها. هذا المشهد علامة مميزة لإخراج سيرجيو ليوني..



شاهد هذا المشهد الساحر هنا



تنتهي المواجهة بمقتل إينجل آيز (الشرس).. ويجد توكو نفسه مكلفًا بحفر القبر تحت تهديد السلاح ليخرج الذهب.. ثم يربط الأشقر يديه خلف ظهره، ويعلقه على حبل مشنقة يتدلى من غصن شجرة، ويتركه وحده في الصحراء، وبجواره نصيبه من الذهب..

تمر لحظات نتصور فيها أن توكو انتهى أمره، لكن الأشقر يظهر من جديد قادمًا من الأفق.. وفي مشهد يذكرنا ببداية الفيلم يطلق رصاصة، فيقطع حبل المشنقة ويتحرر توكو، ثم يبتعد الأشقر في الأفق من جديد.

لا يمكن القول إنه دلـّله أو عامله برفق، لكنه على الأقل ترك له حياته ونصيبه من الذهب. ويصرخ توكو في غضب ناعتًا الأشقر بسبة بذيئة، لكننا لا نسمعها لأن الصرخة الشهيرة الشبيهة بصياح الكويوتي، المميزة للحن تتعالى فتخرس صوته..



شاهد هذه اللقطة الشهيرة هنا



برغم أن الحوار في الفيلم شحيح جدًا، فأنت تدرك على الفور موهبة الممثلين العظيمة، وقد تميز بالذات إيلي والاش في دور القبيح، وكان المخرج قد أعجب بأدائه في فيلم "كيف صنع الغرب". إنه مضحك ومهرج بطبعه، لكنه كذلك خطير جدًا. ويقال إن هذه صفات سيرجيو ليوني (المخرج) نفسه، لهذا كان هذا الدور قريبًا جدًا إلى قلبه.

كان ليوني قد قرأ كثيرًا عن الحرب الأهلية الأمريكية، واندهش جدًا لغباء الناس.. فهذه حرب بين أخ وأخيه بلا أي مبرر أو نفع. كل هذه الحيوات تضيع بلا مبرر، ولهذا خطر له أن يستغل هذه الحرب السخيفة كخلفية لفيلمه.

وبما أن هذا هو الفيلم الثالث في ثلاثية الدولارات، فقد تضايق كلينت ايستوود جدًا لأنه كان وحده في الفيلم الأول.. ومع نجم ثانٍ في الفيلم الثاني.. الآن صار مع ثلاثة.. وبدا له أنه لو قدم فيلمًا رابعًا لشاركه الجيش الأمريكي البطولة! والحقيقة أن ايستوود لم يعمل مع ليوني قط بعد ذلك، وإن كان المخرج الملتحي قد وضعه على طريق النجومية للأبد.

الفيلم ما زال يحتل مكانة مهمة في تاريخ السينما، وقد اختاره المخرج تارانتينو كأفضل فيلم على الإطلاق، بينما احتل الموضع الرابع مرارًا في قائمة أفضل الأفلام في قاعدة معلومات الأفلام، وهو ثابت بين أول خمسة أفلام في قائمة مجلة إمباير لأعظم أفلام في التاريخ.

57. Alien (1979)

R | 117 min | Horror, Sci-Fi

89 Metascore

The crew of a commercial spacecraft encounters a deadly lifeform after investigating a mysterious transmission of unknown origin.

Director: Ridley Scott | Stars: Sigourney Weaver, Tom Skerritt, John Hurt, Veronica Cartwright

Votes: 951,348 | Gross: $78.90M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

عندما يأتي المخرج السينمائي من عالم الإعلانات؛ فهو يملك سيطرة كاملة على أدواته السينمائية، ويقدر على أن يقول ما يريد بشكل بليغ، كما أنه قادر على أن يستولي على المُشاهد بسهولة تامة، وقد كان ريدلي سكوت مخرج إعلانات مرموقا قبل أن يدخل عالم السينما الروائية؛ حيث قدّم سلسلة أفلام ناجحة تذكر أنت منها: "المصارع" و"مملكة السماء" و"سقوط الصقر الأسود" و"هانيبال" و"برومثيوس" و"بليد رانر".. الفيلم الأخير يعتبره كثيرون أهم فيلم خيال علمي على الإطلاق بعد "2001 أوديسا الفضاء"، وبالتأكيد لنا لقاء معه إن شاء الله.

لكن الناس عرفت اسم ريدلي سكوت أوّل مرة واهتمت به جدا مع فيلم "الغريب" الذي قدّمه عام 1979.. هذا الفيلم قد أوجد عالمه الخاص من التأثيرات وطرق التصوير والإضاءة، ولا شك أنه ترك آثارا عميقة في أفلام الخيال العلمي التالية؛ خاصة "ماتريكس" مع سلسلة كاملة من استطرادات فيلم "الغريب" وبالذات بعد ما استكمل السلسلة جيمس كاميرون.. كما أنه مصدر الفيلم السخيف "الغريب ضد المفترس" الذي حاول جمع فيلمَي رعب في فيلم واحد، لكنه فشل.

هناك نمط سفينة الفضاء.. للمرة الأولى تبدو سفينة الفضاء متاهة مظلمة يمكن أن يقع فيها أي شيء، وفي الوقت نفسه هي بالية ومستهلكة ومكسوّة بالشحم.. كانت العادة أن تكون سفن الفضاء باردة برّاقة صناعية، أما هنا فسفينة الفضاء تُذكّرك بتريللا تعمل بين القاهرة والسويس مثلا.. إن قوة ريدلي سكوت البصرية لا يمكن الشك فيها؛ فهو لا يرى أي شيء كما نراه نحن؛ مثلا لا يستطيع أحد نسيان السفينة الفضائية المهجورة الموحشة المتروكة في كوكب بعيد، بينما يقوم ثلاثة روّاد باستكشافها وهم ضئيلو الحجم كالنمل في عالم شديد الغرابة ومعاد تماما.. هناك كذلك الوحش الفاتن الذي يظهر في هذا الفيلم.. هو شيء قريب من صرصور عملاق أو حشرة مخيفة هائلة؛ هذا الشكل ظهر كلوحة في ألبوم الفنان السريالي السويسري جايجر، وقد أعجب به ريدلي سكوت جدا فاشتراه منه، وكلّفه بعديد من التصميمات الأخرى، ثم قام بتصميم الوحش نفسه خطوة خطوة مع صانع المؤثرات الخاصة الساحر ستان ونستون.. لم يستخدم الكمبيوتر ومؤثراته الخاصة اللعينة في هذا الفيلم.. المؤثرات كلها ميكانيكية.. إن مؤثرات الكمبيوتر تثير جنوني، فمهما بلغت براعة المصممين فأنت تشعر بأن الأجسام خفيفة بلا وزن، وتقفز في وجهك.. لقد سقطت أفلام كاملة بسبب رداءة الكمبيوتر مثل "المومياء تعود" عندهم و"الكافير" عندنا، أما هنا فالوحش ثقيل ومرعب وله أنفاس ثقيلة مشبعة ببخار الماء، وله حضور مفزع.

الناس عرفت اسم ريدلي سكوت واهتمت به مع فيلم "الغريب" الناس عرفت اسم ريدلي سكوت واهتمت به مع فيلم "الغريب"

هناك كذلك نمط البطلة سيجورني ويفرّ المسترجلة الخالية من الأنوثة تماما وهذا جزء مهم من سحرها.. هكذا صار من العسير أن تتخيّل السلسلة من دونها.. فيما بعد قامت ببطولة فيلم "الغرباء" مع الممثلة وينونا رايدر.. قالت لها وينونا إنها كانت في التاسعة عندما رأت فيلم "الغريب" الأول وأصيبت بالهلع، هنا قالت سيجورني ويفر في غيظ: "أهلك يستحقون السجن.. كيف يسمحون لطفلة في التاسعة برؤية فيلم كهذا؟".

القصة ليست أصيلة تماما، كتبها دان أوبانون وكتب السيناريو والتر هيل.. خبراء أفلام الخيال العلمي وجدوا أنها مشتقة من أفلام عديدة سابقة؛ منها "المدمر الأسود" و"هو: الرعب من الفضاء الخارجي".. المهم هو ما صنعه سكوت بهذه العجينة، قال كاتب السيناريو فيما بعد: "لم أسرق فيلم "الغريب" من أي واحد.. سرقتها من كل واحد".

بالفعل لا توجد ثغرات في هذا الفيلم تقريبا، كما أنه متعة بصرية لا شك فيها.

عندما يفيق رواد الفضاء الغارقون في سبات صناعي، نعرف أن السفينة العتيقة "نوسترومو" -وهو اسم البحار لدى جوزيف كونراد في قصصه- تستكشف حدود المجرة بناء على نداء استغاثة، وتهبط على كوكب غريب مخيف، به سفينة فضاء ساقطة مهجورة.. يعرفون فيما بعد أن ما سمعوه لم يكن استغاثة لكنه تحذير.

الحقيقة أن شيئا من السفينة المهجورة يتسلل إلى سفينة "نوسترومو"، ويلتصق بوجه أحد الرواد، وسوف نستغرق وقتا طويلا جدا كي نرى ذلك الكائن الذي تسلل والذي يطلق عليه الفيلم اسم "الغريب".. نعرف كذلك أنه يمارس حياته كطفيل ينمو داخل أحد أفراد الطاقم ثم يتركه ويهاجم آخر، وهكذا...

هذا تصميم فائق البراعة من ستان ونستون عميد المؤثرات الميكانيكية، والذي اعتمد كما قلنا على رسوم الفنان السويسري جايجر.

هنا تبدأ لعبة الكائن الذي يجول في السفينة ويمكنه أن يدمّر أشكال الحياة الأخرى ويتغذّى عليها.. في مشهد تم حذفه من الفيلم كان عضوا الطاقم دالاس وبريت حيين حتى النهاية داخل شرنقة؛ أي أن الكائن كان يعدهما لغذاء أولاده حديثي الفقس.

هذا الجو المتوجس الهتشكوكي يعتصر أعصابك حتى النهاية، ويبتكر ريدلي سكوت تقنيات جديدة تماما، مثل تقدّم الوحش نحو أحد أفراد الطاقم على إحداثيات الشاشة، كأنك ترى لعبة فيديو مخيفة.. فقط أنت تعرف أنها حقيقية تماما.



يتسلّل الوحش لأفراد الطاقم واحدا تلو الآخر.. هناك مشهد رجل الطاقم الذي ينفجر صدره ليخرج منه الكائن، وهو مشهد شهير جدا في سينما الرعب، وقد تمّ استنساخه مرارا بعد ذلك.



هناك كذلك الفوز بواحد تلو آخر من الطاقم؛ فلا تنجو إلا الضابطة ريبلي، وهي التي تستطيع تدمير الغريب في النهاية.



شاهد الرأس المقطوع الذي بَقِي بعد تفحّم الجسد بقاذف اللهب، وهو رأس آش.. واحد من الطاقم، وفيما بعد سنكتشف أنه رأس روبوت كما سنعرف.



شاهد تريللر الفيلم هنا

تذكّر كذلك أن فيلم "برومثيوس" -لنفس المخرج- يعرض الآن، وهو المقدّمة السابقة prequel لفيلم "الغريب"؛ بمعنى أنه يرينا كيف بدأ كل شيء.. كان على المشاهد أن ينتظر نحو 25 عاما حتى يعرف.

58. The Usual Suspects (1995)

R | 106 min | Crime, Drama, Mystery

76 Metascore

The sole survivor of a pier shoot-out tells the story of how a notorious criminal influenced the events that began with five criminals meeting in a seemingly random police lineup.

Director: Bryan Singer | Stars: Kevin Spacey, Gabriel Byrne, Chazz Palminteri, Stephen Baldwin

Votes: 1,145,861 | Gross: $23.34M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

خمسة متهمين.. طابور عرض واحد.. لا مصادفات.. هذا هو الـTagline الشهير الخاص بفيلم "المشتبه فيهم المعتادون"، وهي عبارة ذكية تستعمل قاعدة "الثلاثة" الشكسبيرية التي تنجح دائما.. بصرف النظر عن هذه العبارة؛ فالفيلم له عشّاق كثيرون، ولا شك أنني أعتبره فيلما حديثا جدا، لكن رسائل القرّاء طالبتني بالكلام عنه مرارا، وهذا يُشبه ما حدث مع فيلم "فورست جام".. كنت أريد أن يقتصر هذا الباب على الأفلام القديمة أو المجهولة، لكني كذلك مطالَب باحترام طلبات القرّاء.

هذا الفيلم الجميل قدّمه المخرج الشاب برايان سنجر عام 1995 كان وقتها في سن الثلاثين، وهو نفس المخرج الذي قدّم لنا: "فالكيري" و"تلميذ نجيب" و"الرجال إكس" و"سوبرمان يعود"، ولي تحفّظات معينة عليه لكن أفلامه ممتعة بالتأكيد.

صار للفيلم أتباع كثيرون، وأعتقد أنه من أوائل الأفلام التي استخدمت أسلوب منحنى النهاية المحيّر Twist، كما أن الجدل ما زال مستمرا بين مشاهدين كثيرين في محاولة فهمه، وهناك جدل حول الأفضل تمثيلا، لكن الأكاديمية اتخذت قرارها بالفعل وأعطت أوسكار أفضل ممثّل مساعد لكيفين سبيسي، بما أنه من استوديو الممثل فقد أتعبه الدور جدا وقد قام بلصق أصابع يده اليسرى معا، ونشر كعب حذائه ليوحي بالإعاقة.

قدم هذا الفيلم المخرج الشاب برايان سنجر قدم هذا الفيلم المخرج الشاب برايان سنجر

"أعظم خدعة فعلها الشيطان هو أنه أقنع العالم أنه غير موجود!" (بودلير)

كتب الفيلم كرستوفر ماكواري، وقام ببطولته مجموعة ممتازة من الأبطال في مباراة أداء مذهلة.. من ضمن الأسئلة الشائعة بصدد الفيلم أن تحاول تذكر ترتيب الأبطال من اليسار لليمين في بوستر الفيلم؛ المشتبه بهم بالترتيب من اليسار لليمين هم: كيفين بولاك ثم ستيفن بولدوين ثم بينتشيو دل تورو ثم جابرييل بايرن ثم كيفين سبيسي.

إن الفيلم يدور حول استجواب لص قليل الشأن مصاب بشلل مخي (كيفين سبيسي) نجا من مذبحة وقعت على سفينة في ميناء بلوس أنجيلوس؛ مذبحة قتلت 27 واحدا من رجال العصابات والمهربين، يجدهم رجال الشرطة محترقين. هناك حبكة شديدة التعقيد، وهناك لص يشبه الآباء الروحيين للمافيا اسمه "قيصر زوسي"، لا يراه أحد لكن من الجلي أنه مسئول عن كل هذا.. إنه من أصل تركي.

عندما سألوا الممثل جابرييل بايرن في مؤتمر صحفي في كان: من هو قيصر زوسي؟ قال للصحفيين: منذ بدأ التصوير وحتى هذه اللحظة كنت أحسبني هو!! هذا ليس مزاحا.. فقد أقنع المخرج كل ممثل سرا أنه هو قيصر زوسي.

إن كيفين سبيسي يحكي القصة لرجال مكتب الاستخبارات الفيدرالي، وهذه القصة فلاش باك طويل هو الفيلم نفسه، والقصة بدأت قبل هذا بشهر ونصف الشهر.

نعود بالزمن إلى العرض القانوني الذي يرتبه رجال الشرطة لخمسة رجال عصابات متهمين بالسطو على شاحنة.. الرجال أبرياء، لذا يصمّمون على تنفيذ عملية انتقام حقيقية ضد الشرطة. هذا المشهد شهير جدا ولا يمكنك أن تعرف بالضبط مقدار ما هو حقيقي منه وما هو تمثيل. الحقيقة أن أداءهم طبيعي لدرجة مدهشة، ويقال إن سبب ضحكهم هو أن دل تورو لم يستطِع التحكم في غازات بطنه فانفجر الباقون ضحكا.



السطو تمّ على مجموعة من الضباط الفاسدين الذين يقومون بنقل المهربين، ويطلقون على هذا "أفضل خدمة تاكسي" في العالم.

يتورّط اللصوص بعد هذا في عملية سطو على محل مجوهرات.. يتبيّن أن المحل يتعامل مع الهيرويين، ثم يتورطون في الهجوم على سفينة تنقل شحنة من الكوكايين. هناك حشد ممتاز من اللصوص بين أرجنتينيين يبيعون ومجريين يشترون.. عليهم التعامل مع غابة الوحوش هذه.

أثناء التحقيق يحكي كيفين سبيسي لرجال الشرطة من هو قيصر زوسي.. التركي الغامض المتوحش الذي يبدو أكبر من الحياة نفسها.

إنه قتل أفراد عصابة منافسة اغتصبت زوجته وتسبّبت في قتل أطفاله.. أولا قتل زوجته وأطفاله ثم قتل المجرمين، ثم توارى في عالم الجريمة السفلي كشبح. كل رجل من المشتبه فيهم اقترف شيئا أغضب زوسي، وزوسي لا يغفر بسهولة ولا ينسى. لذا كان انتقامه مريعا.

مع السرد تتكامل الصورة أكثر، لكننا نشك بقوة في أن قيصر زوسي له وجود أصلا.. لربما كان من نسج خيال الشاهد.. المفاجأة الأكبر تتضح في مشهد النهاية ولا يمكن أن أحكيها حتى لا أفسد الفيلم نهائيا عليك لو لم تره.



لكنك تسمع عبارة بودلير السابقة "أعظم خدعة للشيطان.. إلخ"، مع صوت الشاهد يقول: "وهكذا اختفى!".

هناك تلميح خافت جدا للحقيقة؛ لأن المشتبه فيه قبل رحيله يسترد حاجياته وهي ساعة وقداحة ذهبيتان، ونحن رأينا زوسي يستعملهما قبل هذا في الفيلم وإن كنا لم نرَ وجهه. تلميح آخر مهم هو أن اسم البطل في الإنجليزية له نفس معنى "زوسي" في التركية؛ أي "الثرثار".

وُلِدت فكرة الفيلم من مقال عن الجاسوسية في إحدى المجلات، وكان يحمل هذا العنوان الغريب "المشتبه فيهم المعتادون"، ثم ولدت الصورة البصرية للعرض القانوني في ذهن برايان سنجر.. لم تكن هناك أي فكرة عن موضوع الفيلم بعد، لكنّ هناك خيوطا من عدة جرائم شهيرة تم جمعها.

سوف نجد في الفيلم لعبا واضحا على حيلة روائية شهيرة هي "الراوي الذي لا يوثق فيه"، ولهذا رأى سينجر أن فيلمه قريب جدا في تركيبه من فيلم راشمون للعبقري الياباني "أكيرا كوروساوا" حيث يحكي كل واحد القصة بطريقته.

شاهد تريللر الفيلم هنا

هذا عمل مشوّق يتمتّع بسيناريو محكم وأداء ممتاز من الممثلين.. لا عيب فيه سوى أنه جديد جدا بالنسبة لي؛ لهذا لا أحتفظ به في الحافظة الزرقاء.. ربما على القرص الصلب لكني لست متأكدا.

59. Citizen Kane (1941)

PG | 119 min | Drama, Mystery

100 Metascore

Following the death of publishing tycoon Charles Foster Kane, reporters scramble to uncover the meaning of his final utterance: 'Rosebud.'

Director: Orson Welles | Stars: Orson Welles, Joseph Cotten, Dorothy Comingore, Agnes Moorehead

Votes: 466,099 | Gross: $1.59M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

لدي مكتبة سينمائية ضخمة بها كتب عديدة تتكلم عن تقنيات السينما وحرفياتها، ومنذ بدأتُ القراءة في هذه الكتب كان اسم فيلم "المواطن كين" (1941) يتكرر نموذجًا للتقنيات الثورية في كل شيء تقريبًا.. يبدو أن هذا الفيلم مرجع للسينمائيين في فنون السيناريو والتصوير والقطع والمزج والمسح، والانتقال من كادر لكادر واستخدام الإضاءة، والإفراط في استعمال البؤرة العميقة... إلخ. الأغرب ما عرفته فيما بعد أن مخرج الفيلم وبطله الفنان الظاهرة أورسون ويلز كان في سنّ صغيرة جدًا عندما قدّم هذا الفيلم، ولم يكن يملك أية خبرة سينمائية لذا تظاهر بأنه يعرف، وعلّم نفسه السينما أثناء العمل! أي أن معظم هذه التقنيات من ابتكاره، ولم تكن معروفة قبل ذلك.. هذا نموذج لشخص جاء من الخارج، فلم يعرف تقاليد الوسط الذي جاء له، والتي يكررها الجميع جيلاً بعد جيل.. فكّر خارج القوقعة فلم يقلّد أحدًا، وصار كل ما قدّمه جديدًا وذا أهمية مرجعية في تاريخ السينما.

في أوائل الثمانينيات عرض الفيلم "المواطن كين" في برنامج نادي السينما في التليفزيون أيام مجده، فعرفت على الفور أنه عالم خاص جدًا. ومن حين لآخر تصدر إحدى المجلات أو الهيئات حصرًا لأفضل 200 أو 250 فيلمًا في التاريخ.. هناك فرصة لا بأس بها أن يكون هو رقم واحد في كثير من هذه القوائم، حاليًا هو رقم 37 ضمن 250 فيلمًا في موقع IMDB. الناقد الأمريكي روجر إيبرت كتب بصراحة: الأمر منتهٍ.. المواطن كين هو أعظم فيلم في تاريخ السينما! كما أن ويلز ينال غالبًا لقب أفضل مخرج في التاريخ في استفتاءات معاهد السينما.

صار العالم كله يعرف اسم أورسون ويلز عام 1938 عن طريق المذياع، ومعظمكم يعرف قصة تمثيلية حرب العوالم الشهيرة.. التمثيلية الإذاعية التي أخرجها ويلز، والتي بدأ تقديمها في الولايات المتحدة، وابتكر طريقة عجيبة لأول حلقة منها: الإرسال ينقطع لتغطية هبوط طبق طائر في مزرعة.. صوت المراسل المذعور يصف لنا الأحداث، ثم ينفتح الطبق الطائر ونسمع مؤثرات دقيقة جدًا، ويبدأ غزو فضائي.. كل هذا بدأ كتغطية إعلامية على الهواء، مما أحدث ذعرًا في أمريكا كلها، وامتلأت الطرقات بالفارين من بيوتهم والسيارات.. لقد انفلت الوضع تمامًا، واضطر المذياع إلى أن يعلن مرارًا أن كل هذا تمثيل..

أورسون ويلز ينال غالبًا لقب أفضل مخرج في التاريخ في استفتاءات معاهد السينما أورسون ويلز ينال غالبًا لقب أفضل مخرج في التاريخ في استفتاءات معاهد السينما

هكذا اتصلت هوليوود شركة RKO الباحثة عن الأسماء اللامعة بويلز الذي لا يفقه شيئًا في السينما، لكنه لم يخبرهم بهذا طبعًا. لقد نال وضعًا قلّما يحلم به شاب آخر هو أن بوسعه أن يفعل ما يريد كما يريد. فكّر أولاً في قصة "قلب الظلام" لكونراد، ثم قرر أن يعمل على سيناريو أعدّ خصيصًا للسينما، وكتبه بنفسه مع السيناريست هيرمان مانكفيتش، والأخير كاتب سيناريو عبقري لكنه سكير مما أدى لتحطيم مستقبله. استطاع ويلز بخياله القوي البكر أن يحفر اسمه بقوة في تاريخ السينما، لكن مشاكله وصراعاته مع الاستوديوهات في الأفلام التالية كلّفته الكثير من قوّته، ولم يستطع قط أن يقدّم عملاً له قوة المواطن كين حتى توفي عام 1985، وإن عرف العالم ملامحه القوية له أصل تتري ومواهبه العديدة كمدير مسرح وساحر ومخرج وممثل ممتاز ومذيع له صوت مميّز.

عندما قدّم ويلز فيلم المواطن كين، كان كل واحد يعرف أنه يتحدث عن عملاق الصحافة الأمريكي وليم راندولف هيرست، لكن لم يقل هذا بشكل رسمي طبعًا، وتظاهر الجميع بأنهم لا يفهمون.

للمرة الأولى تتخذ قصة الفيلم شكل تحقيق صحفي.. ومع اكتمال كل جزء من أجزاء التحقيق نعرف جانبًا آخر من حياة المواطن كين..

إن المواطن كين هو أحد أعمدة الاقتصاد الأمريكي، وإمبراطور الصحافة.. الرجل الذي يملك كل شيء، وبنى لنفسه مملكة خاصة اسمها زانادو فيها كل شيء حتى الأفيال والنمور! مات كين وحيدًا.. وكانت آخر كلمة قالها هي برعم الوردة rosebud.. فيما بعد لاحظت مجلة إمباير خطأ في هذا المشهد؛ لأن أحدًا لم يكن جواره على الإطلاق عندما لفظ هذا الاسم في الفيلم!

مشهد الوفاة يعجّ بالظلال والغموض، كما ينطق بتلك الحقيقة القاسية المثيرة للشفقة: مهما بلغ ثراؤنا ونفوذنا فنحن نموت وحيدين... تصوير جريج تولاند الأبيض والأسود جعل المشهد أقرب للكوابيس:

شاهد هذا المشهد المهيب مع مقدمة الفيلم هنا

الآن تجمع الصحف مخبريها، وتكلّفهم بالبحث في كل مكان وتحت كل حجر لمعرفة ما هو برعم الوردة هذا؟ هل هو اسم تدليل لعشيقة لا يعرفها أحد؟ هل هي مملكة جديدة؟

هكذا تدور التحقيقات طيلة الفيلم.. يقابل الصحفيون كل من تعامل كين، ومع الوقت نعرف جوانب مهمة من شخصيته وتاريخ صعوده...

مثلاً في جولة في ملفات المحاسب الخاص به يعرف الصحفي الكثير عن طفولة الرجل.. لقاء زوجته يخبرنا بحياته العاطفية.. يقابل الصحفي خادمه ومدير أعماله.. هنا نعرف القصة من عدة رواة، بعضهم ضعفت ذاكرته وبعضهم غير موثوق به، كما نعرف جزءًا كبيرًا من نشرات الأخبار السينمائية.. هذه طريقة لم تكن معروفة قط في ذلك الوقت. هناك أساليب لا حصر لها مثل مرور الزمن بسرعة على علاقة كين وزوجته التي تبدأ بالسعادة وتنتهي بالخلافات.. نحو خمسة عشر عامًا تمر أثناء الجلوس إلى مائدة الإفطار، فقط يكبر الاثنان وتتبدل ثيابهما والمحادثة مستمرة..

هكذا تتكون لدينا ببطء الصورة الكاملة.. طفولته الفقيرة التعسة.. حياته وصعوده في عالم الصحافة وشراء جريدة انكوايرر. خيانته لزوجته مع مطربة أوبرا.. ثم افتضاح هذه العلاقة وزواجه من عشيقته.. ثم كيف حاول أن يصنع منها نجمة أوبرا وفشل.. ثم عاملها بلا مبالاة وقسوة لدرجة أنها حاولت الانتحار..

شاهد مدرّب الأصوات الإيطالي يوشك على الجنون، هنا يذكرني بعبد السلام النابلسي جدًا

الفيلم يرسم لنا ببراعة شخصية متسلطة متشككة تحاول السيطرة على كل شيء، وتنتهي حياتها بعزلة كريهة فعلاً. في النهاية يعلن الصحفي يأسه من معرفة كنه برعم الوردة ويرحل..

لكن الفيلم يحتفظ لنا بتفسير بسيط أخير.. نرى زحافة ثلج صغيرة مهملة يتم حرقها، وقد كتب عليها برعم الوردة. الزحافة التي كان يلعب بها في طفولته وتخلّصت منها أمه. لقد صار مليارديرًا وامتلك أمريكا كلها تقريبًا، لكنه ظل يشعر بعدم اكتمال؛ لأنه لم ينل الشيء الذي كان يحبه حقًا في طفولته.. طفولته عندما كان سعيدًا بلا شروط. وهذا نوع من تكرار تعبيرنا الشعبي: "اللي ما شبعش على طبلية أبوه مش هيشبع أبدًا".

شاهد النهاية هنا

عرف هيرست -ملك الصحافة الأمريكية- أن الفيلم يتكلم عنه، وقاد حربًا إعلامية عنيفة ضده، كما منع نشر أي خبر عنه في أية جريدة يملكها.. طبعًا كان يملك كل الجرائد تقريبًا.. وعرض مبالغ ضخمة على الشركة مقابل تدمير الفيلم دون عرضه. هكذا لاقى الفيلم حربًا حقيقية استمرت لعدة عقود.

عرفنا أن الفيلم كان ثورة فنية، لكنه لم يحقق نجاحًا تجاريًا يُذكر، وهذا جعل هوليوود أكثر تحفظًا مع ويلز بعد ذلك.. لم يعد هو الملك المتحكم في كل شيء، بل صار من حق الشركة أن تراقب المونتاج وتعدّل النهايات... إلخ. وقد ظهر هذا في فيلمه التالي آل أمبرسون العظماء، الذي لم يعد هو فيلمه على الإطلاق من كثرة التدخّل.

تميز الفيلم كما قلنا بابتكارات تقنية لا حصر لها، كما تميز بالبؤرة العميقة في التصوير، بحيث يظهر ما هو قريب وما هو بعيد عن الكاميرا بذات الوضوح. أحيانًا اقتضى هذا تعريض نفس الفيلم مرتين مرة للخلفية ومرة للمقدمة. باختصار كان كين طفلاً مزعجًا مصرّا على عمل كل شيء بطريقة متعبة غير التي استكان لها السينمائيون.

هذا فيلم آخر من الحافظة الزرقاء...

60. Rear Window (1954)

PG | 112 min | Mystery, Thriller

100 Metascore

A wheelchair-bound photographer spies on his neighbors from his Greenwich Village courtyard apartment window and, despite the skepticism of his fashion-model girlfriend, becomes convinced one of them has committed murder.

Director: Alfred Hitchcock | Stars: James Stewart, Grace Kelly, Wendell Corey, Thelma Ritter

Votes: 522,262 | Gross: $36.76M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

حتى لو لم تكن قد رأيت الفيلم الأصلي، فمن المؤكد أنك رأيت النسخة الحديثة منه، المنتَجة عام 2007، والتي كانت باسم Disturbia.

الفيلم الحديث من بطولة شيا لابوف، وهو فيلم ممتع متقن الصنع، لكن لا أحد يمكن أن يتفوق على هتشكوك أبدًا.

هذا الفيلم أوضحُ نموذج لطريقة هتشكوك وأستاذيته في خلق جو التشويق، كما أنه يحمل بقوةٍ بصماته: البراعة في الإخراج في مكان ضيق بطبعه.. إقحام المشاهد في الحدث.. البطلة الشقراء الأنيقة الثرية التي يعشق هتشكوك أن يضعها في الخطر كهواية خاصة لديه.. لا دماء ولا مشاهد قتل تقريبًا.. إن هتشكوك الذي تعج أفلامه بالجرائم قد قدم أقل قدر من الدماء بين المخرجين جميعًا!

هتشكوك الذي تعج أفلامه بالجرائم قد قدم أقل قدر من الدماء بين المخرجين جميعًا! هتشكوك الذي تعج أفلامه بالجرائم قد قدم أقل قدر من الدماء بين المخرجين جميعًا!

في هذا الفيلم نتحول إلى متلصصين، ثم ندفع ثمن هذا التلصص كاملاً!

قدم هتشكوك الفيلم عام 1954 ومن السهل أن تراه في التليفزيون لأنه يُعرض كثيرًا جدًا. القصة كتبها جون مايكل هايز، عن قصة قصيرة لكاتب آخر اسمها "لابد أنها جريمة قتل".

يدور الفيلم حول مصور فوتوغرافي هو جيمس ستيوارت، الذي يكسر قدمه ويضطر إلى أن يقضي الوقت الممل في غرفته.. فلا يجد تسلية سوى الجلوس خلف النافذة ومراقبة الجيران..

في فيلم Disturbia يضطر البطل إلى ملازمة البيت لأن الشرطة ترغمه على ذلك، عن طريق قيد إلكتروني يحيط بقدمه.

إنه الصيف وكل الجيران يفتحون نوافذهم، هكذا يستطيع المصور -عن طريق البقاء في الظلام- أن يرى كل ما يحدث في بيوت الآخرين.. يساعده على ذلك أنه يمتلك عدسة زووم قوية جدًا تقرب له الأشياء.



شاهد هوايته في التلصص هنا

يتعرف على مجموعة الجيران التقليدية.. مشاجرات الأزواج.. الكلب الصغير اللطيف الذي تنزله صاحبته كل صباح ليلعب قليلاً.. ثم التاجر المتجول غريب الأطوار الذي يعيش مع زوجته المقعدة.



شاهد هذا الجزء هنا

تتردد على المصور في محبسه خطيبته الرقيقة (جريس كيلي) -عندما كانت ممثلة قبل أن تصير أميرة موناكو- كما تسليه قليلاً مدبرة البيت العجوز الثرثارة، لكنه يوشك على الجنون من فرط الملل طبعًا. تبدأ الشكوك لدى المصور عندما يلاحظ الجولات الليلية المتكررة للتاجر الذي يحمل حقيبة كبيرة يخرج بها في كل مرة. يلاحظ كذلك أن زوجته اختفت.. وأنه ينظف مجموعة من السكاكين الضخمة.

يحكي ظنونه لخطيبته ولصديقه مفتش الشرطة، لكن صديقه لا يجد ما يريب في هذه القصة.



شاهده هنا وهو يحكي شكوكه لخطيبته وقد بدأ الأمر يسترعي اهتمامها

لا يبقى الحي سعيدًا للأبد.. إن الجيران يكتشفون جثة الكلب اللطيف في الحديقة.. تصرخ صاحبة الكلب فيبرز كل الجيران من نوافذهم ما عدا ذلك التاجر الغامض.. لكن السيجار الذي يدخنه يتوهج في ظلام غرفته بما يعني أنه الوحيد الذي يعرف ما حدث للكلب.

نظرية المصور تتكون ببطء.. التاجر قتل زوجته، ومزق جثتها، ودفنها على أجزاء في الحديقة. الكلب الصغير عرف أكثر مما ينبغي وهو ينبش في أحواض الزهور، من ثم كان يجب أن يموت.

بما أنه عاجز عن الحركة؛ فإنه يكلف خطيبته بأن تقوم من أجله بمهمة خطرة.. تضع تحت باب التاجر مذكرة تتهمه فيها بقتل زوجته، وعليه أن يراقب رد فعل الرجل عندما يرى المذكرة.. هكذا يعتصر هتشكوك كل توتر المشاهدين وخوفهم وهم يرون التاجر الفظ يقترب من باب الشقة، بينما الفتاة الرقيقة توشك على وضع المذكرة من الناحية الأخرى.. هذا هو أسلوب هتشكوك المميز إذ يجعل المشاهدين يصرخون: انتبهي!.. لا تفعلي!..

تنجو الفتاة بمعجزة.. وهنا ينتقل المصور إلى الخطوة التالية..

تقوم الفتاة ومدبرة المنزل بتفتيش أحواض الزهور بحثًا عما وجده الكلب. لضمان ألا يلاحظ التاجر شيئًا يتصل به المصور ويتظاهر بأنه يريد ابتزازه، ويحدد له موعدًا للقاء في بار. تنتهز الفتاة فرصة رحيل التاجر لتتسلل إلى شقته، لكنه يعود في وقت غير مناسب ويقبض عليها..



شاهد هذا المشهد هنا

يتصل المصور بالشرطة لينقذوا الفتاة قبل أن يفتك بها التاجر، وبالفعل تنجو بمعجزة ما، لكن ليس قبل أن يلاحظ التاجر أنها تعطي إشارات خفية من وراء ظهرها وتلوح بخاتم الزوجة الذي وجدته.. هناك من يتصل بها.. يرفع عينيه فيرى المصور هناك في شقته يراقب كل شيء خلف النافذة.. لقد فهم !



شاهد هذا المشهد هنا

هكذا تذهب الفتاة مع الشرطة بتهمة التسلل لشقة ليست شقتها، وتذهب مدبرة البيت لتدفع لها الكفالة. هكذا يجد المصور نفسه وحيدًا في البيت.. وطبعًا لا يستطيع الحركة لأنه حبيس المقعد المتحرك.. في هذه اللحظة يقتحم التاجر القاتل الشقة وقد عرف من أين يأتي التهديد..

لقد جاء الانتقام من المصور بسبب تلصصه. والمثير أننا نشعر بأن هذا عقابنا أيضًا.. إن عملية مشاهدة الأفلام في حد ذاتها جزء من عملية التلصص على ما يحدث للآخرين.. شاشة السينما هي نافذتنا الخلفية التي نرى من خلالها كل شيء، لكنها تجعلنا في خطر داهم.

هنا أتركك لتكمل الفيلم بنفسك فهذا هو مشهد الذروة..

كما قلنا كان الفيلم درسًا في بناء التشويق والتوتر، وكل هذا بأناقة وبأقل قدر من الدماء. كل ديكور المنطقة السكنية تم بناؤه خصيصًا، وكان لذلك من أضخم الديكورات التي قامت شركة Paramount ببنائها، كما أنه استعمل إضاءة عالية جدًا ليوحي بالشمس الساطعة.

لاقى الفيلم آراءً إيجابية متحمسة من الجمهور والنقاد معًا، بحيث صار من العسير أن تجد من يكرهه أو يعتبره مملاً. يحتل الفيلم المركز رقم 48 في قائمة أفضل الأفلام في تاريخ السينما، حسب معهد السينما الأمريكي، والبعض يعتبره أروع أفلام هتشكوك على الإطلاق، وقد قام المخرج العالمي فرانسوا تريفو بعمل دراسة مدققة عنه في مجلة كراسات السينما.

إن هذا الفيلم مشوق حقًا، ولو كنت لم تره فإن متعة هائلة تنتظرك..

كان هذا فيلمًا آخر من أفلام الحافظة الزرقاء.

61. The Great Escape (1963)

Approved | 172 min | Adventure, Drama, Thriller

86 Metascore

Allied prisoners of war plan for several hundred of their number to escape from a German camp during World War II.

Director: John Sturges | Stars: Steve McQueen, James Garner, Richard Attenborough, Charles Bronson

Votes: 259,001 | Gross: $12.10M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

كانت الحرب العالمية الثانية شلالا تفجّرت منه مئات الأفلام المثيرة التي تحوي ذروة لحظات الشجاعة والعاطفة والألم والخوف والموت والإصرار، ومن ضمن هذه الأفلام برز فيلم "الهروب الكبير - 1963" الذي يصف محاولة بطولية لأسرى الحلفاء للفرار من سجن ألماني شهير، لكن القصة الأصلية حقيقية ومعروفة لكل مَن قرأ في تاريخ الحرب العالمية.

جون ستيرجيس مخرج أمريكي بالغ الأهمية جون ستيرجيس مخرج أمريكي بالغ الأهمية

المخرج جون ستيرجيس مخرج أمريكي بالغ الأهمية، وقد قدّم للسينما عناوين مهمة؛ منها: "معركة السلاح في أوكي كورال" و"العجوز والبحر" و"العظماء السبعة".. يمكنك أن تدرك أهميته للفن السابع.

في العام 1963 يختار وريدا ثريا؛ هو القصة المؤثّرة لمحاولة 200 أسير من الحلفاء الفرار من سجن "شتالاج لوفت 3" في شرق ألمانيا؛ وذلك ليلة 24 مارس عام 1944. على مدى 3 ساعات تقريبا يلعب بعواطفك وأعصابك فلا تشعر بالملل لحظة.. تارة تبكي وتارة تضحك وتارة تجلس على حافة المقعد وتلتهم أظفارك.

في الواقع فرّ 76 سجينا عندما وقع السجين رقم 77 في الأسر، وهو الذي عاش ليحكي القصة البطولية بعد الحرب.

استمع للحن المميّز للفيلم الذي قام بكتابته إلمر برنشتاين هنا



الفيلم من بطولة: ستيف ماكوين وجيمس جارنر ورتشارد أتنبورو وجيمس كوبرن وتشارلز برونسون وحشد من الأسماء، وقد كان الفيلم أمينا جدا على القصة الحقيقية مع بعض اختلافات قليلة؛ منها أن أي أمريكي لم يهرب من السجن في الواقع؛ لأن الأمريكيين نُقلوا جميعا إلى معسكر آخر قبل الهروب الكبير، لكن الأمريكان صنعوا الفيلم لذا من حقّهم أن ينسبوا البطولات لأنفسهم! في الفيلم يهرب الأمريكي ستيف ماكوين من خلال مطاردة مثيرة جدا بالدراجات البخارية أصرّ هو نفسه على إدخالها في السيناريو وأدائها، بل إنه يلعب دور دوبلير لمطارديه الألمان كذلك بعد ما ارتدى ثيابهم.. يُقبض عليه وهو يلبس ثياب جندي ألماني ويعاد للمعسكر، ولو حدث هذا في الواقع لتمّ إعدامه لارتدائه ثياب ألماني مما ينزع عنه صفة أسير الحرب.

شاهد هذا المشهد المثير هنا، وتذكّر أن ستيف ماكوين هو الذي يقوم به فعلا، بل إنه يلعب دور أحد مطارديه النازيين

نحن في معتقل "شتالاج" الرهيب.. في هذا المعسكر الموجود في بولندا، في عام 1942 كان أول السجناء طيارين بريطانيين، ثم بدأ الأمريكان يصلون عام 1943.

شاهد وصول ستيف ماكوين للمعتقل هنا

في النهاية صار في المعسكر عشرة آلاف سجين، وقد زود بأجهزة "سيزموجراف" تحيط به لاستشعار أي نشاط حفر تحت السطح.

كان المعسكر يقع وسط غابة تمّ إخلاء مربّع من الأشجار فيها، حوله سوران من السلك الشائك.. كل مَن يجتاز هذا السلك يفرغ فيه الحراس المتمترسون على أبراج رصاص بنادقهم الآلية. كل زنزانة كانت مرتفعة عن الأرض حتى يستطيع الحرّاس الزحف تحتها بحثا عن أنفاق.. قرّر الأسرى أنهم لو أرادوا الهرب فلا بد من عمل منظّمة عالية الكفاءة، وقد أسندوا القيادة لرتبة عالية يُدعَى صاحبها "بوشل" الذي أطلقوا عليه اسم X الكبير.

قرّر الرجل حفر ثلاثة أنفاق على أمل أن يظلّ أحدها صالحا، وأطلقوا على الأنفاق أسماء "توم" و"ديك" و"هاري"، وهكذا تمّ التعامل معها مع إنذار واضح بالمحاكمة العسكرية لأي أسير ينطق لفظة "نفق". الأنفاق تبطن بالخشب طبعا لأنها في الرمل، والخشب مصدره ألواح الأسرة.. تم استعمال 4000 لوح سرير مما جعل بعض الأسرى ينامون على أسرة بلا ألواح على الإطلاق. مشكلة أخرى هي الخلاص من الرمل الأبيض الناجم عن الحفر (طن رمال لكل متر من النفق) بينما كل أرض المعسكر سمراء داكنة.. معنى رؤية هذه الرمال هو افتضاح الأمر فورا. هكذا تمّ تعيين بعض الأسرى اسمهم "البطاريق" مهمتهم الخلاص من الرمال. كانوا يحملون حقائب سرية تحت سراويلهم ويفتحونها لتفرغ ما فيها أثناء عملهم في الحديقة، مع تغطية ما ينزل منهم فورا.

الحق أن العملية كانت شديدة التعقيد.. هناك فريق للمهندسين وفريق للإمدادات.. هناك فريق للتزييف مهمته عمل الخرائط وجوازات السفر والبوصلات البدائية. هناك فريق قام برشوة الحراس للحصول على مواعيد القطارات.. الرشوة كانت تتمّ بالصابون والشيكولاتة التي يجلبها الصليب الأحمر، مَن يقبل الرشوة أول مرة يظلّ هدفا للابتزاز بعد ذلك. كان هناك فريق من الخيّاطين لتزوير الثياب العسكرية والمدنية.. علب اللبن كان يتم استعمالها كأنابيب تهوية كما كانوا يصنعون شموعا فيها، عن طريق نزع الشحوم عن اللحم الذي يقدّم لهم ثم غرس فتائل في الدهن.

لقد استطال النفق توم حتى صار تحت السلك الشائك.. هنا اكتشف أحد الحراس الألمان وهو يغرس عصاه في الأرض ذلك النفق، وهكذا انتهى أمر توم.. تمّ نسفه بالمتفجّرات.



وتوقّف العمل في النفقين الآخرين منعا لجذب الانتباه حتى انتهى شتاء 1944، من ثمّ بدأ الحفر ثانية في النفق هاري، على أن يتم دفن الرمال في النفق ديك.

عندما انتهى العمل اجتمعت لجنة الهروب لتحدّد تاريخا مناسبا، وقد كانوا يأملون في فرار 200 أسير. لا بد من ليلة غير مقمرة، وهذا يتفق مع الأيام 23 إلى 25 مارس.. أخيرا تحدّد يوم 24 مارس، وتمّ السحب بالقرعة بعد إعطاء الأولوية لمن يتكلّمون الألمانية لأن فرصهم في الفرار أفضل.

بدأ احتشاد الأسرى في تلك الليلة في الكوخ 104 وهم حشد غريب من الناس يلبسون ثيابا غريبة.. البعض يلبس كرجال أعمال والبعض كعمّال والبعض كجنود ألمان.. الحرارة بالخارج تحت الصفر، وهو ما يجعل فشل المهمة شبه مؤكّد.. ومما زاد الأمور سوءا أنهم اكتشفوا أن النفق ينتهي قبل الغابة بعشرة أمتار، وهكذا صار على واحد أن يتوارى في الغابة ويقود المتسللين بحبل كي يلحقوا به.. كلما فرّ خمسة كان السادس يقوم بهذا الدور.

بعد قليل بدا واضحا أنه من المستحيل تهريب 200 رجل، لذا قرّروا أن يستمرّ الهروب حتى الرابعة والنصف صباحا ثم يتوقّف، لكن الأمر لم يدُم طويلا لأنهم سمعوا صرخة وطلقة رصاص.. هكذا عرفوا أن أمر النفق قد اكتشف، وهرعوا جميعا عائدين إلى الكوخ، وعلى الفور اندفعوا يحرقون الخرائط والأوراق ويلتهمون ما معهم من أطعمة.

هناك وجدوا أنهم محاصرون بالألمان يصوّبون مدافعهم نحوهم..

لقد فشل الهروب الكبير..

وفي السجن الانفرادي عرف الرجال الذين لم يفرّوا أن الحظ لم يتخلّ عنهم؛ لأن أنباء مَن هربوا كانت مخيفة.. كان الجستابو يقتلهم بالرصاص بلا تفاهم.. في الفيلم يُعدم الأسرى الخمسون بالمدفع الرشاش، بينما هم في الواقع أعدموا فرادى وبطلقة مسدس في مؤخرة الرأس لكل واحد.

شاهد هذا المشهد الطريف الذي يقع فيه اثنان من الحلفاء في الفخ بسبب الخطأ الشهير المعروف والتهذيب الزائد

منذ هذه اللحظة تولّى الجستابو كل شيء، وبدأ السجناء يشعرون بالشفقة على قائد المعتقل الذي يُواجه محاكمة عسكرية، وعلى الحرّاس الذين لم يرتكبوا أي فظائع بل تركوا الأمر للجستابو.

62. Scarface (1983)

R | 170 min | Crime, Drama

65 Metascore

In 1980 Miami, a determined Cuban immigrant takes over a drug cartel and succumbs to greed.

Director: Brian De Palma | Stars: Al Pacino, Michelle Pfeiffer, Steven Bauer, Mary Elizabeth Mastrantonio

Votes: 916,920 | Gross: $45.60M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

هذه المرة لن أقول إن الفيلم المصري محاكاة سخيفة لهذا الفيلم؛ فالحقيقة أن فيلم "الإمبراطور" الذي أخرجه طارق العريان وقام ببطولته أحمد زكي ومحمود حميدة، يُعتبر محاكاة أمينة ومتقنة فعلا لهذا الفيلم، بالإمكانيات المصرية يُمكن القول إن العريان قدّم فيلم أكشن شديد الإحكام والإمتاع، وهناك مَشاهد كاملة منقولة حرفيا -لكن ببراعة- من "الوجه ذو الندبة". إن "الوجه ذو الندبة" من أفلام العصابات المهمة جدا، وهناك مَن يُقارنونه بـ"الأب الروحي" نفسه.. لست أنا منهم طبعا، لكن لا أُنكر أنه فيلم شديد الأهمية.

برايان دي بالما مخرج أمريكي كبير برايان دي بالما مخرج أمريكي كبير

برايان دي بالما مخرج أمريكي كبير، قدّم مجموع مهمة جدا من الأفلام، لا بد أنك تعرف؛ منها: "طريق كارليتو" و"كاري" و"المهمة: المستحيل" و"النزهاء" و"مرتد ثيابه للقتل"، وتُدرك طبعا أنه مخرج شديد الإتقان يُجيد عمله فعلا، وبالإضافة إلى هذا فهو متأثّر بهتشكوك إلى درجة لا توصف.. هذه من المآخذ الشهيرة ضده.

في العام 1983 يكتب المخرج الكبير أوليفر ستون سيناريو هذا الفيلم ليخرجه برايان دي بالما، وهو معالجة حديثة لفيلم بنفس الاسم قُدّم عام 1932، والحقيقة أن الفيلم عنيف جدا.. هذا عالم شيطاني لا يرحم، ولا يُمكن لأمثالنا أن يعيشوا فيه أكثر من عشر دقائق.

يبدأ الفيلم منذ عام 1980..

هذا عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، والحرب ضد الشيوعية في ذروتها.. يُرسل كاسترو سفينة محمّلة من الكوبيين ليلحقوا بأهلهم في الولايات، ويستقرّ معظم هؤلاء في ميامي.. ما يخبرنا الفيلم به ولم نعرفه من قبل؛ هو أن كاسترو اختار أكثر هؤلاء الكوبيين من نزلاء السجون عنده ليتخلّص منهم.. طريقة لتدمير أمريكا من الداخل.. لا نعرف هل هي معلومة صحيحة أم هي بدافع كراهية الشيوعية، لكننا نبتلعها.

من ضمن ركاب السفينة نجد توني مونتانا الذي يلعب دوره آل باتشينو في أداء عبقري.. إنه الرجل الذي يحمل ندبة على وجهه، ويعرف كل رجل في الجمارك الأمريكية أنه لص كوبي، وأن هذا الجرح أصابه في مشاجرة دامية، لكنهم مرغمون على السماح له بالدخول؛ لأنه يتظاهر بأنه لاجئ سياسي.



هكذا يلتقي صديقه الكوبي ريبيرا (ستيفن باوير) وهو ممثّل ظريف لا يمكن نسيان دوره.. هذه قصة الصعود في المجتمع الأمريكي بدءا بنقطة الصفر، على أن الصعود قد يكون بطيئا وقد يكون سريعا خطرا.. الصعود السريع الخطر رأينا نماذج له مع آل كابوني والجزء الثاني من "الأب الروحي" وهنا..

يبدأ الصعود بجريمة قتل.. قتل موظف حكومي كوبي في معسكر اللاجئين، وهكذا يظفر توني بالجرين كارد، ويخرج مع صديقه للمجتمع الأمريكي المغري.. سيارات فارهة.. فتيات رشيقات يلبسن البكيني.. بيوت فاخرة. يعتقد صديقه أن عليك أن تكون ظريفا، وأن تُجيد إخراج لسانك لتُغري كل الفتيات.. طبعا يتلقّى صفعة محترمة، ويتعلّم الرجلان أن الطريقة الوحيدة لنيل هاته الحسناوات هي أن تكون ثريا.. وأي ثراء!

شاهد هذا المشهد الظريف هنا:

من هنا ينضمّان لشبكة تهريب كوكايين تحت إمرة ممثّل بديع آخر هو موراي أبراهام الذي رأيناه في فيلم "أماديوس" يلعب دور خصم موتسارت اللدود.. هناك صفقة مخدّرات لدى بعض الكولومبيين، لكن اللعبة خطيرة جدا، ويُوشك توني على فقد حياته في مشهد شديد البشاعة تطير فيه الأطراف بالمنشار الكهربائي، وهنا تتمّ المذبحة الأولى.



كل مذبحة ترتقي به درجة في سلم العصابات..

وعند درجة أعلى يقابل مهرّبا أكبر هو فرانك ويقابل عشيقته (ميشيل فايفر) التي لا تدخر جهدا في إشعار توني كم هو حقير.. تقول علنا أنها لن تحبّ رجلا جاء من قارب الموز حالا.. هذه تمثّل التحدّي الطبقي الدائم.. قهر هذه الفتاة هو قهر طبقة بأسرها.

يقوم توني بزيارة أمه التي نعرف أنها مهاجرة كوبية متديّنة تعيش مع أخته، ولا تريد سماع حرف واحد عن توني، وندرك أن توني متعلّق بأخته أكثر من اللازم، ولا يطيق أن تخرج وحدها أو تعرف أي رجل.

يذهب توني وموراي أبراهام إلى بوليفيا للتعامل مع مهرّب كوكايين اسمه "صوصا".. هنا يتمّ التخلص من موراي أبراهام في مشهد بشع فعلا؛ لأنه كما يقولون يعمل مع رجال الشرطة.. هكذا ينفرد توني بالعمليات وحده.. مع الوقت يصعد نجمه في العصابة، ويصير قادرا على إعطاء الأوامر لمن كانوا رؤساء له.

يتعامل مع رجال الشرطة المرتشين الذين يتقاضون مالا منه مقابل الصمت، ومقابل محاربة خصومه في السوق.. في الوقت نفسه هو يحرس أخته التي تتردّد على الملاهي اللليلية، ونكتشف أن هناك شابا يلاحقها ويتودد لها.. لا يبدو توني مستعدا لقبول هذا.

هنا يُمارس آل باتشينو لعبة يُجيدها في أدائه السينمائي، هي تغيّر شخصيته مع الوقت ليصير أكثر خشونة وفظاظة وإرعابا.. نفس ما فعله في فيلم "الأب الروحي".

بعد محاولة اغتيال في نادٍ ليلي يقرّر توني -الذي نجا بصعوبة- الخلاص من فرانك زعيمه السابق، ويستولي على عشيقته الفيرا (فايفر) وعلى الإمبراطورية كلها.

نراقب توني في صعوده، وندرك كم أن القمة باردة منفردة موحشة، وندرك أن الإدمان والشكّ والعنف وكراهية الآخرين.. كل هذه الأمور قد جعلته لا يُحسن اتخاذ القرار الصحيح.



يفقد صديقه الوحيد لأنه حسبه يُقيم علاقة مع أخته، ويأتي مشهد النهاية.. الذروة.. مع هجوم رجال العصابات على القصر، بينما توني الذي أشعل الكوكايين حواسه يُطلق النار في كل صوب كالمجنون.. شاهد لقطة "قولوا مرحبا لصديقي الصغير" قبل إطلاق مدفع على المعتدين، وهي عبارة تفوز بإجماع المشاهدين دائما ضمن أفضل العبارات في تاريخ الأفلام:



تموت الأخت الأثيرة لديه، ثم يلحق هو بها في نهاية مأساوية شبه إغريقية.. نهاية تليق بكل هذا العنف.. حقّق الفيلم نجاحا ساحقا، وراق لنقّاد كثيرين منهم روجر إيبرت، لكن العنف الزائد أثار حفيظة كثيرين، بالإضافة إلى كونك تُشاهد الفيلم؛ فتخرج منه شاعرا أن أي كوبي مجرم يجب أن يُباد.. يحتلّ الفيلم مكانا بارزا في أي قائمة لأفضل أفلام العصابات أو أفلام الأكشن، وقد فاز باتشينو بجائزة الكرة الذهبية، وفي رأيي أنه حُرم من جائزة الأوسكار التي استحقها بجدارة.. هذا فيلم يجب أن تراه في أقرب فرصة.

63. Pulp Fiction (1994)

R | 154 min | Crime, Drama

95 Metascore

The lives of two mob hitmen, a boxer, a gangster and his wife, and a pair of diner bandits intertwine in four tales of violence and redemption.

Director: Quentin Tarantino | Stars: John Travolta, Uma Thurman, Samuel L. Jackson, Bruce Willis

Votes: 2,221,315 | Gross: $107.93M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

كنت أتجنّب الكلام عن هذا الفيلم باعتباره حديثًا أكثر مما يُقدّمه هذا الباب، ثم فطنت إلى أن الزمن يجري بسرعة، وأن عمره اليوم صار 17 عامًا! هذا الفيلم من الكلاسيكيات الحديثة؛ أي أنه صار من تراث السينما فور تقديمه، وله أتباع شديدو الحماس والتعصّب، ويكفي أنه صنع اسم مخرجه كونتين تارانتينو الذي صار أي مهتم بالسينما الغربية يعرفه تمامًا. كان تارانتينو قد حقّق نجاحه الأول مع "كلاب المستودع"، لكن هذا الفيلم هو الذي برهن بالتأكيد على أننا أمام مخرج وكاتب سيناريو فريد من نوعه. تارانتينو المخرج الأمريكي الذي كان بائعًا في متجر فيديو، والذي يفخر بأنه لم يذهب لمعهد السينما ليصير مخرجًا بل ذهب للسينما نفسها، والذي قدّم للسينما عناوين مهمة جدًا؛ مثل: "كلاب المستودع"، و"خيال شعبي"، و"اقتلوا بيل"، و"جاكي براون"، و"أوغاد غير شرفاء" إلخ...

"خيال شعبي" هي أقرب ترجمة ممكنة لعنوان هذا الفيلم Pulp fiction، وهو يشير إلى كتب المغامرات الرخيصة الشعبية التي كان المجتمع الأمريكي يُحبّ قراءتها، وكان ورقها يُصنع من لباب الأشجار. الفكرة هنا أن الفيلم يُقدّم خليطًا من القصص هي أقرب للمغامرات التي تنشر في هذه القصص، ومن الصعب أن تأخذ كل شيء بجدية.. هناك مسحة من المزاح لا شك فيها، كما أن أغلب العنف ينتمي لطراز "اللسان في الخد" كما يقول كتّاب السيناريو.. أي أنه لا يأخذ نفسه بجدية.

كتب السيناريو كوينتين تارانتينو مع كاتب آخر هو روجير أفاري، ولا ننسى هنا أن تارانتينو كاتب سيناريو مخضرم بارع في عمله. وقد استوحى الكاتبان تركيب الفيلم وقصته من فيلم رعب شهير هو "يوم السبت الأسود" الذي كان يتكوّن من ثلاثة فصول. في الواقع كل الفيلم يتكوّن من أجزاء معروفة أو شوهدت مرارًا في أفلام أخرى، لكنه يصقلها لتبدو كأنها جديدة تمامًا.

هذا الفيلم هو الذي برهن بالتأكيد على أننا أمام مخرج وكاتب سيناريو فريد من نوعه هذا الفيلم هو الذي برهن بالتأكيد على أننا أمام مخرج وكاتب سيناريو فريد من نوعه

القصة يعرفها كل القراء غالبًا فلن نطيل الكلام عنها، وإن كنّا نذكّر القارئ بأنها تنتمي لأسلوب السرد غير الخطي، وتحوي عدة قصص متداخلة.. القصة "أ" تدور أمامنا بينما يمكن أن نرى لمحة من القصة "ب" في الخلفية، ثم ننتقل للقصة "ب" فنرى لمحة من القصة "أ" والقصة "ج". هذا الأسلوب الذي يبدو واضحًا جدًا في فيلم "مدينة الخطيئة" مثلاً، لكن هناك قصة واحدة تضع عباءتها على كل شيء. يطلقون على طريقة السرد هذه "السرد الدائري". والفيلم ينتمي لطراز السينما الذي يطلقون عليه "الفيلم الأسود الجديد" (Neo noir). الفيلم الأسود أصلاً هو الفيلم البوليسي الذي يدور في عوالم العصابات؛ حيث الليل والغموض والأزقة الخلفية والملاهي الليلية، والمفتش الخشن الذي يلبس المعطف الخاكي، وله طرق غريبة لممارسة مهنته تقترب من أساليب اللصوص أنفسهم.

كل شيء طريف ويتمّ تناوله من زاوية لم تخطر ببالك أبدًا..

هناك ثلاث قصص واضحة: قصة القاتل المأجور فيجا (جون ترافولتا)، وقصة الملاكم المحترف كوليدج (بروس ويليز)، وقصة مساعد القاتل وينفيلد (صمويل ل. جاكسون). والقصص تتداخل مرارًا.

المشهد الافتتاحي شهير جدًا، وقد تخصص تارانتينو في هذه المشاهد الافتتاحية التي لا تُنسى؛ حيث يجلس رجل وامرأة في مطعم.. إنهما لصان يبحثان عن عملية سطو يقومان بها.. يناقشان كل الأماكن التي يمكن السطو عليها، لكنهما يكتشفان أنه مع انتشار السلاح الناري صارت كل العمليات خطرة، وهكذا يقرران أن يسطوا على المطعم الذي يأكلان فيه بالذات، وعلى الفور تثب الفتاة للمنضدة لتعلن أنها ستقتل الجميع لو لم يذعنوا للأوامر.



وتبدأ التترات مع اللحن الذي صار شهيرًا جدًا

هذا المشهد هو القصة العباءة التي تحتوي الفيلم كله، وقرب النهاية نعود لهذين اللصين التعسين لنكتشف أن من بين رهائن المطعم ذلك القاتل المأجور عديم الرحمة "فيجا" وصاحبه.. إن اللص المنحوس هو الذي يهدد قاتلاً مأجورًا بالمسدس.

بين البداية والنهاية نقع في دوامة فاتنة من الأحداث، بين القاتلين القاسيين والظريفين "فيجا" ومساعده اللذين يركبان سيارة ويتبادلان النقاش حول أفضل شطائر هامبورجر أكلاها "بيج كاهونا"..



ثم يتبيّن أنهما ذاهبان لتنفيذ عملية قتل

هناك القاتل وينفلد الذي يتلو مقاطع كاملة من التوراة على ضحاياه قبل أن ينفذ الإعدام

ثم هناك زعيم العصابات الأسود والاس وزوجته ميا (أوما ثورمان) التي تتعاطى الكوكايين بانتظام، والتي يكلف أحد القاتلين (جون ترافولتا) بحراستها ومرافقتها في كل مكان، لكنها توقع ترافولتا في مواقف غاية في السوء..



أولاً تورّطه في الرقص وهو غير رائق المزاج لذلك

وهي رقصة شهيرة جدًا على ألحان تشوبي تشيكر، وقد اعتبرتها مجلة إمباير من أجمل رقصات الأفلام. لاحظ فيها ولع تارانتينو المرضي بالأقدام الحافية، الذي يظهر في كل أفلامه.

ميا تتعاطى الهيرويين الذي وجدته في معطف ترافولتا فتأخذ جرعة زائدة ويتوقّف قلبها، وهكذا يضطر ترافولتا لحقن قلبها بالأدرينالين. لو ماتت لنسفه زوجها نسفًا. هناك كذلك إطلاق رصاص بطريق الخطأ يفجر رأس أحد رجال العصابات ويلوّث السيارة من الداخل، وهو ما يضطر القاتلين إلى الاستعانة بمهنة غريبة نسمع عنها لأول مرة: الرجل المتخصص في إخفاء عمليات القتل. هنا نكتشف حقيقة غريبة؛ هي أن عليك إذا قتلت رجلاً أن تقضي الليل كله تنظّف السيارة من الداخل بعدة منظفات، وعليك أن تأخذ حمامًا بالماء البارد في العراء. هذا هو تارانتينو الذي لا يقدّم مشهدًا معتادًا أبدًا وروح السخرية لديه لا تقهر.



هو يشارك كذلك بالتمثيل في دور صغير بهذا المشهد

بطل الملاكمة كوليدج يتقاضى رشوة كي يخسر المباراة، لكنه يكسبها ويفتك بخصمه ويفر.. ويقضي الوقت في مطاردة مرعبة يحاول فيها زعيم العصابات الأسود مارسيلوس الظفر به، وهي المطاردة التي تنتهي بسقوطهما معًا مع وغدين منحرفين.

اشتهر هذا الجزء من الفيلم بعبارة: Bring out the gimp، والـ gimp هي بذلة تستخدم لتقييد الضحية.

هناك حقيبة خاصة بالزعيم الأسود وتنتقل من يد ليد، وكلما فتحها أحدهم بدا عليه الذهول، لكننا لا نعرف ما فيها أبدًا. وقد حاول الكثيرون من مشاهدي الفيلم تخمين ما فيها، لكن تارانتينو نفسه يقول: الحقيبة فيها ما تتخيّله أنت.

وعندما نعود للمطعم الذي بدأ الفيلم فيه، نجد أنفسنا في مشهد مواجهة بالمسدسات على طريقة الوقفات المكسيكية الشهيرة بين اللصين التعسين وترافولتا وجاكسون. ويقرّر جاكسون أن يُطلق سراح اللصين بما سرقاه؛ لأنه شعر بأن السماء تريد له أن يعتزل مهنة القتل.



شاهد هذا المشهد الساحر هنا

هكذا ينتهي هذا الفيلم شديد الإمتاع، والذي لا يمكن وصفه إلا بمشاهدته. إن تارانتينو يُجيد عمل أفلام عن الأفلام.. أي أنه يعيد خلق أجواء أفلام المغامرات التي أحبّها في طفولته، وفيما بعد قدّم مع صديقه روبرت رودريجز فيلمًا ملفّقًا بالكامل هو "جرايند هاوس"، أي أنهما في أيامنا هذا صنعا فيلمًا من أفلام السبعينيات.

قام بالتصوير أندريه سيكولا، وحرص على أن يُعطي الصورة طابع أفلام الخمسينيات المميز.. المونتاج قامت به سالي منك، والفيلم لم يتكلّف سوى 8 ملايين دولار، وهي ملاليم بالنسبة للسينما الأمريكية طبعًا، لكنه حصد 214 مليونًا عبر العالم، وأعاد البريق لممثلين مهمين؛ هما بروس ويليز وجون ترافولتا.

عُرض الفيلم في مهرجان كان عام 1994، ونال جائزة السعفة الذهبية، كما رُشّح الفيلم لسبع جوائز أوسكار؛ فاز منها بجائزة أفضل سيناريو أصلي للشاشة، وما زال لهذا الفيلم الجميل أتباع متحمّسون حول العالم.. لقد جاء كونتين تارانتينو ليبقى.

كان هذا الفيلم الجميل من أفلام الحافظة الزرقاء..

64. Rashomon (1950)

Not Rated | 88 min | Crime, Drama, Mystery

98 Metascore

The rape of a bride and the murder of her samurai husband are recalled from the perspectives of a bandit, the bride, the samurai's ghost and a woodcutter.

Director: Akira Kurosawa | Stars: Toshirô Mifune, Machiko Kyô, Masayuki Mori, Takashi Shimura

Votes: 180,546 | Gross: $0.10M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

هذا هو مبدأ الراوي الذي لا يوثق في كلامه.. ليس من يحكي القصة شريفًا صادقًا دائمًا.. ربما كان يتلاعب في الأحداث، وربما شهادته زائفة، المشكلة هي أننا لا نسمع القصة بكلماته ولكننا نراها رأي العين، وهذا يجعلنا مستعدين للتصديق..

تقنية الراوي الذي لا يوثق بكلامه Unreliable narrator تستعمل بكثرة في الأعمال الأدبية، ومن قرأوا رواية "مصرع روجر أكرويد" لأجاثا كريستي يعرفون أن الراوي كان يكذب عن طريق إغفال تفاصيل مهمة.. هناك مثال آخر قوي جدًا هو "المشتبه فيهم المعتادون" الذي قدّمناه منذ فترة.. الآن يأتي العبقري الياباني أكيرا كوروساوا ليقدم لنا عمله الشهير "راشومون" الذي يجعلنا في حيرة بالغة.. لا نعرف أبدا ما حدث فعلاً لأن كل الإجابات معقولة.. وهكذا دخل مصطلح "تأثير راشومون" إلى الأدب العالمي وإلى قاموس أكسفورد ليدل على حيرة الشخص إزاء عدة شهادات كلها تبدو صادقة.. هذا يجعل المرء قلقًا بصدد كتب التاريخ وشهادات شهود العيان كلها.

المخرج الياباني كوروساوا العظيم المخرج الياباني كوروساوا العظيم

نستعيد معًا ما قلناه عن كوروساوا العظيم عندما قابلنا فيلميه "الساموراي السبعة" و"أحلام"، فقلنا إن له عالمه الخاص الياباني جدًا، حيث تشعر أن كل كادر نقش ياباني أنيق.. وإن لم ينكر أنه تأثر بشكسبير كثيرًا.. وقد قدم هذا المبدع أفلامًا يعرفها الغرب جيدًا ويعرف قيمتها؛ ومنها "راشومون" و"كاجيموشا" و"ران" و"أحلام" و"الساموراي السبعة"... إلخ. ومع كل فيلم يفتح الغرب فمه في ذهول، ويقتبس شيئًا من عالم هذا العبقري.. لو لم يوجد كيروساوا لما وجد جورج لوكاس وستيفن سبيلبرج وروبرت ألتمان.. هم قالوا هذا بلسانهم..

لا كرامة لنبي في وطنه، لهذا واجه كيروساوا مشاكل عديدة في تمويل أفلامه في اليابان، لدرجة أنه حاول الانتحار ونجا بمعجزة، وهكذا قام تلاميذه الأمريكان المليونيرات المخلصون من عينة سبيلبرج ولوكاس بمنحه شيكًا على بياض ليخرج أي حلم يخطر بباله، وكانت هذه عودته مع فيلم "كاجيموشا" أو "ظل المحارب" الذي سوف نتكلم عنه في حلقة قادمة.

هذا هو فيلم "راشومون" الذي قدّمه عام 1950 بالاشتراك مع المصور السينمائي الرائع كازو مياجازا.. والفيلم عن قصة "في البستان" للأديب الياباني أكوتاجاوا.. نال الفيلم انبهار العالم الغربي على الفور، ولفترة طويلة كان نجاحه مضمونًا في أي مسابقة.

بالمناسبة يمكنك تحميل الفيلم كاملاً دون قرصنة من هنا:

راشومون هو ذلك المعبد في الأحراش الذي يتوارى فيه الحطاب والكاهن من الأمطار.. وحيث يتبادلان سرد القصص المخيفة التي تدل على فساد الطبيعة البشرية.. القصة التي يحكيها الحطاب تدور حول عثوره عل جثة محارب في الغابة، وكيف أنه أبلغ السلطات للبحث عن القاتل..



الأمر يتعلق كذلك باغتصاب زوجة.. زوجة الساموراي.. هكذا إذن نحن نتكلم عن جريمة قتل وجريمة اغتصاب، تقبض المحكمة على المتهم الأول: قاطع الطريق البلطجي تاجومارو الذي يبدو كذئب أشعث شرس جعجاع.. الممثل توشيرو ميفون نجم محبب لدى كيروساوا، وقد قضى ساعات يدرس سلوكيات الأسد قبل أن يقوم بالدور:



القصة التي يحكيها البلطجي قاطع الطريق للمحكمة تدور حول أنه استدرج الساموراي وزوجته الشابة، وهناك قيد الساموراي لشجرة.. وهدد المرأة بالخنجر لينالها، طلبت المرأة من قاطع الطريق أن يحرر زوجها ويدخل معه في مبارزة.. هكذا سوف يموت أحد رجلين يعرفان عارها.. بالفعل يتم ذلك ويقتل قاطع الطريق الساموراي..

تحكي الزوجة قصتها.. قالت إن البلطجي تركها بعد الاغتصاب، أطلقت سراح زوجها وتوسلت له أن يقتلها لكنه لم يفعل.. لم تدر كيف ولا متى فعلت ذلك، لكنها وجدت أنها قتلت زوجها وأن خنجرها مغروس في قلبه، كأنها لم تتحمل جبنه ونذالته...

الآن يحكي الساموراي القتيل قصته، إن الاتصال بعالم الأرواح سهل جدًا في الثقافة اليابانية وله مفرداته الشهيرة.. لا بد من كاهنة شامان تأتي وتحاول استحضار الروح.. روح الزوج تأتي في مشهد مرعب فعلاً لكنه مفعم بالتقاليد اليابانية:



القصة التي تحكيها الروح مختلفة جدًا.. بعد اغتصاب الزوجة طلبت هذه من قاطع الطريق أن يقتل زوجها ليموت سر عارها معه.. لا يفعل قاطع الطريق هذا ويفضل أن يطلق سراح الزوجة، وفي النهاية ينتحر الزوج بأن يغرس الخنجر في صدره.

هنا نكتشف أن هناك شاهدًا آخر رأى كل شيء، لكنه كتم شهادته حتى لا تحتجزه المحكمة.. هذا الشاهد هو الحطاب.. في قصة الحطاب نرى أن قاطع الطريق وقع في حب الزوجة لكنها أطلقت سراح زوجها.. حاول زوجها ألا يشتبك مع قاطع الطريق، لكنها أعلنت اشمئزازها من هذين الرجلين اللذين لا يتصارعان من أجل امرأة يحبانها.. في النهاية انتصر قاطع الطريق تاجومارو ففرت الزوجة مذعورة..

هنا يتوقف سرد القصص لأن الحطاب والكاهن وعابر سبيل يجدون طفلاً رضيعًا في سلة.. ويحاول عابر السبيل سرقة أشياء كانت مع الطفل في سلته.. لكن الحطاب يمنعه.. الحقيقة هي أن الحطاب نفسه سرق خنجر الساموراي القتيل.. هكذا يستنتج عابر السبيل أن الإنسان مخلوق أناني شرير ويغادر راشومون.. لكن يقرر الحطاب أن يأخذ الطفل معه ليربيه.. هذا يمنح الكاهن إيمانا جديدا بالبشرية وبطيبة قلب الناس، وهنا تتوقف الأمطار التي لم تكن قد توقفت منذ بداية الفيلم:



ما هي القصة الحقيقية؟ ماذا حدث فعلاً؟ لا أحد يعرف.. كلهم كاذبون.. أو أحدهم صادق..

الفيلم قطعة من الفن الرفيع وكل شيء فيه مختلف. هناك ابتكارات تقنية كثيرة، منها أن الاعتماد على أشعة الشمس كامل في كل اللقطات مع استعمال مرايا ضخمة، ومنها أن المطر كان غير ظاهر لذا أضافوا للماء الساقط من أعلى بعض الحبر، ومنها استعمال الكاميرا المحمولة خلال المطاردات في الأحراش.. هناك تقنية مهمة في المونتاج هي استعمال عدد هائل من اللقطات القصيرة الخاطفة لإعطاء التأثير المطلوب.. هكذا يحوي هذا الفيلم ضِعْف عدد لقطات أي فيلم آخر.

اتهم كثيرون كوروساوا بأنه تأثر بتحفة أورسون ويلز "المواطن كين" في هذا الفيلم، والحقيقة أنه لم يكن قد رأى الفيلم بتاتًا قبل إخراج راشومون.. خضع الفيلم لدراسات مطولة وتحليلات عديدة ليس هنا مكانها على كل حال، لكن كثيرين قالوا إن الفيلم يرمز لحيرة اليابان وفقدان هويتها بعد الهزيمة والقنبلة الذرية.

فاز الفيلم بعدد كبير من الجوائز، ومن أجله ابتكرت لجنة جوائز أوسكار جائزة "أفضل فيلم أجنبي".. حاول أن تشاهده في أقرب فرصة.

65. Psycho (1960)

R | 109 min | Horror, Mystery, Thriller

97 Metascore

A Phoenix secretary embezzles $40,000 from her employer's client, goes on the run and checks into a remote motel run by a young man under the domination of his mother.

Director: Alfred Hitchcock | Stars: Anthony Perkins, Janet Leigh, Vera Miles, John Gavin

Votes: 718,568 | Gross: $32.00M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.



المخرج البريطاني العظيم ألفريد هتشكوك المخرج البريطاني العظيم ألفريد هتشكوك

السير ألفريد هتشكوك.. المخرج البريطاني العظيم وأحد أعمدة هوليوود، صار أيقونة بصرية في القرن العشرين بوجهه القبيح الجميل اللامبالي.. هذا وجه تشعر أنه رأى أهوال الجحيم كلها فلم يعد ينفعل، لكنه مُصرّ على الاحتفاظ بلياقته وطباع السيد المهذّب. قدّم هتشكوك أفلاما كثيرة صارت علامات في تاريخ السينما؛ ويصعب أن نختار أفضلها.. فكّر في: فيلم "الطيور" وفيلم "دوار" وفيلم "جنون" وفيلم "مؤامرة عائلية" وفيلم "السيدة تختفي"... إلخ، على أن معظم الناس يعرفونه من خلال الفيلم الأشهر "سايكو" أو "نفوس معقّدة" الذي قدّمه عام 1960 عن قصة روبرت بلوخ.

روبرت بلوخ من أهم كتّاب الرعب المعاصرين، وله إسهامات لا حصر لها، لكن يظلّ أهم عمل له هو "سايكو"، ويقال إن السفاح الوحيد والمريض نفسيا علامتان مميّزتان لأدب بلوخ. في العام 1959 قدّم روايته التي ارتبطت باسمه للأبد "سايكو"، وقد استلهم القصة من حكاية سفاح حقيقي شهير جدا ارتبط بوالدته بشكل مرضي لدرجة تحنيطها بعد موتها، وهو السفاح "إد جين".

الواقع أن "إد جين" جلب الكثير من الخير لكتّاب الرعب في كل مكان، وقد استلهم كثيرون قصته؛ لعلّ آخرهم توماس هاريس في شخصية "هانيبال لكتر" الشهيرة، وعندما باع بلوخ القصة بتسعة آلاف دولار لشركة هوليوودية، لم يكن يعرف أن المشتري هو هتشكوك، ولم يعرف أن هتشكوك ابتاع معظم نسخ القصة في المكتبات كي يبقي النهاية سرا قدر الإمكان، ومن الغريب أن الشركة لم تحاول الاتصال به أو عرض كتابة السيناريو عليه.. أثناء هذا الفيلم انتقل هتشكوك من العمل مع باراماونت إلى يونيفرسال.. هنا نجد نموذجا لغباء الشركات؛ لأن شركة يونيفرسال كانت مصرّة على ألا يُخرج هتشكوك هذا الفيلم، لكنه أصرّ وتمسّك بالقصة.

يجب أن تتذكّر أن هتشكوك أستاذ في خلق جو التشويق والتوتّر، لكنه لا يقدّم مشاهد دامية أو بشعة تقريبا، ومِن الصعب أن تتذكّر رؤية دماء في أفلامه إلا قليلا جدا.. النقطة الثانية هي أنه يمهّد في أستاذية الطرق التي يمشي فيها مخرجون آخرون فيما بعدُ.. تذكّر أن كل فيلم عن المسوخ مشى في طريق فيلم "الطيور"، وهناك مخرج مثل برايان دي بالما لم يستطِع قط التحرّر من ربقة هتشكوك.

جرّب مخرجون آخرون تقليد هذا الفيلم -لقطة بلقطة- لكن النتيجة كانت سيئة جدا، كما أن فكرة موت البطلة في بداية الفيلم صدمت الجمهور، لكنها صارت فكرة متاحة لكل كاتب سيناريو بعد ذلك. حتى على مستوى المراحيض كان الفيلم ثوريا؛ فهذا أوّل فيلم في التاريخ يظهر مرحاضا أثناء شدّ السيفون! وقد طلبت الرقابة حذف هذه اللقطة ثم نسيت الأمر، بالمناسبة كان هذا آخر فيلم يصوّره هتشكوك بالأبيض والأسود.

يشكّل هذا الفيلم جزءا من ثلاثية رعب شهيرة لدى هتشكوك هي: الخوف من الأماكن الغريبة (سايكو) - الخوف من المرتفعات (دوار أو فرتيجو) - الخوف من الأشخاص الودودين أكثر من اللازم (جنون). هناك بطل مهم هو موسيقى برنادرد هيرمان الرائعة التي صارت جزءا لا يتجزّأ من الحدث.. استمع لهذه النغمة الدوامية الموحية بالجنون.. إنها مخيفة في حدّ ذاتها ولو من دون صورة:



البطلة جانيت لي هي النموذج الذي يعشق هتشكوك أن يراه ميتا: الشقراء الأنيقة، وهي هنا قد سرقت مالا من مخدومها وفرّت بعيدا.. لن تكتشف السرقة قبل يوم الإثنين، لكن رحلة الفرار مرهقة جدا والعاصفة ثائرة.. هكذا لا تجد مفرا سوى ذلك الفندق "بيتس" لتبيت فيه ليلتها:



وهكذا تقابل بطل الفيلم الحقيقي الذي ظلّ حيّا في أذهان المشاهدين حتى اليوم.. الممثّل الوسيم أنطوني بيركنز الذي أشعر أنه ليس على ما يرام هو نفسه.. ثمة لمسة جنون أكيدة في شخصيته الحقيقية، لكنه يبدو مهذّبا جدا، ويُخبر الفتاة أنه يعيش مع أمه المشلولة المسيطرة المخيفة.. لا تنسَ أن هذا الفتى خرج من عباءة السفاح الحقيقي إد جين الذي حنّط جثة أمه، وكان يفصّل عباءة من جلود النساء الميتات يلبسها أمام المرآة ليشعر أن أمه ما زالت حية.



عندما تدخل الفتاة إلى غرفتها ندرك أن الفتى بيتس يتلصّص عليها أثناء خلع ثيابها.. هنا يضعنا هتشكوك في مأزق محبب لديه: يجعلنا متلصصين بدورنا ثم يُعاقبنا بالرعب.. هذا حدث من قبل في فيلم "النافذة الخلفية" لو كنت تذكره، وعندما تدخل الفتاة الحمام نتخيّل أن أم بيتس هي التي هاجمتها بالسكين من وراء الستار.

إن مشهد القتل في الحمام شهير جدا ونموذج مدرسي للمونتاج شديد التعقيد، وقد دخل إلى الثقافة الشعبية بقوة.. لاحظ أنك لا ترى قتلا أبدا ولا ترى جسدا عاريا أبدا، لكن المونتاج يجعلك تتخيّل ذلك.. لدرجة أن كثيرا من الناس يُؤكّدون أنهم رأوا لون الدم الأحمر وهذا مستحيل طبعا.. إننا نكون هشين جدا في الحمام، ونحن عراة مغلقو العيون كالأجنة، وهتشكوك الخبير النفسي البارع يعرف كيف يلتقط كل الرعب في لحظة كهذه:



هنا يتحدّث الفنانون عن تصوير هذا المشهد بالغ الأهمية:



استغرق تصوير المشهد أسبوعا وتمّ التقاط 77 لقطة مختلفة، وهناك 50 قطعا في مشهد مدته 3 دقائق.. صوت الصراخ تمّ إحداثه بالكمان، بينما صوت الطعنات هو صوت سكين تطعن بطيخة.. هناك تلميح بسيط هو صوت الطيور.. إن الطيور تذكّرنا بالفتى نورمان الذي يهوى تحنيط الطيور, وهكذا يُحاول هتشكوك "تغشيش" المشاهد بشخصية القاتل، وتعترف بطلة الفيلم أنها لم تستطِع قط أن تشعر بالأمان تحت الدوش منذ ذلك الحين! لاحظ عدد من أطباء العيون أن حدقة الجثة غير متسعة، وقالوا إنه كان يجب على هتشكوك أن يضع بعض قطرة الأتروبين في عيني البطلة.



يتخلّص بيتس من الجثة والسيارة، وبالطبع يضيع المال الذي أخفته الفتاة في حقيبة السيارة، ثم يبدأ فصل ثانٍ من الفيلم والمشاهد مذهول.. كان يتوقّع أن يعرف البطلة أكثر، لكنها ماتت في وقت مبكر جدا.. بعد هذا تصل أخت الفتاة "فيرا مايلز" ومعها مخبر خصوصي هو "مارتين بالسام" إلى الفندق؛ لأن آثار أختها تقود إلى هنا، وفي محاولة جسور لاستكشاف المكان يتعرّض المخبر لهجمة شرسة من الأم تقتله بدوره.

لن أحكي المزيد لأن مَن رأوا الفيلم يحفظون التفاصيل، ومَن لم يروه سيفقدون متعة المشاهدة، لكن هذا الكليب يُريك المفاجأة القذرة التي قابلتها فيرا مايلز عندما قرّرت استكشاف البيت:



وفي النهاية.. يقع أنطوني بيركنز في يد رجال الشرطة، ونسمع محاورته الداخلية مع أمه فيصيبنا الهلع.. هذا هو مشهد الذبابة الشهير:



بالطبع.. يجب أن أتوقّف هنا كما قلت، مع الأسف سُجِن أنطوني بيركنز في سجن شخصية السفاح المريض نفسيا للأبد، وهذا يدلّك على براعة المخرج.

كان نجاح الفيلم ساحقا، وبالتأكيد ترك أثرا لا يُمحى في الثقافة السينمائية، لذا اعتبرته مكتبة الكونجرس أثرا ثقافيا مُهما، ورُشّح لحشد من الجوائز نال الكثير منها.

66. Forrest Gump (1994)

PG-13 | 142 min | Drama, Romance

82 Metascore

The history of the United States from the 1950s to the '70s unfolds from the perspective of an Alabama man with an IQ of 75, who yearns to be reunited with his childhood sweetheart.

Director: Robert Zemeckis | Stars: Tom Hanks, Robin Wright, Gary Sinise, Sally Field

Votes: 2,258,243 | Gross: $330.25M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

أن تعيش كل لحظة مهمة في التاريخ الأمريكي وأنت شخص محدود الذكاء لا يعي ما يدور من حوله حقا، ومع هذا يكون لك دور وتُغيّر أشياء وتوحي بأشياء ويعتبرك البعض أقرب لنبي.

هذه هي القصة الصعبة المراوغة التي كتبها ونستون جروم، بلهجة الجنوب الأمريكي (قراءتها عمل شاق فعلا ولم أستطِع إكمالها).. وكان رأي معظم من قرأها من منتجين أنها غير قابلة للإخراج، غير أن المخرج والمنتج الأمريكي الكبير روبرت زيمكس رأي فيها عملا واعدا. وقد برع السيناريست إريك روث في تحويلها إلى فيلم عُرض عام 1994 وما زال يحيّر الناس، فمنهم مَن يراه عملا عبقريا يفضح أمريكا ويكشف عن حماقة هذا المجتمع المجنون، وهناك من يراه عملا سخيفا يتظاهر بالعمق ولا يعرف ما يريد قوله حقا.. مجلة إمباير البريطانية مثلا اعتبرت نجاح هذا الفيلم دليلا على غباء الجماهير وحماقتها.

روبرت زيمكس مخرج فيلم Forrest Gump روبرت زيمكس مخرج فيلم Forrest Gump

في جميع الأحوال وبرغم دعاوى السخف والادّعاء هذه، أَحبّ الكل هذا الفيلم ووجدوه جميلا ناعما يستخدم سينما راقية خالصة. ومن اللقطة الأولى التي نرى فيها ريشة تتلاعب بها أنسام الهواء، وتحملها من كتف لكتف وفوق رءوس الناس والمباني، حتى تستقرّ عند حذاء فورست جامب مع موسيقى آلان سيلفستري الساحرة، ونحن ندرك أننا أمام حلم بصري لا شك فيه. من الصعب هنا ألا تتذكّر كلمات أغنية "الدنيا ريشة في هوا.. طايرة من غير جناحين.. إحنا النهارده سوا.. وبكره هنكون فين؟" التي سبقت هذا المشهد بخمسين سنة.



قدّم لنا زيمكس من قبل أفلاما جميلة مثل: "العودة للمستقبل" بأجزائه الثلاثة و"القطار السريع القطبي" و"المنبوذ" و"بيوولف"، و"الموت حليفها" و"من ورط الأرنب روجرز"؟.. هكذا استقرّ اسمه كمخرج كبير يتحرّك بالضبط في ذات المنطقة التي يتحرّك فيها ستيفين سبيلبيرج.

جاء هذا الفيلم ليظفر بأوسكار أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثّل لتوم هانكس وأفضل سيناريو وأفضل مؤثّرات وأفضل مونتاج، وحقّق إيرادات عظيمة.

للفيلم هيكل عام (wraparound) هو الرجل الجالس على مقعد ينتظر الحافلة، وجواره صندوق شيكولاتة، وفي قدميه حذاءا ركض.. وَضْع القدمين نفسه يدل على غباء شديد. القاعدة الأساسية في حياته والتي صارت شهيرة جدا بعد الفيلم هي:

ـ "الحياة مثل صندوق من الشيكولاتة.. لا تعرف أبدا ما تحصل عليه".



توم هانكس يؤدّي الدور بعبقرية خاصة مع نظراته المذعورة الغبية المختلسة للعالم. كلما جلس جواره شخص ينتظر الحافلة راح يحكي له -بلهجته "الفلاحي" الجنوبية الممطوطة المضحكة- جزءا من قصة حياته.. الناس يتبدّلون والقصة مستمرة، وهكذا كلما توغلت القصة بدأنا نفهم لماذا يجلس هنا ومن ينتظر.

قصة فورست جامب تدور خلال قطاع بالغ الأهمية من تاريخ أمريكا، منذ كانت تمثل البلد الحلم.. بلد البيبسي كولا ومارلين مونرو وميكي ماوس والروك أند رول، والتي سعت لتصير محررة العالم، مرورا بأعوام التفرقة العنصرية، وأعوام فيتنام الكئيبة وحركة الهيبيز ثم فضيحة ووتر جيت، ثم ظهور الإيدز.. كل هذا مع شريط صوت حافل بأغنيات تلك الحقبة.. هذا الفيلم كنز لمن يحبّون أغنيات وموسيقى تلك الفترة مثلي.

يفترض الفيلم أن فورست جامب كان شاهدا على كل هذه الأحداث، بل مشاركا فيها، بل صانعا لها في بعض الأحيان.

مثلا عندما يمشي مشيته المميّزة في جهاز تدعيم العظام الذي أرغم على تثبيته يوحي لألفيس بريسلي -وهو نزيل عندهم في البنسيون- برقصاته الشهيرة، وعندما يدوس في بقعة قاذورات تتناثر على قميص أحد أتباعه، فإنه يفسّر ما يحدث بعبارة *beep* happens أي أن القذارة تحدث، وهذا شعار شهير جدا على التي شيرتات الأمريكية.

منذ البداية كان جامب طفلا وحيدا يسخر منه رفاقه، فهو محدود الذكاء وطبيب البلدة الأحمق قام بتثبيت جهاز لتقويم العظام حوله إلى روبوت. أمه سالي فيلد تعيش وحدها بعد فرار أبيه وتعوله بطرق ليست شريفة تماما، وهي سخية جدا في عروضها لدرجة أنها تمنح نفسها لناظر المدرسة كي يقبل إلحاق صبي محدود الذكاء مثل ابنها في مدرسته.

في المدرسة يمارس الأطفال قسوتهم المعتادة ويتجنّبونه، لكن طفلة واحدة هي جين (روبين رايت) تسمح له بالجلوس جوارها. فيما بعد سنعرف أنه أحبّ اثنين في حياته هما اللذان سمحا له بالجلوس جوارهما.

قصة الحب الوحيدة في حياة فورست والتي ستظلّ معه طيلة حياته، تجمع بين منبوذين.. أحمق وفتاة صغيرة يغتصبها أبوها السكير بلا توقّف.. في هذا الوقت يكتشف فورست أن قدميه سليمتان وأنه يجري كما لم يجرِ أحد، وفي مشهد يثير القشعريرة يفلت من الصبية معذبيه ويتهشّم الجهاز الأحمق حول ساقيه.. ويصير شعار حياته الدائم هو:

ـ "اركض يا فورست.. اركض!"



إنها تعرف أنه غبي وساذج، لذا فإن ساقيه هما موهبته التي ستنقذ حياته.

ساقاه أدخلتاه الجامعة للتفوق الرياضي، وجعلتا منه نجم كرة برغم أنه كما قال المدرب: "أغبى حمار حي.. لكنه بالتأكيد سريع".

تأتي بعد هذا مرحلة دخول الجيش والتجنيد الإجباري، ومن جديد يتكرر مسلسل النبذ من الرفاق ما عدا الجندي الأسود بوبا (ميكلتي ويليامسون) الذي يصير صديق فورست، والمهووس بالجمبري وحلم أن يمتلك مطعما لا يُقدّم إلا الجمبري. هكذا كل أصدقاء فورست مهزومون بشكل ما، لكن فورست يكتشف أنه مناسب للجيش جدا.. يبدو أن الجيش يحتاج فقط إلى الأغبياء الذين يُنفّذون الأوامر بلا تفكير، وفي هذا المشهد الساخر نرى الصول يعتبره عبقريا:



وهنا:



لهذا يقول فورست: لسبب ما كنت بارعا جدا في الجيش.

يأتي كابوس فيتنام.. ويقابل الضابط (جاري سينيز) الذي سوف يكون صديقه الثالث فيما بعد. نرى لمحة من جحيم فيتنام، ونرى كيف يموت صديقه الأسود بوبا ويتمكّن بسرعته في العدو من إنقاذ باقي رفاقه.. حتى الضابط ينقذه برغم أنه لا يريد ذلك..



بعد الحرب يفقد الضابط ساقيه ويصير قعيدا وهو شيء لم يغفره لفورست قط.. كان يفضّل الموت في الميدان. الساقان المبتورتان للضابط انتصار لفريق المؤثرات الخاصة وشركة إندستريال لايت أند ماجيك التي صنعت الأعاجيب في هذا الفيلم، برغم أن عمره يقترب من عشرين سنة فما زال مقنعا جدا.

طور آخر في حياة فورست هو تعرّفه على الهيبيز وكيف اعتبروه صديقا لهم فارا من جحيم آلة الحرب الأمريكية. وفي هذه المرحلة يقابل جيني حبيبة الطفولة التي تواصل الانحدار لقاع المجتمع بلا توقف.. تذهب مع أي شخص وتنام مع أي واحد في أي لحظة.. لا تملك أحلاما على الإطلاق ولا طموحات سوى جرعة المخدرات التالية. هناك لقاءاته مع معظم الرؤساء الأمريكان وهي لقطات ملفّقة بالكمبيوتر وبارعة جدا.

هناك مرحلة عشق البنج بونج.. مضرب البنج البونج الذي سرقه من الجيش وهو الشيء الوحيد الذي ظفر به من الحرب:



هناك محاولاته ليحقق حلم صديقه الراحل بوبا بامتلاك مطعم للجمبري، وهو ما ينجح في تحقيقه أخيرا بمساعدة الضابط الذي فَقَد ساقيه في فيتنام. هناك حالة عشق الجري التي انتابته فجأة وجعلته يركض عبر الولايات المتحدة من شرقها إلى غربها وبالعكس.. وكيف صار أقرب لنبي له أتباع يتزايدون، ويطلبون منه قطوف الحكمة:



وفي النهاية يصل البحار إلى المرفأ ويستقرّ.. وفي هذا الوقت تعود له حبيبة عمره، والتي صارت أما لابنه.. تعود له لكن بعد ما قضت عليها حياتها العاصفة، وصارت حطاما.. ثم أصيبت بالإيدز.. إنها تمثّل موت الليبرالية في الحياة الأمريكية وانتهاء عصر كامل.



عندما تغلق الدائرة نرى فورست كما عرفناه على نفس المقعد.. ينتظر ابنه القادم بالحافلة. ابنه يتمتع بذكاء طبيعي وواثق من نفسه.. إنه الحلم الأمريكي الجديد بعد هذا التاريخ الصاخب المتخبّط.

ثم تهب نسمة حالمة.. وترتفع الريشة من جديد نحو أقدار لا نعرفها.

67. Reservoir Dogs (1992)

R | 99 min | Crime, Thriller

81 Metascore

When a simple jewelry heist goes horribly wrong, the surviving criminals begin to suspect that one of them is a police informant.

Director: Quentin Tarantino | Stars: Harvey Keitel, Tim Roth, Michael Madsen, Chris Penn

Votes: 1,088,619 | Gross: $2.83M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

في عام 1992 كان هناك شاب "مرووش" يعمل بائعا في نادٍ للفيديو، ولم يدرس السينما قط.. هذا الشاب راح يقابل المنتجين حاملا سيناريو عجيبا كتبه بنفسه ويريد أن يخرجه؛ الأغرب أن السيناريو يبدأ بجملة صادمة "أغنية مادونا هي أغنية عن رجل شديد الفحولة".. طبعا يقولها بألفاظ بذيئة جدا.. كان هذا صادما للمنتجين وبدا لهم أنه من الجنون فتح الباب لهذا الفتى أصلا، بعد أعوام عرف العالم أن هذا الشاب المجنون اسمه "كونتين تارانتينو" الذي كتب وأخرج بعد عامين فيلما بالغ الروعة اسمه (خيال شعبي) الذي قدّمناه هنا.

فقط مع هذا الفيلم أدرك الناس أن تارانتينو جاء ليبقى وأنه ظاهرة حقيقية في عالم السينما، وهكذا عادوا ليشاهدوا "كلاب المستودع" الذي حقّق نجاحا ساحقا.

إن الفيلم يندرج تحت نوعية أفلام اسمها "جريمة سطو فاشلة" أو Heist gone wrong؛ ومنها: "لوك ستوك وفوهتان يتصاعد الدخان منهما" و"عصر يوم حار" و"عندما يعرف الشيطان أنك ميت" و"القتل".

أدرك الناس أن تارانتينو جاء ليبقى أدرك الناس أن تارانتينو جاء ليبقى

كانت خطة تارانتينو تصوير الفيلم بميزانية 30 ألف دولار، لكن الممثّل هارفي كيتل ساعدهم في تمويل الفيلم لتبلغ الميزانية مليونا ونصف المليون.

السيناريو الممتع الذي كتبه تارانتينو يحوي كالعادة مساحات هائلة من الحوار، وهو حوار غريب في حد ذاته.. هناك كذلك بذاءة غير مسبوقة.. الكل يشتم.. في مشهد البداية نرى أفراد العصابة يتناولون الإفطار في كافتيريا، فيدور بينهم جدل حول أغنية مادونا "مثل العذراء". بين الممثلين تارانتينو نفسه الذي يطرح نظرية مثيرة للجدل حول مغزى الأغنية، ثم يقرّرون جمع بقشيش للساقية فيدور جدل حول قيمة البقشيش.. إنها عادة تارانتينو في أن يبدو رجال العصابات أشخاصا عاديين جدا وأقرب للأطفال السخفاء أحيانا.



في النهاية ينهضون.. فيما بعدُ سنعرف أنهم ذاهبون لعملية سطو على ماس لدى مصرف، ولقطات البداية تعتبر من أجمل افتتاحيات السينما عندما يمشون بالسرعة البطيئة مع أغنية "الحقيبة الخضراء الصغيرة"..

شاهد الافتتاحية هنا

سوف نعرف ممثّلي الفيلم، وهم المجموعة التي صاحبت تارانتينو في أفلامه كلها تقريبا بعد ذلك: هارفي كيتل، وستيف بوشيمي، وتيم روث، ومايكل مادسين.. وبالطبع تارانتينو نفسه، وهو ممثّل متواضع المستوى لكنّ شيئا في أدواره يعلق بالذاكرة.

في هذا الفيلم لا يتم استخدام أسماء، ولكن كل واحد من العصابة يحمل اسم لون: مستر أزرق، ومستر وردي، ومستر بني، ومستر برتقالي... إلخ، وهم يعملون تحت إمرة جون كابوت رجل العصابات وابنه. منوع تبادل العناوين أو الأسماء الحقيقية، على كل حال سوف نجد موضوع استعمال ألوان بدلا من الأسماء مسروقا من فيلم الأكشن العظيم "الاستيلاء على بلهام 1-2-3".

هناك مشهد ظريف يرينا المشكلة التي تحدث عندما تعطي الناس فرصة الاختيار.. كل واحد لا يروق له لونه؛ مستر بني -ويلعب دوره تارانتينو نفسه- يشعر كأن اسمه هو "مستر براز"، بينما مستر وردي يشعر أن اسمه ذو إيحاء جنسي.. في النهاية يشخط فيهم كابوت "لا اختيارات هنا".. ليست هذه مدرسة أطفال.. كل واحد سيأخذ اسما ويلتزم به بالقوة، لو ترك لهم الحرية فلسوف يتقاتلون على لقب مستر أسود ومستر أبيض..

شاهد هذا المشهد الظريف هنا

بعد المقدمة يبدأ الفيلم الحقيقي الذي يدور كله في مستودع؛ لم نرَ السرقة.. لم نرَ ما حدث.. فقط ندرك أنهم فشلوا وأنهم تورطوا.. هنا تأتي براعة السيناريو حينما نجمع ببطء من أفواه اللصوص حقيقة ما حدث بالضبط، في المستودع يجتمع مستر أبيض ومستر وردي مع مستر برتقالي الذي ينزف بغزارة.. من الواضح أن الشرطة كانت تتوقع السرقة وقد أمطرتهم بوابل من الرصاص..

شاهد فرار مستر وردي هنا

كان مستر برتقالي هو الممثّل تيم روث، وقد ظلّ طيلة الفيلم على أرض المستودع ينزف.. قال فيما بعد إنهم كانوا يسكبون عليه شراب البرقوق الأحمر الذي يبدو كالدم؛ لهذا كانوا "يسلخونه" سلخا من الأرض في نهاية يوم التصوير.

المشكلة الألعن أن مستر أشقر أطلق رصاصا على الناس بشكل مجنون مما زاد الجريمة خطورة، بل إنه اعتقل رجل شرطة جاء به إلى المستودع.. عندما ينفرد المستر أشقر السادي برجل الشرطة يتسلى بتعذيبه؛ لدرجة أنه يرقص على الموسيقى في المذياع وهو يقطع أذن الشرطي.

هذا من المشاهد الشنيعة جدا في تاريخ السينما، وبرغم هذا يكتشف المرء في دهشة أنه لم يرَ أي أذن تقطع.. لقد أوحى تارانتينو بالأمر ولم يرينا أي شيء.



يُوشك كذلك على حرق الشرطي ويغمره بالجازولين، لكن البرتقالي يتدخّل في هذه اللحظة ويقتله بالرصاص، وهنا نعرف أن البرتقالي هو شرطي سري متنكر، وهو من أبلغ الشرطة بتفاصيل السطو قبل أن تقع، لكن هذا يكلّفه حياته تقريبا.

الآن تتكاثر الشكوك حول مستر برتقالي، ويدافع عنه مستر أبيض، مؤكّدا أنه من المستحيل أن يكون جاسوسا أو مخبرا لدى الشرطة، لكن جو ابن الزعيم يصل.. يخبرهم أن مستر أزرق قد مات أثناء الهرب، وهو يعرف يقينا أن البرتقالي مخبر شرطة.

يتمّ تبادل إطلاق رصاص على طريقة الوقفات المكسيكية

تنطلق الرصاصات في كل صوب.. والنتيجة لخبطة هائلة.. يموت فيها الكل تقريبا.. مستر وردي يحاول الفرار بالمسروقات لكن الشرطة تعتقله خارج المستودع، يحتضن مستر أبيض مستر برتقالي مواسيا مطمئنا؛ فيكشف هذا الأخير عن شخصيته وعن أنه شرطي.. اكتشف مستر أبيض أنه كان أحمق وأنه وضع ثقته في شخص خانهم.. يخرج مسدسه لقتله بينما نسمع صوت اقتحام الشرطة للمستودع.



وهنا النهاية مفتوحة نوعا ما ومتروكة لخيالنا، لكن من الواضح أن الرجلين سيموتان.

هنا ترى أفضل لقطات الفيلم

نال الفيلم تقديرا كبيرا من النقاد والجمهور، ولا بد أن يأتي ذِكره كلما تكلّمت عن السيناريو أو عن أفلام الأكشن أو عن تارانتينو.. صحيح أن كثيرين غادروا قاعة السينما أثناء عرضه الأول، لكن السبب هو أن جرعة العنف أو السباب قوية جدا.. ليس كل الناس قادرين على تحمل هذا الفيلم. يحتلّ الفيلم موقع 97 في قائمة أفضل 500 فيلم في تاريخ السينما وهو من أفلام الحافظة الزرقاء بكل تأكيد.

68. Lawrence of Arabia (1962)

Approved | 218 min | Adventure, Biography, Drama

100 Metascore

The story of T.E. Lawrence, the English officer who successfully united and led the diverse, often warring, Arab tribes during World War I in order to fight the Turks.

Director: David Lean | Stars: Peter O'Toole, Alec Guinness, Anthony Quinn, Jack Hawkins

Votes: 314,486 | Gross: $44.82M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

هذا الفيلم الأسطوري يُعتبر جامعة تخرّج فيها عديد من المخرجين والسينمائيين، ويعترف المخرج العالمي ستيفن سبيلبرج بأنه يجب أن يشاهده مرة كل أسبوع على الأقل كي يحتفظ باتصاله بمعنى السينما الممتازة.

بالنسبة لنا نحن العرب، يتعلق الفيلم بفترة تاريخية مهمة من تاريخنا، كما أنه يمثل أول ظهور عالمي للنجم المصري (عمر الشريف). يحكي المخرج عاطف سالم أن ديفيد لين المخرج البريطاني العظيم، كان بحاجة لممثل عربي الملامح، له نظرات قوية ليؤدي دور (الشريف علي)، ولم يجد عاطف سالم طريقة أفضل من أن يصحبه معه للسينما لرؤية فيلم (أيامنا الحلوة)، الذي كان يضمّ أهم ثلاثة نجوم مصريين وقتها: عبد الحليم حافظ، وأحمد رمزي، وعمر الشريف.. فلما رأى لين عمر الشريف صاح: هذا هو! وعرف أنه يجيد الإنجليزية كذلك؛ فازداد حماسًا. وكان ظهور عمر الشريف أسطوريًا؛ خاصة مع تأثير الضباب وقدومه من بعيد، مع عينيه القويتين، وهكذا حفر مكانه للأبد لدى المشاهد الغربي.. وفيما بعد تأكد هذا المكان بفيلم د. زيفاجو لنفس المخرج، الذي جعل كل شباب العالم الغربي يطيلون شواربهم ويخرجون القميص خارج البنطال، مع ارتداء الحزام عليه من الخارج. لقد صار عمر الشريف موضة في العالم كله! ديفيد لين مخرج بريطاني يعتبرونه من أعمدة هوليوود السبعة ديفيد لين مخرج بريطاني يعتبرونه من أعمدة هوليوود السبعة

ديفيد لين مخرج بريطاني عظيم بالغ الأهمية، ويعتبرونه من أعمدة هوليوود السبعة الذين تسقط دونهم. مُقلّ جدًا في أفلامه؛ لكن كل فيلم منها يصلح للتدريس؛ ويكفي أن نذكر بين أفلامه (أوقات عصيبة)، و(ابنة رايان)، و(ممر إلى الهند)، و( جسر على نهر كواي)، و(د. زيفاجو)... يؤكد لين القاعدة القديمة التي لا تخيب: أفضل المخرجين على الإطلاق هم مَن بدءوا حياتهم بالمونتاج. المونتاج يتيح لك فهم الإيقاع، ويتيح لك رؤية أخطاء الآخرين في أفلامهم.

كان لين قد خرج من النجاح الساحق لفيلم (جسر على نهر كواي) مع المنتج سام سبيجل، وراح يفكّر في تقديم فيلم عن غاندي مع نفس المنتج (من الخسارة أنه لم يصنعه قط)، ثم وجد أنه يفكر بعمق في (أعمدة الحكمة السبعة) كتاب لورانس الشهير.

عرض الفيلم عام 1962، وقد كتب له السيناريو روبرت بولت.. كاتب السيناريو العظيم الذي يعتبره كثيرون أفضل سيناريست على الإطلاق. تصوير فريدي يانج علامة لا تنسى، وكذلك موسيقى موريس جار الرائعة، التي يعرفها الجميع.



يمكنك الاستماع لهذه الموسيقى هنا

تمت كتابة السيناريو مرتين، لكي يصير البطل هو شخصية لورانس نفسها وليست الأحداث التاريخية المهمة. يحكي الفيلم عن ضابط المخابرات البريطاني (ت. لورانس) الذي لعب دورًا محوريًا بالغ الأهمية في بداية القرن العشرين. مات لورانس في حادث دراجة بخارية، وهو الذي كان مولعًا بقيادة الدراجات البخارية بسرعة جنونية. وفي حفل تأبينه يقوم الصحفيون بمعرفة المزيد عن هذا الضابط الغامض، على طريقة المواطن كين الشهيرة.

عندما كان لورانس -ويلعب دوره بيتر أوتول- في القاهرة، كان الأمير فيصل (أليك جنيس) يقود ثورة العرب ضد الأتراك. هكذا تتفق مصلحة بريطانيا مع مصلحة العرب، ويتلقى العرب الوعد الكاذب المشئوم بأنهم إذا ساعدوا بريطانيا على هزيمة الرجل المريض تركيا؛ فإنهم بعد الحرب العالمية الأولى سينالون استقلالهم.. طبعًا نعرف من كتب التاريخ أن هذا لم يحدث، وأنهم كوفئوا باتفاقية سايكس بيكو التي مزقت لحم بلادهم الحي.

يُسند مكتب المخابرات البريطاني مهمة الاتصال بالعرب إلى الضابط (لورانس). وهو لا يملك الموهبة اللازمة لهذا العمل؛ فيما عدا أنه يعرف الكثير عن البدو..

يكون لقاؤه الأول مع الشريف علي الذي يقتل تابعه. هذا هو ظهور عمر الشريف المهيب لأول مرة على الشاشة.. شخصية الشريف علي لا وجود لها تاريخيًا؛ وإنما هي خليط من عدة شخصيات.



يمكنك رؤية مشهد البئر هنا

يقابل لورانس الأمير فيصل، وينشأ إعجاب متبادل بين الرجلين.. الضابط البريطاني الحساس الذكي والمحارب البدوي واسع الخبرة.

هكذا يتطور دور لورانس من مجرد مفاوض إلى مشارك في عمليات البدو. يقترح على الأمير فيصل أن يعطيه خمسين رجلاً يهاجم بهم العقبة، وهي ميناء شديد الأهمية يمكن للبريطانيين أن يوصلوا الإمدادات للعرب عن طريقه.



يمكنك رؤية هذا المشهد هنا

تتم الغارة بالاشتراك مع الشريف علي، ويعبر صحراء النفود التي يعتبرها البدو صحراء الموت. إن البريطاني النحيل لا يخاف.. وعندما يكتشف أن تابعه العربي قد ضاع في الصحراء؛ فإنه يعود له لينقذه.. بهذا يكسب الكثير من احترام العرب وتقديرهم.



يمكنك رؤية هذا المشهد هنا

وينجح لورانس في إقناع عودة أبو تايه -زعيم قبيلة الحويطات القوية- بالانضمام له. يلعب أنتوني كوين هذا الدور في أداء يصعب نسيانه، وإن أثارت الشخصية -كما ظهرت في الفيلم- سخط العرب؛ لأنها تظهر عودة مجرد لص صحراوي ظريف، وقد رفع أحفاد الرجل قضية على شركة كولومبيا، استمرت عشر سنوات. ويحكون أن ديفيد لين اختار كوين لهذا الدور؛ فوضع كوين الماكياج والثياب لنفسه، ثم ظهر في مسرح التصوير دون أن يُعلن عن نفسه. لما رأى ديفيد لين هذا البدوي الغامض طلب من مساعديه أن يلغوا اتفاقهم مع كوين.. هذا البدوي هو الأصلح للدور!

يعود لورانس للقاهرة ليقابل المندوب السامي البريطاني الجديد اللنبي، ويخبره بما حققه من انتصارات، ثم يتزود بالسلاح والمال ليعود للأمير فيصل.

لقد صار لورانس أقرب إلى شخصية جيفارا.. إنه بعبع الترك في كل مكان، وهو يدمر قطاراتهم وحصونهم بلا توقف. العرب يحبونه فعلاً؛ لكنه كذلك يزداد قسوة.. لقد صار محاربًا بالكامل. وفي الواقع يسبب أكثر من مذبحة ضد الأتراك. هنا لعبة شهيرة لعبها مصمم الثياب.. في البداية تكون ثياب لورانس زاهية واضحة، ثم مع الوقت تصير بيضاء شبه شفافة؛ مما يجعله أقرب للأشباح أو الأطياف. مع ملاحظة أن عيني بيتر أوتول زرقاوان شفافتان تقريبًا.



في الوقت ذاته يزداد نفور البريطانيين منه باعتباره موشكًا على الجنون، ولأنه صار أقرب إلى البدو في طباعه.

أما هو فيعاني أزمة ضميرية ناجمة عن حبه للعرب والشعور بأن بريطانيا تنوي أن تخدعهم. وفي النهاية يقرر اللنبي أن إنهاء مهمة لورانس هو الأصوب.. ويعتكف هذا الأخير بين ركوب الدراجة البخارية وكتابة مذكراته الشهيرة (أعمدة الحكمة السبعة).

نال الفيلم تقديرًا عظيمًا بين الجماهير والنقاد؛ وإن سبّب حساسية لدى بعض الأقطار العربية التي تناولها؛ خاصة أن أحفاد من ظهروا في الفيلم ما زالوا أحياء؛ فلم تقبل عرضه سوى الجمهورية العربية المتحدة -وقتها- بينما وجدت فيه باقي الدول العربية ما يسيء لها. كان هذا الفيلم فيلمًا آخر من أفلام الحافظة الزرقاء.

69. Inherit the Wind (1960)

Passed | 128 min | Biography, Drama, History

75 Metascore

Based on a real-life case in 1925; two great lawyers argue the case for, and against, a Tennessee science teacher accused of the crime of teaching Darwin's theory of evolution.

Director: Stanley Kramer | Stars: Spencer Tracy, Fredric March, Gene Kelly, Dick York

Votes: 32,786

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

مع النظرة الأولى قد يبدو لك هذا الفيلم مملا قاتما؛ فهو يدور في مكان واحد شديد القيظ حتى لتشعر بالعرق يبلل روحك ذاتها.. شمس الجنوب الأمريكي وارتفاع الرطوبة يجعلان الحياة جحيما. الفيلم بالأبيض والأسود وخالٍ من التوابل، وموضوعه محاكمة شهيرة في التاريخ الأمريكي، لكنك لو صبرت بضع دقائق لشعرت بأن المرآة تنفتح وتمتصكّ داخلها، ولن تفطن إلا وأنت تقرأ كلمة "النهاية".

البطل الحقيقي هنا هو السيناريو، وأداء وحشَيْن شديدي الاحترافية؛ هما سبنسر تراسي وفردريك مارش. عُرِض الفيلم عام 1960 وأخرجه مخرج أمريكي عظيم هو ستانلي كريمر، وهو اسم ارتبط بأفلام ناجحة كثيرة نذكر منها: "على الشاطئ" و"محاكمات نورنبرج" و"إنه عالم مجنون مجنون" و"خمن من القادم على العشاء".

أخرج الفيلم ستانلي كريمر الذي ارتبط اسمه بأفلام كثيرة ناجحة أخرج الفيلم ستانلي كريمر الذي ارتبط اسمه بأفلام كثيرة ناجحة

أما عن عنوان الفيلم الغريب -يترجم أحيانا "ميراث الريح"- فهو يُشير إلى الآية رقم 29 من سفر الأمثال التي تقول: "من يكدر بيته يرث الرياح والغبي خادم لحكيم القلب"؛ أي أن مَن يضع أهل بيته في آلام وضيق مستمر بسبب انعدام المسئولية لديه، يصِر لا شيء.. سوف يمتلك الهواء لأن الكل سينفضون عنه يوما ما.

قصة الفيلم الذي قدّم عام 1960 هي عن مسرحية بنفس الاسم لجيروم لورانس وروبرت إدوين لي، وهي تحكي عن قضية مهمة وشهيرة جدا لدى الأمريكيين وهي "محاكمات القرد".. سوف نعرف من الفيلم أن الأمريكان -خصوصا في ولايات الجنوب- أصوليون جدا وشديدو الحساسية فيما يتعلق بالنظريات الحديثة التي يرونها تتعارض مع الدين، وكانت محاكمة القرد الشهيرة التي دارت عام 1925؛ حيث قدم مدرس أحياء شاب للمحاكمة؛ لأنه قام بتدريس نظرية التطور الخاصة بداروين في الصف لتلاميذه، وهي لم تكن في المنهج أصلا. ما زال الجدل قائما حول نظرية داروين؛ فهي نظرية علمية تخطئ وتصيب، والقول إن أصل الإنسان قرد هو تبسيط مخلّ للحقائق بلا شك.. لقد كان داروين عالم تشريح مقارن بذل جهدا علميا خرافيا، والفيلم -وأي شخص عاقل- يرى أن من حق المدرس أن يقدّم هذه النظرية لتلاميذه ليس باعتبارها الصواب الوحيد طبعا.. يجب أن نعرف مختلف الاتجاهات والأفكار.. من الخطأ أن تعزل التلاميذ في قوقعة؛ هكذا نرى أن الفيلم يعرض صداما أراده البعض بين الدين والعلم، وهو لا ينكر الدين لكنه كذلك يحترم العلم بشدة.

شاهد التيتر الأساسي مع أغنية بلوز تقول "أعطني دينا قديما.. فهو يناسبني"

تدور قصة الفيلم حول المدرّس الشاب كيتس الذي يتمّ اعتقاله "متلبّسا" في المشاهد الأولى من الفيلم

لاحظ أن اللقطات تستعمل أحيانا أسماء أصحاب القضية الحقيقيين.. التهمة هي تدريس نظرية داروين في المدارس والتي يرى المتديّنون في البلدة أنها مؤامرة لتخريب عقول الشباب. في عالم الواقع تولّى اتهام المدرس محامٍ متدين فائق الصيت هو ويليام برايان، وتولى الدفاع عنه محامٍ شهير جدا اسمه كلارنس دارو. هنا اسم ممثل الاتهام ماتيو برادي -يؤدي دوره الممثل العظيم فردريك مارش- أما المحامي هنا فهو هنري دراموند الذي يؤدي دوره سبنسر تريسي.

في تلك البلدة الجنوبية الصغيرة يطالب الكل برأس المدرّس، وبطلهم الذي سيأتي لهم بحقهم هو برادي العظيم.. الرجل الأصولي المفوّه الذي يعتبر التوراة هي الكتاب الوحيد ذو الأهمية في العالم، وما عدا هذا تضييع وقت. هنا يطلب المدرس الشاب المهدد بضياع مستقبله محاميا بارعا هو دراموند الذي تدفع أتعابه جريدة أمريكية مهتمة بهذا الصخب المثير.

دراموند شخص متفتّح يحترم العلم، ويرى أن كل الكتب مهمة ويجب أن تقرأ.. وعبارته التي تتكرر هي: "التوراة كتاب رائع، لكنها ليست الكتاب الوحيد".



هكذا تبدأ هذه المعركة في جو خانق حار.. وجو يُذكّرنا كثيرا بفيلم "اثنا عشر رجلا غاضبا" الذي قابلناه منذ فترة في الحافظة الزرقاء.. يبرع تصوير إرنست لازلو الذي اعتمد غالبا على ضوء الشمس في نقل الجو بدقة، حتى إنك تشعر بالحر والعرق أنت نفسك.

هناك صحفي مشاغب عابث هو جين كيلي، يتابع المحاكمة، ويسعده جدا أن يجعل الناس لا يشعرون براحة حيثما يكون موجودا، وموقفه واضح جدا في صف المحامي دراموند.

إن المحاكمة مستعرة والحجة تضرب الحجة، ومنطق الرجلين قوي جدا حتى إنك في لحظات كثيرة لا تعرف في أي معسكر أنت.

ما نعرفه كذلك هو أن الرجلين العظيمين صديقان قديمان وكلاهما يحمل تقديرا كبيرا لخصمه..

شاهد هذا المشهد الرائع هنا وهما يجلسان على مقعدين هزازين في ليلة حارة ويثرثران

إن المحاكمة التي نراها في الفيلم تطرح عشرات الأسئلة.. محاكمة للعقل البشري والتعصب والعلم والتطور.. تناقش العلاقة المتحفزة بين العلم والدين وهل الصدام محتم بينهما أم لا؛ هذا فيلم لا يشاهد مرة واحدة، وبالتأكيد سوف تفكّر فيه عدة أيام بعدها، أو يدخلك في مناقشات ساخنة مع مَن شاهده معك.

في النهاية تنتصر حجة دراموند وينجح في تبرئة المدرس.



النتيجة هي أن شخصية متعصبة مثل شخصية برايان لا تتحمّل هذه الهزيمة أمام أنصاره الذين يؤمنون به لدرجة التأليه.. يحاول إلقاء خطبة متعصبة أخيرة جعلته يبدو كمجنون ثم يسقط منهارا.. لقد فقد مبرر وجوده عندما هزم.



رشّح الفيلم لعدد هائل من جوائز الأوسكار، وبافتا.. ونال فردريك مارش جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين كأفضل ممثل، بالطبع أدعوك بشدة إلى أن تقوم بتحميل هذا الفيلم ومشاهدته.

70. Dances with Wolves (1990)

PG-13 | 181 min | Adventure, Drama, Western

72 Metascore

Lieutenant John Dunbar, assigned to a remote western Civil War outpost, finds himself engaging with a neighbouring Sioux settlement, causing him to question his own purpose.

Director: Kevin Costner | Stars: Kevin Costner, Mary McDonnell, Graham Greene, Rodney A. Grant

Votes: 290,778 | Gross: $184.21M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

رأيت هذا الفيلم في سينما نورماندي بمصر الجديدة عندما تمّ تجديدها عام 1991، وكانت آلة العرض ممتازة وسماعات الصوت في حالة رائعة (كنت تسمع سنابك الخيول إذ تركض في الشارع خارج السينما)، ولهذا لم أعتبره فيلما ولكن تجربة روحية كاملة، عندما ترى كل هذا الإتقان فأنت بحاجة لأن تراه كما أراد صانعوه.

الفيلم لعب علني بالمشاعر يُوشك أن يمد يده من الشاشة لعينك ليعتصر الدموع منها، لكنه لعب راقٍ عالي المستوى، ولهذا تجهش بالبكاء عدة مرات أو تشعر بالقشعريرة وبرغم هذا لا تخجل من نفسك. هذا النوع من القصص التي يُسمّونها "ذات موقف سياسي صحيح" (politically correct)؛ إذ يتمّ إعادة الاعتبار للهنود الحمر أو السود.. لقد مرّ عهد طويل على زمن أفلام جون واين العنصرية، عندما كان يقتل الهنود كالذباب بينما المُشاهد يُصفّق ويبعثر الفيشار منتشيا.. اليوم نحن نعرف أن جون واين عنصري يميني سادي، وهذا الاتجاه معروف في السينما الغربية باسم Revisionist cinema أي سينما المراجعات؛ حيث تكتشف السينما أنها كانت مخطئة في الماضي.

اليوم نقابل النجم الوسيم والمخرج البارع كيفن كوستنر اليوم نقابل النجم الوسيم والمخرج البارع كيفن كوستنر

النقطة الثانية بالنسبة للفيلم هي أن بوسعك لو رأيته أن تعتبر أنك عرفت قصة فيلم "أفاتار" الذي هزّ العالم مؤخرا، مع جعل الهنود كائنات فضائية في فيلم "أفاتار".

اليوم نقابل النجم الوسيم والمخرج البارع كيفن كوستنر. القصة عن كتاب لمايكل بليك، وقد استغرق الفيلم خمسة أعوام في الإعداد ليعرض عام 1990، وتكلّف 22 مليون دولار، وهي ميزانية متوسّطة بمقاييس تلك الأيام، لكنها تجاوزت الميزانية المرسومة بكثير. التصوير الرائع هو للفنان دين سكلر، والموسيقى للفنان جون باري صاحب الموسيقى التصويرية لأفلام لا تنسى؛ ومنها اللحن المميّز لأفلام جيمس بوند..



استمع إلى لحن "يرقص مع الذئاب" الشهير جدا هنا

منذ اللحظات الأولى للفيلم نحن في جحيم الحرب الأهلية الأمريكية، بين جيش الجنوب وجيش الشمال.. الملازم الأول دونبار (كوستنر) قد أُصيب إصابة بالغة في قدمه، وقد كان الحل الأسهل وقتها هو البتر، لكنه يُفضّل أن يركب حصانه ويفرد ذراعيه كالشهداء، ويمشي أمام مدفعية العدو ليظفر برصاصة تنهي آلامه.. تنهمر عليه الطلقات في مشهد لا ينسى لكنه يظلّ حيا.. ويتوسّل له الأعداء أن يعيد الكرة ليجربوا أن يقتلوه.. يفعلها ثانية ويظل حيا. النتيجة هي أنه يُشعل لهيب زملائه ويكرون فينتصرون على العدو.. يكافئه القادة بأن يعهدوا بجرحه لطبيب حقيقي محترم يحافظ له على قدمه، ويمنحوه الجواد الذي كان يمتطيه.



شاهد هذا المشهد هنا (وإن كانت النسخة رديئة فعلاً)

لسبب ما لا يستطيع دونبار التكيّف مع الحياة الأمريكية.. يريد العزلة، لذا يطلب أن ينقلوه للحدود الغربية. هكذا يرسلونه إلى كولورادو ليكتشف أنه وحيد تماما هناك، ليس له جيران سوى قبائل الهنود الحمر.

هكذا يقضي حياة شبيهة بروبنسون كروزو.. يبني حصنا صغيرا، ويدوّن مذكرات كل يوم في دفتر صغير. تتكرّر محاولات سرقة حصانه من هنود السيوكس جيرانه، وهكذا يقرّر أن يذهب لقريتهم للتفاوض.

يكون اللقاء الأول مؤسفا نوعا؛ لأنه ينقذ امرأة بيضاء حاولت الانتحار ويعيدها للقبيلة.. المرأة تدعى "تقف بقبضة" وتلعب دورها الممثلة ميري مكدونل، وهي فتاة يتبنّاها زعيم القبيلة الذي يلعب دوره ببراعة جراهام جرين، وقد حاولت الانتحار بسبب فقدان زوجها.

هكذا يتحطّم الحاجز نوعا.. ويقوم بعض الهنود بزيارته ليجلبوا له هدية هي فراء جاموس لفصل الشتاء، وفي أول لقاء حضارات يعلّمهم شرب القهوة في مَشاهد شديدة الإمتاع. إن اللغة عائق شديد بين الطرفين، وإن كانوا يحاولون التغلّب عليه.. يزحف دونبار على أربع ويرسم لنفسه قرنين ليتعلّم أول كلمة هندية يعرفها "تاتانكا" معناها "جاموس".



شاهد هذا الجزء هنا

عندما يكتشف دونبار هجرة واسعة للثيران البرية في ظلام الليل، يهرع ليخبر القبيلة.. وهكذا ينطلق الجميع للصيد وجمع مخزون لحم للشتاء.. ويثير انبهار الهنود ببراعته وبندقيته.



شاهد هذا المشهد هنا

لقد صار منهم بالفعل وفي تلك الليلة يأكل ويشرب في مأدبتهم حتى يفقد قبعته العسكرية ويقايضها بخنجر، وهذه بداية تحوّله المستمر



إنه يفقد ثيابه العسكرية الأمريكية كما يزداد عدد الكلمات الهندية التي يستعملها

أما عن ليالي الوحدة، فرفيق دونبار فيها هو ذلك الذئب الصموت الفضولي الذي أطلق عليه "ذو الجوربين"، ورقصات يرقصها بغصن شجرة حول النار. هنا يستعرض مدير التصوير ومؤلف الموسيقى التصويرية والمونتير عضلاتهم ببراعة مذهلة، الهنود يرون هذا المشهد العجيب ولا يفهمون مغزاه، لكنهم يطلقون على دونبار اسم "يرقص مع الذئاب".



شاهد هذا المشهد هنا

وهنا

عندما يرحل الرجال للقتال، يُكلّفون دونبار بحراسة النساء والأطفال في القبيلة، وهي المهمة التي يقوم بها ببراعة؛ إذ يعلّم النساء استعمال البنادق. وعندما تُغِير قبيلة منافسة على المعسكر تنجح لغة الرصاص في قهر المهاجمين، وهكذا تتزايد مكانته ويعتبره معظم الهنود أخا.. ويوافق الزعيم على أن يتزوّج "تقف على قبضتها".

مشكلة دونبار وسط هذه السعادة هي معرفته أنه صار هاربا من جيش الولايات المتحدة، وهذا سوف يدفع الجنود الزرق لمطاردته، وهو ما يحدث فعلا عندما يعود لمعسكره.. يقبض عليه جنود الجيش ويقتلون حصانه، ثم يقتلون الذئب صديقه كذلك في مشهد يحطّم الأعصاب، ثم ينقلونه للمحاكمة العسكرية التي سوف تنتهي بإعدامه طبعا.. إن الفيلم يظهر جنود الولايات المتحدة كمجموعة من الحيوانات، بينما يُظهر الهنود قمة في الرقي والتحضّر.

يتدخّل الهنود لإنقاذ دونبار ويذبحون الأمريكان ذبحا..

لكن الحياة صارت مستحيلة بالنسبة لدونبار.. يعرف أنه صار لعنة بالنسبة للقبيلة، كما أن بقاءه معهم يجلب لهم المتاعب ومطاردة الرجل الأبيض.



لهذا يودع القبيلة ويصطحب زوجته مبتعدا في مشهد يبعث القشعريرة في النفس، خاصة مع صيحات الوداع من صديقه المخلص "الريح في شعره"

نرى ملاحقة الجنود البيض له.. والبحث في الرماد عن آثاره.. وينتهي الفيلم عند هذا الحد، وقد توقّعنا أنهم سيجدونه على الأرجح، ولسوف يقضون كذلك على السيوكس خلال 13 عامًا، هذا ما يخبرنا الفيلم به وهو دقيق تاريخيا.

كان تصوير الفيلم كابوسا؛ بسبب تقلّبات الجو العنيفة في داكوتا، وكذلك بسبب صعوبة السيطرة على الحيوانات، وخاصة مشهد قطعان الجاموس الضخم، لم يكن الكمبيوتر قد بلغ درجة البراعة الكافية لتقديم مشهد كهذا. كان معظم حوار الفيلم بلغة "لاكوتا" التي يتكلّمها هنود السيوكس، وكانت هناك مدرّبة متواجدة لملاحظة الحوار دائمًا، وإن انتقد السيوكس الفيلم فيما بعد؛ لأن هناك لغة للرجال ولغة للنساء عندهم، وبالتالي كان كل رجال الفيلم يتحدّثون كالنساء.

ظفر الفيلم بأوسكار أفضل فيلم أمام "جدعان طيبون" فيلم مارتن سكورسيز و"الأب الروحي" الجزء الثالث. حصد كذلك أوسكار أفضل إخراج وأفضل سيناريو وتصوير ومونتاج ومزج صوت وموسيقى، كما فاز بعدة جوائز "الكرة الذهبية"، يبدو أن هذا الفيلم كان "تيتانيك" ذلك العام.

كان هذا الفيلم الجميل من أفلام الحافظة الزرقاء..

71. Dr. Strangelove or: How I Learned to Stop Worrying and Love the Bomb (1964)

PG | 95 min | Comedy, War

97 Metascore

An unhinged American general orders a bombing attack on the Soviet Union, triggering a path to nuclear holocaust that a war room full of politicians and generals frantically tries to stop.

Director: Stanley Kubrick | Stars: Peter Sellers, George C. Scott, Sterling Hayden, Keenan Wynn

Votes: 518,436 | Gross: $0.28M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

من جديد نلتقي مع ستانلي كوبريك المخرج العظيم الذي يُعتبر واحدًا من أعمدة السينما. إن أفلام كوبريك معدودة جدًا، لكن كل فيلم منها يصلح للتدريس ويحمل رؤيا قوية متفردة. عرفنا أنه تمرّد على هوليوود، فذهب إلى إنجلترا ليقدّم الأفلام التي يريدها بشروطه الخاصة وبأجهزته وطاقم العمل الذي يريده، وهو أكثر مخرج موسوس مولع بالدقة في التاريخ لدرجة أنه كان يعيد تصوير بعض المشاهد في أفلامه 180 مرة! عندما تذكر اسم كوبريك سوف تذكر على الفور أسماء مثل "2001".. "لوليتا".. "سبارتاكوس".. "عينان مغلقتان باتساع". "البرتقالة الآلية".. "خزانة مليئة بالطلقات".. "دكتور سترانجلاف".. "تألق"..

إن كوبريك مولع فعلاً بالكوميديا السوداء، ومن الحقائق الغريبة عن فيلم اليوم أنه كان يتخذ الشكل الواقعي أولاً، ثم رأى كوبريك أن صيغة الكوميديا أقوى تعبيرًا وتأثيرًا، فقد راقت له فكرة التدمير المتبادل.

إن أفلام كوبريك معدودة جدًا، لكن كل منها يصلح للتدريس ويحمل رؤيا قوية متفردة إن أفلام كوبريك معدودة جدًا، لكن كل منها يصلح للتدريس ويحمل رؤيا قوية متفردة

نحن في أوائل الستينيات في ذروة الحرب الباردة بين العالم الحر كما يحلو لأمريكا أن تطلق على نفسها والعالم الاشتراكي كما يحلو للسوفييت أن يطلقوا على أنفسهم. مرارًا يلوح الخطر النووي في الأفق، خاصة مع أزمة الصواريخ الكوبية وعملية خليج الخنازير. كان كل إنسان يصحو من نومه متسائلاً إن كان هذا هو اليوم الأخير؟ كوبريك قرر أن هذا هو اليوم الأخير فعلاً وقدمه في هذا الفيلم الجميل. العنوان الساخر "كيف تعلمت أن أكفّ عن القلق وأحبّ القنبلة الذرية" يذكّرنا بالكتب التي كانت شائعة في ذلك الزمن كيف تصنع الأصدقاء وتؤثر في الناس... إلخ. وهو يضفي نوعًا من التحضر على موضوع شنيع بطبعه.

راقت رواية "الإنذار الأحمر" لبيتر جورج لكوبريك وقرر أن يقدمها في فيلم سينمائي. استعان مصمم المناظر -وهو متخصص في أفلام جيمس بوند- بخياله وبعض الصور النادرة ليصمم الطائرة من الداخل وغرفة العمليات.. إلخ؛ لأن البنتاجون رفض التعاون بأي شكل، ومن الغريب أن النتيجة كانت دقيقة لدرجة أن بعض الأمريكيين اعتقدوا أنه يتعاون مع شبكة تجسس!

تبدأ القصة بالجنرال الأمريكي المجنون جاك ريبر -يلعب دوره سترلنج هايدن- الذي يقرّر أن يشنّ حربًا نووية على الاتحاد السوفييتي. يؤمن الرجل بأن هناك مؤامرة شيوعية على العالم تهدف لتسميم سوائلنا الحيوية.



شاهده يشرح نظرياته المخبولة لمساعده -ويقوم بدوره الممثل الكوميدي بيتر سيلرز- هنا

يصدر أوامره لقاذفات قنابل من طراز ب-52.. يحاول مساعده أن يوقف الهجوم، لكنه لا يستطيع معرفة الشفرة التي تتلقاها الطائرات، فتعرف أن العملية أجهضت.

لقد بدأ العد.. الطائرة سوف تقصف الاتحاد السوفييتي فعلاً.

تصل الأخبار السوداء للرئيس الأمريكي -الذي يلعب بطولته بيتر سيلرز أيضا- ويحاول أن يرسل قوات تنتزع الشفرة من الجنرال المجنون جاك ريبر، لكن الجنرال أصدر أوامره للقوات أن تطلق الرصاص على أي شخص يحاول الاقتراب. وبالفعل ينتحر عندما يشعر أن الدائرة تضيق حوله مما يزيد تعقيد الأمور، فالطائرة صارت كرصاصة خرجت من المسدس ولا يمكن استعادتها.

يضطر الرئيس الأمريكي إلى طلب السفير السوفييتي لإخباره بالكارثة المتجهة نحو الاتحاد السوفييتي، ويعطيه بعض المعلومات عن الطائرة عساهم يستطيعون إسقاطها. برغم هذا يغريه بعض القواد بأن ينتهز الفرصة ويرسل طائرات أكثر لمحو الاتحاد السوفييتي من على الخارطة قبل أن يجد فرصة الرد. هنا يطمئنه السفير السوفييتي أن لديهم برنامجًا أوتوماتيكيًا يمحو كل أثر للحياة على الأرض لو تعرض الاتحاد السوفييتي لهجوم نووي. الظريف أنه برغم حرج الموقف فإن السفير السوفييتي لا يفوت الفرصة ويبدو أنه يتجسس بلا توقف على غرفة العمليات الأمريكية أثناء تواجده فيها.

الآن جاء دور استدعاء دكتور سترينجلاف ليشرح للرئيس معنى عملية يوم القيامة.. دكتور سترينجلاف هو بيتر سيلرز كالعادة.. خبير سلاح نازي سابق مقعد، ويخاطب الرئيس الأمريكي بلقب الفوهرر من حين لآخر.. أداء عبقري لا يمكن نسيانه فعلاً.. إنه مريض سادي قاس بلا رحمة، ويرتجف نشوة وشوقًا كلما تخيّل الجحيم النووي القادم. أضف لهذا أن يده اليمنى متوحشة ولها إرادة خاصة بها. مزج سيلرز في هذا الدور عددًا هائلاً من علماء الذرة ومنهم عالم الصواريخ النازي فون براوننج.

شاهد هذا الجزء هنا

يتوالى مسلسل سوء الحظ، فبرغم الوصول إلى الشفرة وإبلاغ الطائرات، فإن طائرة واحدة تظل متجهة لهدفها؛ لأن جهاز استقبالها قد أصيب بقذيفة سوفييتية.

يستعد طاقم الطائرة لقذف القنبلة، ومنهم الميجور كينج كونج الذي يحاول فتح أبواب سقوط الطائرة المعطلة.. هنا تنفتح الأبواب فجأة فيسقط مع القنبلة. تكون استجابته أمريكية جدًا هي أن يمتطي القنبلة ويلوح بقبعته كما في مباريات الروديو. ففي النهاية كل الأمريكان رعاة بقر لا أكثر!



هذا هو المشهد الأيقوني الذي لن ينساه كل من رأى هذا الفيلم



تبيض الشاشة علامة على الانفجار. يعلن السفير السوفييتي أن الحياة على الأرض ستنتهي خلال ستة أشهر؛ لأن آليات يوم القيامة سوف تبدأ. يشعر سترينجلاف بنشوة جبارة، ويرتجف وهو يطلب من الرئيس أن يختار أفضل عينات من الأمريكيين.. أجمل النساء وأقوى الرجال، ويخفيهم في المناجم لمدة مائة عام إلى أن يزول الإشعاع.. هؤلاء هم الذين سيصيرون البذرة الجديدة لأمريكا. فجأة يستعيد قدرته على المشي كأن كل هذه النشوة عالجته من الشلل.. وهنا نرى مرحًا لا نهاية له في نعيم المحرقة النووية.. انفجارات وسحابة عشّ الغراب في كل مكان، مع أغنية رقيقة تقول "سوف نلتقي ثانية"..



شاهد هذا الجزء هنا

ينتهي الفيلم الساخر، بعدما علمنا ألا نخاف الجحيم الهيدروجيني.. سوف تحترق البشرية كلها لكنها ستعود يومًا ما!

حقق الفيلم نجاحًا ساحقًا.. خاصة مع الأداء المذهل لبيتر سيلرز في ثلاثة أدوار. كانت هذه هي فكرة شركة كولومبيا التي شعرت بأنه هو سبب نجاح الفيلم السابق "لوليتا". كان من المفترض أن يؤدي كذلك دور الطيار كنج كونج لكنه خشي ألا يستطيع تقليد لكنة أهالي تكساس بشكل موفّق. يتصدر الفيلم معظم قوائم أفضل فيلم، وتعتبره مجلة توتال فيلم رقم 23 في أعظم أفلام التاريخ، كما اختير كرابع أعظم فيلم كوميدي، واحتفظت به مكتبة الكونجرس باعتباره عالي القيمة الثقافية.

إن فيلم دكتور سترينجلاف هو فيلم مهم من أفلام الحافظة الزرقاء.

72. E.T. (1982)

PG | 115 min | Adventure, Family, Sci-Fi

92 Metascore

A troubled child summons the courage to help a friendly alien escape from Earth and return to his home planet.

Director: Steven Spielberg | Stars: Henry Thomas, Drew Barrymore, Peter Coyote, Dee Wallace

Votes: 437,699 | Gross: $435.11M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

في عام 1982 كنت في الكلية، وكان العالم كله يهتز انفعالا بفيلم جميل صنعه عمود السينما الأهم ستيفن سبيلبيرج.. رآه الناقد رءوف توفيق في الخارج فعاد ليحكيه لنا في ملف كامل من مجلة الدوحة القطرية، ثم عُرض في مصر، وبعدها صار في كل شيء؛ الملصقات.. الألعاب البلاستيكية.. التي شيرتات.. أدوات المدرسة.. كان أولاد أختي صغيري السن جدا لهذا كانوا يُطلقون على أي ملصق "ستيكر" لفظ "إي تيهات"، مثلما نطلق نحن على أي حفّاضة لفظة "بامبرز". لقد كان أول ستيكر يرونه في حياتهم هو ستيكر يحمل صورة إي تي.

لقد حكم إي تي حقبة الثمانينيات بلا جدال، وقهر "حرب الكواكب" ليعلو قائمة أعلى إيراد في التاريخ لمدة عشر سنوات كاملة. على أن الجميع لم يتحمّسوا بهذا القدر؛ فالناقد الكبير -وأبي الروحي- سامي السلاموني كتب ينتقد الفيلم في مجلة الإذاعة والتليفزيون بعنوان: "إي تي.. القرد القادم من الفضاء الخارجي ليضحك على العالم!"، ورأت ناقدة ماركسية أن الفيلم يُحاول تمرير رسالة خطرة هي أن اليهودي كائن وديع لطيف مثل هذا الإي تي، وكل ما يحتاج له هو بعض الحنان! لا تنسَ أن سبيلبيرج يهودي بشدة، وهو لا يكف عن عزف مزمار يهوديته في كل أفلامه، حتى بلغ درجة العزف المنفرد في فيلم "قائمة شندلر".. على كل حال يجب أن أعترف أنني أنا الآخر لم أحبّ الفيلم كثيرا، لكني تعاملت معه برهبة؛ لأنه من المستحيل أن أكون المحقّ الوحيد.

سبيلبيرج صار قوة كاسحة في هوليوود بعد فيلم "الفك المفترس" سبيلبيرج صار قوة كاسحة في هوليوود بعد فيلم "الفك المفترس"

كان سبيلبيرج قد صار قوة كاسحة في هوليوود بعد فيلم "الفك المفترس" الذي تحوّل إلى أسطورة، وكان هناك إجماع على أن الإمتاع في أفلامه عالٍ جدا، وكلها تحصد الإيرادات حصدا، وإن اختلف النقاد حول قيمته الحقيقية، ورأى بعضهم أنه مجرد شخص يصنع الأفلام التي كان على ديزني أن يصنعها فلم يفعل. كان على سبيلبيرج أن ينتظر طويلا حتى يعترفوا به بشكل رسمي، كتبت سيناريو الفيلم كاتبة سيناريو مهمة جدا هي مليسا ماتيسون، لكنك تدرك بسهولة أنها كانت تنفّذ رؤيا سبيلبيرج فقط، أما التصوير فكان لألن دافيو وهو مصوّر مهم بدوره، أما عن موسيقى جون ويليامز فهي كالعادة فوق التعليق.

لفظة "إي - تي" اختصار للفظة extraterrestrial ومعناها "القادم من خارج الأرض"، وقد دشن هذا الفيلم موضة "الفضائي الوديع"؛ فقد ظلّت كل الكائنات الفضائية مخيفة وسافلة حتى العام 1982، عندما قدّم هذا الفيلم احتمالا آخر: "قد يكون الفضائي خائفا مذعورا لا يريد سوى العودة لبيته". يبدأ الفيلم بسفينة الفضاء التي تنزل للأرض، ويخرج منها هذا الكائن الصغير الرقيق "إي تي"، ثم ترحل السفينة تاركة الصغير المذعور، والذي لا يعرف إلى أين يذهب ولا ماذا يفعل.. إن وجه إي تي صار أيقونة مهمة في الثمانينيات، ويقول صانع المؤثّرات كارلو رامبالدي إنه استعمل عينيّ أينشتاين الحساستين المذعورتين مع تكوين قرد الليمور الشهير، هناك قزم يلبس بذلة إي تي ويضع على وجهه هذا القناع.

لكل طفل صديق سري يزعم أنه يراه وحده ولا يراه الكبار.. هذا ما يحدث هنا حرفيا عندما يجد الطفل إليوت الكائن الفضائي في الغابة ويصحبه معه للبيت. نتعرف حياة أطفال الضواحي في أسرة بغير أب غالبا، تلك البيئة التي يستعملها سبيلبيرج كثيرا في أفلامه وهي ببساطة البيئة التي نشأ فيها، بل إنه اخترع لنفسه صديقا سريا عندما طلّق أبوه أمه وهو طفل.

يخفي الطفل إليوت الكائن في غرفته، ويتظاهر بأنه محموم ومريض حتى لا يذهب للمدرسة..

مشهد مفعم بالحيوية وإن كان بالألمانية في هذا الكليب

إن الأطفال ينسجمون مع الحيوانات والكائنات الغريبة بسرعة، لهذا تنشأ صداقة بين الأطفال الثلاثة وذلك الكائن الذي يخبّئونه في غرفتهم.. هذا بالطبع بعد لقاء هستيري مليء بالهلع عندما تكتشف الطفلة ذلك الكائن الذي يُخفيه أخوها في غرفة نومه



هناك توحّد واضح بين الطفل إليوت وإي تي.. لاحظ أن اسم الطفل يبدأ وينتهي بحرفي ET. سوف تميّز بين الأطفال تلك الطفلة الحسناء درو باريمور، والتي كبرت وعرفها الجميع فيما بعدُ خاصة في اللقطة الافتتاحية لفيلم "الصرخة"، وهي ترد على مكالمة السفاح.

هنا نلاحظ نقطة يلتزم بها الفيلم، هي أننا باستثناء الأم لا نرى الكبار أبدا.. لا ترتفع الكاميرا إلى أعلى من الخصر في أي لقطة، على طريقة أفلام توم وجيري. عالم الكبار مخيف وغامض، بينما الكائن مفعم بالحب والحياة.. إن الورود تزدهر عندما يلمسها، وله قلب خفّاق يتوهج بين الضلوع.

النصف الأول من الفيلم ساحر حقا، عندما يصادق إي تي كلب الأسرة، أو عندما يشرب البيرة ويسكر، أو عندما ينقذ الضفادع من التشريح في المدرسة عن طريق التخاطر مع إليوت (لاحظ أنه يشبه الضفادع هو نفسه لذا يتعاطف معها)، وهو مشهد شاعري فعلا، ينتهي بقبلة لفاتنة الصف..



وهو يصمم جهازا يخاطب به كوكبه لينقذوه، ولا يكفّ عن تكرار اللفظة الإنجليزية التي يعرفها: ـ "إي تي يتصل بالبيت" (ET phone home)

شاهد هذا المشهد المؤثّر هنا مع ثلاثة الأطفال

ثم أن إي تي يمرض ويوشك على الموت، بل يموت فعلا، ويصير فأر تجارب لدى الحكومة الأمريكية في مشاهد ضخمة من التي تروق جدا لسبيلبيرج. هنا يتمادى سبيلبيرج فيربط بين إي تي والمسيح -عليه السلام- ذاته، والنقاد الذين فطنوا لهذا أدهشتهم غلظته التي تصل لدرجة الوقاحة. لاحظ أفيش الفيلم الذي يظهر تلامس الأصابع، وهو استنساخ للقطة من لوحة مايكل أنجلو على سقف كنيسة سستتين؛ حيث يمد المسيح إصبعه بذات الطريقة. إن إي تي يموت ثم يبعث من جديد، ويحمله أصدقاؤه على دراجاتهم في سباق رائع.. تذكر مشهد عبور الدراجات أمام قرص القمر الذي صار بعد هذا رمزا لشركة سبيلبيرج الأولى "أمبلين"..

شاهده هنا بعد دقيقة

أو هنا.. مطاردة دراجات مثيرة جدا

إي تي يصعد إلى السماء في مشهد شبه ديني عندما تهبط سفينة الفضاء.. هنا يتدخّل الإخراج العبقري مع موسيقى جون ويليامز الساحرة لجعل الجميع يبكون.



حرص سبيلبيرج على تصوير الفيلم بالترتيب وكما نراه على الشاشة بالضبط، وهذا حتى يبني مشاعر الأطفال الممثلين تدريجيا، وهذا ترف لا تقدر عليه السينما المصرية مثلا. أنت تصوّر كل مشاهد ميدان التحرير معا؛ سواء ما كان منها في أول الفيلم أو آخره، لتقليل تكاليف العودة للميدان مرة أخرى.

شاهد ملخصا سريعا للفيلم هنا

لم يكف سبيلبيرج عن إدخال تعديلات على الفيلم كعادته، وهكذا هناك نسخة 1985 ونسخة 2002، وفي كل مرة هناك تغييرات معينة تدفع الناس دفعا لشراء الفيلم الجديد. لا بد أنك شاهدت الفيلم ويمكنك أن تحكم إن كان إي تي كائنا فضائيا رقيقا شاعريا، أم هو على رأي سامي السلاموني "القرد القادم من الفضاء الخارجي ليضحك على العالم".. ومهما كان رأيك فهو فيلم مهم لا بد أن نحتفظ به في الحافظة الزرقاء.

73. In the Name of the Father (1993)

R | 133 min | Biography, Crime, Drama

84 Metascore

An Irish man's coerced confession to an I.R.A. bombing he did not commit results in the imprisonment of his father as well. Meanwhile, a British lawyer fights to clear their names and free them.

Director: Jim Sheridan | Stars: Daniel Day-Lewis, Pete Postlethwaite, Alison Crosbie, Philip King

Votes: 187,169 | Gross: $25.01M

لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.

الظلم مَقيت.. كريه في كل زمان ومكان. وفي هذا الفيلم نرى القصة الحقيقية لرباعي "جلدفورد".. (أربعة أيرلنديين اتُهموا ظلمًا بالقيام بعملية إرهابية شنيعة) وكما يحدث عندنا معظم الوقت، فإن البوليس البريطاني -التواق إلى حل ألغاز القضية- يلجأ إلى سجن أربعة أبرياء وستة أفراد من أسرة واحدة.. لا يعترفون!

هناك حل عبقري اسمه التعذيب الذي يمكن أن يجعل أي واحد فينا يعترف بقتل يوليوس قيصر..

هذا هو محور فيلم "بسم الأب" الذي عُرض عام 1994 فهز العالم. وفي رأيي أنه من الصعب فعلاً ألا تسيل ولو دمعة واحدة على خدك إذْ تشاهد هذا الفيلم الرائع..

هذا في الحقيقة فيلم عن الأب.. الأب الذي يتحدث عنه عنوان الفيلم ليس الأب بمعناه في العقيدة المسيحية، والذي تخاطبه صلاة "أبانا الذي في السموات" المعروفة، ولكنه أبو كل واحد فينا.. الأب الذي أنجبنا وعلمنا كل شيء، وفي لحظة بعينها يموت بين أيدينا..

جيم شريدان هو مخرج أيرلندي عظيم ارتبط بشكل واضح بالممثل المذهل دانييل داي لويس جيم شريدان هو مخرج أيرلندي عظيم ارتبط بشكل واضح بالممثل المذهل دانييل داي لويس

أخرج الفيلم (جيم شريدان) وهو مخرج أيرلندي عظيم، ارتبط بشكل واضح بالممثل المذهل دانييل داي لويس، ولهما فيلمان شهيران هما "الملاكم" و"قدمي اليسرى". قصة الفيلم لجيري كونلون وهو واحد من رباعي جيلدفورد الذي سجن ظلمًا وكتب كتابًا يثبت براءته بعد خروجه من السجن. كتب شريدان السيناريو عن هذا الكتاب بالتعاون مع تيري جورج. كل عناصر الفيلم مختارة بعناية، وبالطبع نذكر منها موسيقى تريفور جونز، والتصوير الساحر لبيتر بيزيو.

لكن يجب أن نعترف بأن الفيلم لم يكن ليوجد من دون دانييل دي لويس، الممثل الظاهرة الذي يعدّ لكل دور يمثله لمدة عام أو أكثر.. وهو الذي استعد لهذا الفيلم بليالٍ طويلة في السجن، حيث يلقي عليه الحراس الإهانات والقاذورات. واستعد لفيلم "سيكون هناك دم" بستة أشهُر من العمل في المناجم في الصحراء. إنه تلميذ الطريقة (Method) أو "استوديو الممثل" بشدة، والتمثيل بالنسبة إليه تجربة مرهقة تأكل الكثير من جسده وأعصابه.

يبدأ الفيلم بمشهد عنيف جدًّا لتفجير حانة جيلدفورد قام به أعضاء جيش التحرير الأيرلندي عام 1974، وتسبب في موت أربعة رجال شرطة بريطانيين. وعلى الفور تبدأ أغنية المقدمة الرائعة التي يغنيها بونو والتي تحمل اسم الفيلم (بسم الأب).



شاهد المقدمة هنا

يقدم لنا الفيلم ذلك اللص الظريف الوسيم جيري كونلون.. شاب أيرلندي مستهتر فعلاً، لكنه لا يستطيع قتل دجاجة. وفي مشاهد ساحرة نرى فراره من رجال الشرطة البريطانيين، بينما يحميه كل الشارع الأيرلندي، وكل الأُسَر وحتى أطفال المدارس. الواقع أنك سوف تتذكر على الفور مشاهد الفلسطينيين والإسرائيليين. وجوه تشابه الشعب الأيرلندي مع الفلسطيني أثارت انتباه كثيرين.



شاهد هذا المشهد الطريف المليء بالحيوية هنا

عندما يقع الانفجار يبحث البوليس البريطاني جاهدًا ومحمومًا عن شخص تُلصق به الاتهامات. يقودهم البحث إلى اتهامه هو لأنه كان في رحلة إلى لندن، ويتهمون أصدقاءه وستة من أسرته بالتورط في هذه العملية.

هنا ندرك أن طرق البوليس البريطاني ليست علمية جدًا.. إنهم يعذبونه معنويًا، حيث يهددونه طيلة الوقت بأنهم سيقتلون أباه.. وهكذا يضطر إلى الاعتراف بما لم يفعله..

يبدأ الجزء الثاني من الفيلم، حيث نرى الأب والابن في زنزانة واحدة بالسجن البريطاني، وهو يعرف أن هناك خمسة آخرين من أفراد أسرته في السجن. الأب هو الممثل بيت بوسلثويت، الذي يقدم مع دانييل داي لويس أداءً مذهلاً. لأول مرة يقترب الأب المتدين الكاثوليكي من ابنه الهيبي المستهتر إلى هذه الدرجة.

وفي الوقت نفسه تجاهد المحامية الباسلة جاريث بيرس التي تقوم بتمثيلها إيما تومسون، كي تعيد التحقيق في القضية.



هذا الفيلم يتعامل مع السجن وعلاقة السجناء ببعضهم بحساسية بالغة. إنه يقترب جدًا من النسيج الإنساني بدلاً من أن يرينا مجموعة بلطجية. ونعيش مع المساجين لحظات طويلة خاصة عندما يحدث تمرد يسيطرون فيه على السجن بضعة أيام، والمشكلة هنا أن جيري يقابل في السجن رجلاً أيرلنديًا يعترف له بأنه هو الذي دبر انفجار الحانة!.. لكنه لا يستطيع تبرئة نفسه ولا أبيه.

يكون على جيري أن يتحمل أن يمضي في هذا الكابوس 15 عامًا، وأن يموت أبوه المريض بداء الصدر بين ذراعيه.

تأمل أداءه الخالي من الصخب وشديد الهدوء. وإذ يخبرونه بأن أباه قد مات؛ يظل ساكنًا في الوضع السابق ذاته، ويقول بطريقة أقرب للامبالاة: "أوه.. شكرًا لك"..

ولكننا نعرف جيدًا كيف يشعر، لهذا تبدو هذه العبارة قوية جدًا.. إنها مؤثرة أكثر بمراحل مما لو راح يصرخ ويبكي ويتلوى على الأرض..

تتصاعد عبر نوافذ السجن صيحات: لقد مات جيسيبي يا رجُل!!

هنا يشعل كل سجين ورقة ويلقي بها من النافذة، وهكذا تنهمر الأوراق المشتعلة من النوافذ في جنازة رهيبة.. مشهد لا يمكن أن يوصف ما لم تره، حيث يتداخل التصوير والأداء مع الأغنية الرائعة.. وكما يقول الأمريكان: لو لم يتجعد جلدُك لرؤية هذا المشهد فجلدك ضيق عليك جدًا!



وفي النهاية تكتشف المحامية ورقة تثبت أن جيري كونلون لم يكن في لندن وقت الانفجار.. والأدهى أن البوليس البريطاني تأكد من هذا، وكتب على المذكرة: "لا تُعرض على دفاع المتهم!".

لقد تآمر النظام القضائي البريطاني بالكامل على هؤلاء الأربعة، وسرق منهم خمسة عشر عامًا من عمرهم، لمجرد أنهم أيرلنديون..

تكشف المحامية هذه الحقائق أمام المحكمة وهي تنفجر بالبكاء، ولا يجد القاضي البريطاني سوى أن يعترف ببراءة الجميع ويطلق سراحهم في مشهد مُزلزِل..



يواجه جيري الصحافة ليعلن أنه لن يغفر للبوليس البريطاني هذه الأعوام في السجن، وأخته التي دخلت السجن فتاة نضرة وتغادره امرأة في منتصف العمر، وأباه الذي مات في السجن دون أية رعاية طبية.. بسم الأب سوف يخوض معركته..

بسم الأب سوف يفضحهم جميعًا..

رُشح الفيلم لسبع جوائز أوسكار لكنه لم ينل أي شيء، وهذا طبعًا بسبب أنه تنافس مع فيلم "قائمة شندلر" الذي يحكي عن عذاب اليهود والمحرقة، وهو موضوع مضمون لحصد جوائز أوسكار في الخارج. لكن الفيلم قد نال عشرات جوائز الأوسكار لدى كل من رآه.. فهو من عالم تلك السينما الراقية التي تجعلنا أفضل..

كان هذا فيلمًا مهمًا من الحافظة الزرقاء..

74. Blade Runner (1982)

R | 117 min | Action, Drama, Sci-Fi

84 Metascore

A blade runner must pursue and terminate four replicants who stole a ship in space and have returned to Earth to find their creator.

Director: Ridley Scott | Stars: Harrison Ford, Rutger Hauer, Sean Young, Edward James Olmos

Votes: 823,383 | Gross: $32.87M

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.

كما قال مدحت محفوظ في ترجمته الرائعة لكتاب "السينما الخيالية" لبيتر نيكولز، فإن ترجمة عنوان هذا الفيلم عسيرة، لأنها تحتمل عدة معانٍ كلها صحيحة، من الوارد أن ترى هذا الفيلم في القنوات الفضائية اليوم، لكنه غير مشهور في مصر جدا برغم كونه من أهم أفلام الخيال العلمي في التاريخ، وقد ظهرت منذ أعوام قليلة النسخة التي تحمل تقطيع المخرج مع إعادة التصحيح الرقمي، فأدرك الناس أن هذا الفيلم عمل لا يشيخ.. قابلنا المخرج البريطاني العظيم ريدلي سكوت من قبل في فيلم "الغريب"، فدعنا نتذكر ما قلناه: إنه مخرج سينمائي قادم من عالم الإعلانات، يملك سيطرة كاملة على أدواته السينمائية، ويقدر أن يقول ما يريد بشكل بليغ، كما أنه قادر على أن يستولى على المُشاهد بسهولة تامة، حيث قدم سلسلة أفلام ناجحة يذكر منها "المصارع" و"مملكة السماء" و"سقوط الصقر الأسود" و"هانيبال" و"برومثيوس" و"بليد رانر"..

عرف الناس اسم ريدلي سكوت أول مرة واهتموا به جدا، مع فيلم "الغريب" الذي قدمه عام 1979، هذا الفيلم قد أوجد عالمه الخاص من التأثيرات وطرق التصوير والإضاءة.. ولا شك أنه ترك آثارا عميقة في أفلام الخيال العلمي التالية، وخصوصا "ماتريكس".. الآن يثبت أنه ليس مجرد وافد على عالم الخيال العلمي، بل هو قادر على احتلال مكان مهم بين صانعيه..

ريدلي سكوت هو مخرج قادم من عالم الإعلانات ريدلي سكوت هو مخرج قادم من عالم الإعلانات

عرض الفيلم عام 1982 عن رواية خيال علمي للكاتب فيليب ديك تنتمي إلى أدب السايبر بانك، وتحمل هذا العنوان الغريب "هل تحلم الأندرويد بشاه كهربائية؟". وهي رواية قاتمة تصور أرضا فقدت مواردها كلها تقريبا، وهاجر معظم سكانها..

التصوير كان عملية شاقة، وسوء التفاهم كان كاملا بين سكوت وبطل فيلمه هاريسون فورد، كما أن الطاقم الأمريكي لم يحب قط العمل مع مخرج بريطاني بدا لهم سمجا باردا.. لهذا اشتهر تصوير هذا الفيلم بأنه تمرين في كراهية الأجانب..

استخدم ريدلي سكوت أسلوبا بصريا يمت إلى الفيلم نوار (أو الأفلام السوداء)، وهي تلك الأفلام القديمة التي تحكي عن عوالم العصابات والمخبرين السريين الذين لا يقلون شراسة عن المجرمين أنفسهم.. عالم الدخان الكثيف المتصاعد من المجاري والأزقة الخلفية والمطر والظلال في كل مكان.. نفس الأسلوب العتيق المستخدم في أفلام همفري بوجارت، بل إنه يضيف تعليقا صوتيا Voice over بصوت هاريسون فورد كما يحدث في تلك الأفلام القديمة حرفيا.. استعاد ريدلي سكوت هذا الجو كله ليصور لنا لوس أنجيليس مدينة المستقبل عام 2019 (لاحظ أن هذا التاريخ لم يعد بعيدا)، طبعا مع لمساته اللونية المميزة.. لدى سكوت قدرة مذهلة على أن يريك أشياء مستقبلية عتيقة! شاهد الحي الصيني كما يبدو في الفيلم، بينما يقف هاريسون فورد يلتهم النودلز تحت المطر، لاحظ الجو العام.

هناك أندرويدات (الفارق بين الأندرويد والسايبورج والروبوت والربليكانت يهم عشاق الخيال العلمي، لكني لا أرى فارقا واضحا بصراحة) تمكنت من الهروب من المستعمرات التي تعمل فيها خارج الأرض، ومن المستحيل أن تميزها عن البشر.. لهذا تعهدت الحكومة لهاريسون فورد بالبحث عن هذه الأندرويدات وتدميرها.. وهي مهمة خطرة لأن هذه الكائنات قوية جدا.. إنها أحدث طراز تم صنعه ويدعى Nexus 6.. إن الأندرويدات عنيفة وقوية، لذا من الممنوع أن توجد على كوكب الأرض أصلا.

هناك اختبار اسمه "فويت كامف" يتم فيه قياس اتساع الحدقة لدى سماع أسئلة غريبة.. هكذا يمكنك أن تفرق بين الأندرويدات والبشر العاديين لدى سماع أسئلة غريبة أو صادمة أو مقرفة، على غرار: أنت تشاهد التليفزيون، فجأة هناك دبور على ذراعك.

هذا عيد ميلادك، هناك من يجلب لك هدية هي حافظة من جلد الحملان.

أنت تشاهد مسرحية، على المسرح يجلس الأبطال يأكلون وجبة من المحار النيئ.



في بداية الفيلم يتم استدعاء ديكارد (هاريسون فورد) الذي يعمل بليد رانر (وهو مصطلح نستنتج معناه من القصة)، للقبض على ستة أندرويدات هربت على سفينة مخطوفة يقودها من يدعى "بريس".. مطلوب منه تصفيتها.. في شركة "تيرل" التي أنتجت هذه الأندرويد قديما، يقابل الحسناء شون يانج التي يعرف أنها ربليكانت.. وهي نفسها لا تصدق ذلك لأنهم زودوها بذاكرة صناعية.

هي لا تعرف أن ذكرياتها هذه ذكريات إنسان حقيقي غيرها..

يذكر من شاهدوا الفيلم دوري داريل هانا وروتجر هاور.. وهما من الأندرويد فائقي السرعة والقوة.. الثاني ظهر في أفلام روكي، وهو يبدو كائنا فضائيا فعلا بملامحه الغريبة وجسده العملاق ووجهه الخالي من التعبير.

شاهد هنا مشهد دخول البطل ديكارد قاعة مليئة بالدمي وانقضاض داريل هانا عليه فجأة، إنه مشهد مخيف فعلا.

في النهاية يدور صراع عنيف بين هاريسون فورد والأندرويد روتجر هاور فوق سطح بناية برادبوري، وهي بناية شهيرة جدا، تم تصوير أفلام عديدة فوقها، وهو صراع يكون فورد فيه هو الطرف الضعيف، والضعيف جدا.. لكن في اللحظة الأخيرة يتركه روتجر يعيش، وهذا قد خضع لتفسيرات عديدة، منها تفسير سكوت نفسه: هذه تحية من محارب شريف لمحارب شريف آخر..



يعود فورد إلى شقته ليجد الأندرويد راشيل هناك.. وينطلق معها نحو أفق يتوهج بشمس سريالية غامضة لا نعرف إن كانت تعني الخير أم الشر لهما.. قليل جدا من المشاهدين فهم أن فورد هو ربليكانت آخر، وهو ما قاله سكوت بعد ذلك بأعوام، والسبب هو جو الغموض العام المخيم على الفيلم، مما يجعله بحاجة إلى أكثر من مشاهدة..

لم يلقَ الفيلم نجاحا كبيرا في البداية، لكن مع الزمن أدرك الناس قيمته وروعته.. واليوم صار يحتل مكانه كواحد من أهم أفلام الخيال العلمي مثله مثل "سولاريس" و"أوديسة فضائية".. ومن الأشياء الطريفة كذلك إشاعة تقول إن الفيلم جلب النحس لكل شركة تم الإعلان عنها فيه.. هكذا انتهت شركة "أتاري" التي ظهر إعلان لها في الفيلم وشركات أخرى كثيرة.

إن "بيلد رانر" فيلم جدير بأن يوجد في الحافظة الزرقاء، وأن تشاهده أكثر من مرة.

75. The Golden Voyage of Sinbad (1973)

G | 105 min | Action, Adventure, Fantasy

69 Metascore

Sinbad and the vizier of Marabia, followed by evil magician Koura, seek the three golden tablets that can gain them access to the ancient temple of the Oracle of All Knowledge.

Director: Gordon Hessler | Stars: John Phillip Law, Caroline Munro, Tom Baker, Douglas Wilmer

Votes: 10,564 | Gross: $3.03M

فنان التحريك العظيم راي هاري هاوزن هذا فيلم من الأفلام التي لا يذكر الناس اسم مخرجها ولا كاتبها ولا ممثّليها، وإنما يتذكّرون اسم رجل خجول مهذّب اعتاد أن يقف وراء الكاميرا ويملك قدرا هائلا من الصبر. الرجل هو فنان التحريك العظيم راي هاري هاوزن.

لم يكن هاري هاوزن هو مبتكر فن التحريك بإيقاف الكادر (Stop motion)، ولكن سبقه الفرنسيون، ثمّ جاء فنان عظيم خرج الكل من عباءته؛ هو ويليس أوبرايان صاحب فيلم "كنج كونج" القديم. في هذه الطريقة يقوم المحرّك بصنع دمية لها أطراف مفصلية، يحرّك المفصل ثم يلتقط صورة، يحرّكه أكثر ويلتقط صورة أخرى، عندما يتمّ عرض المشهد تبدو الدمية حية تماما.

ما فعله راي هاري هاوزن هو أنه بلغ القمة في هذا التكنيك، ثم أضاف طريقة ساندوتشية معينة "دايناراما" تجعل تفاعل الأبطال كاملا سواء أمام النموذج أو خلفه. لا ينسى الناس مخلوقات هاوزن في أفلام: "صدام الجبابرة" و"رحلة السندباد الذهبية" و"وادي جوانجي" و"جاسون والأرجونوت".. إلخ. صحيح أن هناك نوعا من الميكانيكية في الحركة.. هذا عيب لا يُمكن تفاديه ويطلقون عليه "التأثير الستروبوسكوبي" ناجم عن كون الأطراف محددة وواضحة في الكادرات المنفصلة من ثم تترجم العين هذا بوثبات ميكانيكية.

فيما بعد ظهرت طريقة G-motion التي تغلّبت على هذا العيب كما رأينا في مشاهد معينة من فيلم "حديقة العصر الجوراسي". عمل هاوزن دوما مع المنتج تشارلز شنير؛ حيث حاولا تقديم عوالم الأساطير على الشاشة، والسبب طبعا أن الأساطير هي المجال الذي تتنفّس فيه عبقرية هاري هاوزن بحرية.. أفلامهما عيد دائم للأطفال والكبار ذوي قلوب الأطفال، وفي رأيي الخاص أن هذه المؤثّرات ساحرة وأفضل بكثير من مؤثرات الكمبيوتر التي لا تقنعني أبدا، وتشعرك أن الصورة بلا حياة. قارن بين فيلمي صراع العمالقة Clash of titans القديم (1981) والجديد (2010) لتفهم كلامي، لكن عيب أفلام هاوزن الرئيس هو الفصلية الشديدة.. القصة عبارة عن رابط واه يربط مشاهد التحريك المبهرة.



شاهد راي هاري هاوزن يشرح التحريك بوقف الكادر هنا، وهو يريك كيف تتحرّك الهيدرا في فيلم "جيسون والأرجونوتس":

أخرج الفيلم مخرج أمريكي هو جوردون هسلر أخرج الفيلم مخرج أمريكي هو جوردون هسلر رأيت فيلم "رحلة السندباد الذهبية" عام 1974؛ فظللت في حالة انبهار وذهول لمدة أسابيع، وأعتقد بأنني شاهدت هذا الفيلم عشر مرات، وله دور مهم جدا في عشقي للسينما والأدب وكل فن يتعلّق بالخيال. عندما اقترضت من صديقي أول كاميرا فيديو رأيتها في حياتي عرفت كيف ألتقط صورة بصورة، وقمت بإعادة مشهد تمثال كالي المتحرّك باستخدام الصلصال أمام لوحة تمثّل كهفا، النتيجة كانت ساذجة لكنها مبهرة لمن لم يرها من قبل.

أخرج الفيلم مخرج أمريكي هو جوردون هسلر، وهو مخرج متوسّط المستوى. رأيت له أشهر أفلامه: "صرخة البانشي" و"اصرخ ثم اصرخ ثانية" و"الصندوق المستطيل"، فلم أتحمّس له كثيرا. كما قلنا: بطل الفيلم الحقيقي ونجم شباك التذاكر هو راي هاري هاوزن، تكلّف الفيلم ثلاثة أرباع مليون دولار، وهو مبلغ تافه حتى بمقاييس السبعينيات.

من ضمن أسباب إعجاب الناس بالفيلم تلك الموسيقى البديعة للفنان ميكلوس روزا.



قصة الفيلم -كما قلنا- واهية جدا.. محاولة لربط مشاهد التحريك المبهرة لا أكثر.

إن بحارة السندباد يسدّدون سهما على طائر غريب الشكل يحوم حول سفينتهم. تسقط منه قلادة ذهبية تسبّب أحلاما غريبة لسندباد.. هناك ساحر عملاق يفرد عباءة سوداء، وحسناء غامضة ترقص يوجد على كفها وشم عين.

عندما يُقابل السندباد الوزير في سوق بمارابيا، يكتشف أن الوزير يلبس قناعا يخفي وجهه المشوّه المحترق، ويلبس قلادة تكمل نصف القلادة الآخر.. واضح أنها خارطة تقود إلى ينبوع الشباب في قارة ليموريا الضائعة.

هنا نتعرّف على الساحر الشرير كورا الذي يلعب دوره ببراعة توم بيكر بعينيه الناريتين. توم بيكر سوف يلعب فيما بعد دور "الدكتور هو" في المسلسل البريطاني فائق الشهرة. يستعمل كورا أجهزة تنصّت خارقة للعادة يُتابع بها المحادثة، وهي عبارة عن كائن غريب صغير يُشبه قزما مجنحا Homonculus. كورا يصنع هذه النماذج من الطين.

يجمع السندباد طاقم السفينة التي ستُبحر للبحث عن ينبوع الخلود، معه الوزير والجارية الحسناء كارولين مونرو (وهي بجمالها الخارق للطبيعة من أسباب نجاح الفيلم المهمة)، وهي الفتاة التي رآها في الحلم والتي تحمل وشما على كفها، تقلع السفينة بينما تطاردها سفينة كورا. هنا نُدرك شيئا مخيفا عن كورا، هو أنه يشيخ بلا توقّف كلما قام بتنفيذ تعويذة سحرية، لهذا صار العثور على الينبوع قضية حياة أو موت له. يبذل شتى الطرق السحرية لتعطيل الرحلة؛ ومنها تحريك صنم عملاق على ظهر سفينة سندباد بغرض سرقة الخارطة نحو ليموريا، وينجح في هذا. عندما يصل الجميع إلى ليموريا يصل كورا أولا، ويكتشف مجموعة من الوطنيين المتوحشين الذين يعبدون إلها ذا ستة أيد يُشبه كالي الهندية. هنا تحية من هاوزن للتمثال ذي الستة أيدٍ في فيلم "لص بغداد". أنت تعرف أن الخيال الغربي يخلط دوما بين التأثيرات الهندية والعربية، لهذا تجد أن سندباد يرتدي عمامة هندية، كما أن كالي ليست جزءا من الثقافة العربية. ينجح كورا في أن يعيد تمثال كالي للحياة ويجعله يرقص له.. هذا يجعل الوطنيين يرتجفون من هذا السحر القوي. عندما يصل السندباد ورفاقه ليقبضوا على كورا، يستخدم سحره ليحوّل تمثال كالي إلى محارب جبار له ستة سيوف، وهذا المحارب يوسع السندباد ورفاقه ضربا وتقتيلا.

عندما يتحطّم التمثال أخيرا، يقبض الأهالي على السندباد ويوشكون على ذبحه.. تصيح الجارية متوسّلة ألا يذبحوه.. يرون الوشم على كفها فيفترضون أنها علامة على أنها تخصّ إلها مخيفا آخر من آلهتهم.

ينزلون الفتاة إلى كهف عميق وينفخون في البوق. هنا يأتي وحش آخر مخيف هو القنطورس ذو العين الواحدة، والذي صمّمه هاوزن -حسب كلامه- ليتحرّك مثل "مطرب أوبرا يموت"، هذا تأثير من الأساطير الإغريقية هذه المرة. يختطف الجارية ويغيب وسط ظلمات الكهف.



يفرّ السندباد ورفاقه ويلاحقون الوحش في الكهف، وينقذون الفتاة ثم تحدث مواجهة أخيرة بين القنطورس ووحش اسمه "الجريفين"، يبدو أنه يمثل الخير هنا.



لقد وجد كورا نبع الشباب ويستعيد صباه، لكن السندباد يواجهه. هنا مشهد جميل لمواجهة بين السندباد والساحر الذي صار خفيا، وعندما يقتله السندباد تصير النافورة نافورة دماء ويطفو التاج الثمين الذي يبحث عنه الوزير. هنا الكثير من "هرش المخ"، وأعترف لك أنني لم أحاول قط متابعة الحبكة أو معرفة ما يبحثون عنه. فقط أحب جدا مشاهد التحريك والجو الفانتازي المخيف.

كان نجاح الفيلم ساحقا وقد عوض هاري هاوزن وشنير عن فشل فيلمهما السابق "وادي جوانجي"، وفيما بعد قدّما "السندباد وعين النمر"، وبهذا صارت هناك ثلاثية للسندباد أولها "الرحلة السابعة".

شاهد تريلر الفيلم هنا:

ترك هذا الفيلم علامة لا تُمحى لدى مخرجين كثيرين، ومنهم تيم بيتون، وقد رأيت لقاءً تليفزيونيا مع ستيفن سبيلبرج حول فيلم "حديقة العصر الجوراسي"، سخر فيه المعلّق بوقاحة من تحريك هاري هاوزن؛ فبدا الغضب الشديد على سبيلبرج وقال في حزم: "لولا راي هاري هاوزن لما كنّا نحن!".

نعم.. لولا هاري هاوزن لما كنا نحن.. أضمّ نفسي لـ"نحن" هذه بقوة.

76. Z (1969)

M/PG | 127 min | Crime, Drama, Thriller

86 Metascore

The public murder of a prominent politician and doctor amid a violent demonstration is covered up by military and government officials. A tenacious magistrate is determined not to let them get away with it.

Director: Costa-Gavras | Stars: Yves Montand, Irene Papas, Jean-Louis Trintignant, François Périer

Votes: 31,359 | Gross: $0.08M



Recently Viewed